Al-Quds Al-Arabi

قادة أحزاب اليسار المغربي: أزمة التعليم تحول دون التقدم الديمقراطي في البلاد

- الرباط –« القدس العربي»:

أكد قادة أحزاب اليســار المغربي أن أزمة التعليم التي يعرفهــا المغرب تحول دون تقدم ديمقراطي في البلاد ودون إنجاز تنمية حقيقية بعد أكثر من 63 ســنة من الاستقلال، وقالوا في ندوة «إصلاح التعليم ضرورة لكل تنمية حقيقية» نظمها حزب التقدم والاشتراكي­ة المشارك بالحكومة، إن «منظور اليسار لحل معضلة المدرسة العمومية هو بناء مؤسسة المستقبل، التي يجب أن تكون أكثر عدلاً ومساواة».

ودعا هؤلاء، في الندوة التي نظمت الســبت في مراكش، أن «إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية رهين بتحقيق دولة ديمقراطية، تتأســس على فصل السلط وقيم الحوار، لبناء مواطن يملك قيم النقد والشك المنهجي والبحث عن الحقيقة، ما سيمكنه من مواجهة تسونامي التطرف».

وقال عبد الواحد ســهيل، عضو الديوان السياســي لحزب التقدم والاشتراكي­ة، إن «موضوع الندوة من أهم ما يشــغل الرأي العام المغربي وكل بلدان العالم؛ لأن التعليم والتربية والتكوين هو منهاج أبان عن نجاعته في بناء معرفي ومجتمعي للشــباب والمجتمعات التي اســتطاعت أن ترتقي في مجال الفكر والإبــداع والابتكار»، وأضاف إن «المغرب تقدم في مجال التعليم منذ الاســتقلا­ل إلى اليوم، لكن نظامه التعليمي يواجه مطبات ومشــاكل، نتج عنها فقدان الثقة في المدرســة العمومية، التي كانت تؤدي دوراً كبيــراً في تكوين موارد بشــرية ذات كفاءة وقيم أخلاقية وســاهمت في تنمية المغــرب، أما اليوم فهذا التراجع دفع الجهات المعنية إلى بلورة رؤية استراتيجية جديدة».

وحذر من «موت المدرســة العمومية، واندحار مكانة وقيمة المدرســن، وسيادة مناهج فقيرة لا تعلم شــيئاً، وهو ما يفرض على كل الفاعلين، سياســيين واقتصاديين واجتماعيين ومفكرين، مناقشــة هذه المعضلة من أجل الوقوف على أحســن الســبل ليكون للمغرب تعليم في مســتوى الطموحات، ويؤهل الغرب لاجتياز مراحل المستقبل بكل ثقة واطمئنان لبناء مجتمع نامٍ ومتقدم».

مجانية التعليم

وقالت نبيلة منيــب، الأمينة العامة للحزب الاشــتراك­ي الموحد )معارضة(، إن «المدرســة العمومية المغربية غير مجانية بشكل كامل كما يظن البعض، بل مجانية بشكل نسبي، إذ يؤدي المغاربة أثمنة النقل والأدوات المدرســية والتأمين وغيرها»، وأوضحت أن شروط بناء المدرســة الجيدة، هو «قيامها بمهام التربية والتعليم، ومتابعة المســتجدا­ت في المعارف والعلوم»، مؤكدة «أن هذا الأمر لا تقوم به المدرســة المغربية اليوم».

وأكدت صحافية أن «تأهيل الفرد على القيم وتســليحه بمبادئ للتحرر مــن الثقافة العمياء ليصبح إنســاناً حراً ومواطناً متنوراً أمام الســيل الجارف من الظلامية والماضوية، يعد شــرطاً ضرورياً لبناء المدرســة المغربية». ودعت إلى «عدم الانجرار إلى شعار ربط التعليم بسوق الشغل، معتبرة إياه «فخاً» يــراد به ضرب جودة التعليم، بل يجب النضال من أجل تعليم جيد للجميع، ومن بعد ســتكون لكل فرد القدرة على البحث عن عمل». وأرجعت منيب، وهي أستاذة جامعية، أزمة التعليم إلى «الدولة العتيقة»، لأنها «تخاف من الذكاء والنباهة، لذلك تعمل على محاربته».

وقالت إن مسلســات إصلاح التعليم ســميت زوراً إصلاحات لتغطي عن فشــلها، لأنه في الأصل تم إضعاف المدرســة بطرق عدة، أولاها قتل الأستاذ مادياً ومعنوياً، ثم تفقير المناهج التعليمية العمومية». ودعت لتجاوز الوضع الذي يعيشه التعليم إلى «تحرير المجتمع من النظام الاستبدادي، وإحقاق حقوق الإنسان، والانفتاح أمام نظام اقتصادي يفتح الباب أمام التنافسية، مع احترام لمبدأ الفصل بين السلط».

وقالت نبيلــة منيــب إن «التفكير في إشــكالية إصلاح التعليم يفــرض الانطلاق مــن تفكيك بنية النيوليبرا­لية، التي حولت المدرســة العمومية إلــى فضاء لا ينتج الكم ولا النــوع، لأنها تكتفي بتعليم مهارات تقنية لتوفير موارد بشــرية لقطاع الصناعة، مما أدى إلى فقــدان الثقة في قطاع التعليم»، وإن في ذهنها نموذجاً لتصور المدرســة العمومية، هو ما يقدمه التعليم بفلســطين، «مما دفع إســرائيل إلى محاصرة الشــعب الفلســطين­ي، لأن المواطنين يملكون مســتوى مرتفعاً من التعليــم، جعلهم يؤمنون بالحرية والكرامة والمساواة، وهذا ما يمنعه من الركوع للزمن الأمريكو-صهيوني».

وأكدت أنه لإصلاح المدرســة العمومية، يجب تحرير المجتمع من الاســتبدا­د وبناء مجتمع ديمقراطي يقوم على الحق والواجــب والانفتاح الاقتصادي، الذي يوفر توزيع الثروات بين المواطنين بالمســاوا­ة لاسترجاع التضامن الاجتماعي».

قضية مجتمعية

وقالت حسناء أبوزيد، البرلمانية والقيادية السابقة في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية )مشارك في الحكومة(، إن «المدرســة العمومية قضية مجتمعية لا يمكن الدفع بها إلى تحقيق بناء إنســان يؤمن بوطنه وعمله إلا إذا غرســت فيه القيــم الأخلاقية، ومنها الحرية وطرح الســؤال والانفتاح على الغير والإيمان بالمشترك؛ لأننا نعاني اليوم من مشاكل عدة على مستوى الحكامة واحترام الآخر.»

وأشــارت إلى أن «النسق الإصلاحي الذي يعيشــه المغرب، ســواء تعلق الأمر بموضوع التربية أو النموذج التنموي، على أحزاب اليسار أن تجدد رؤيتها لعلاقة التربية والتنمية من خلال تجديد مداخل طرح المسألة التعليمية واستحضار البعدين الأخلاقي والثقافي، من أجل بناء قيم أفراد المجتمع المغربي الذين سيحضنون الإصلاح .»

وأضافت: «إذا ظهر في المســتقبل لوبي اقتصادي في المغرب يتكلم اللغة الهيروغليف­ية، ســتجد هذه اللغــة من يدافع عنها»، مؤكدة «على أن التعليم في مراحله الأولى يجب أن يمر من اللغة الأم، كما أن لغة الإدارة يجب أن تكون بالعربية والأمازيغي­ة.»

وقالت إن «المغرب اليوم يســجل نسبة مهمة في الاســتثما­ر بمعدل يفوق 30 في المائة، في المقابل نجد النتائج غير موجودة على أرض الواقع، باعتبار الشــواهد المغربية غير مؤهلة ولا تســتجيب لمتطلبات سوق الشغل». ووصفت أبو زيد الأحزاب اليسارية المغربية بـ»الُمتعبة والمفصولة عن المجتمع»، ودعتها إلى ضرورة «التخلص من السلفية اليســارية، لأنها تشل حركيتها داخل المجتمع». وتساءلت البرلمانية الســابقة «كيف يمكن لنا أن ندعو لتجاوز نظام سياســي معين ونحن قد أنتجنا أنظمة حزبية أعتى من نظام الدولة»، مشــيرة إلى أن مشــكلة مجتمعنا اليوم تكمن في «ضعف الدولة، بحجة ضعف الأحزاب الإداريــة التــي خلقتها الدولة وعــدم قدرتها على التأطير السياســي». وأعلنت أنها مســتعدة لتكون إصلاحية منبطحة من أجل ضمان حقوق المغاربة وتقديم خدمات لهم، معتبرة أن هذه هي قمة التضحية ومنتهى النضالية، عوض أن تعيش الزعامة التي لا تقدم شيئاً للمغاربة.

وأوضحــت أن مــن الأخطاء التي وقعت فيهــا الأحزاب اليســارية «بروز عقليات يســارية تترصد أخطاء اليســار، وعدم القدرة على جعــل مصلحة المواطن في قلب المصالح العليــا للبلاد، والبحث عن الزعامة اليســارية فيما بيننا، والاقتناع أن اليســاري هو الفاضح وليس البنّاء». واعتبرت في المقابل «نجاح الحركات الإسلامية جاء بســبب انخراطها داخل المجتمع، ولأنها فهمت المجتمع رغم أنها لا تؤمن بالديمقراط­ية إلا كوسيلة للوصول إلى السلطة»، مبدية تخوفها من أن يصل اليسار إلى مرحلة قول ما لا يقدر عليه، و»نصبح بذلك مؤثثين للمشهد السياسي.»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom