Al-Quds Al-Arabi

الجزائر: نخبة فاسدة فقط أم نظام سياسي بالكامل؟

- ناصر جابي*

التقيــت أكثــر من مــرة برئيس الــوزراء الســابق أحمــد أويحيى الــذي تم تحويله خلال الأســبوع الماضي إلى ســجن الحراش، تحت طائلة تهم خطيرة مرتبطة بالفســاد، وقد التقيت به أثناء قيامي بإنجاز بحث حول النخــب الوزارية الجزائريــ­ة، صدر لاحقا على شكل كتاب عام 2011. كما التقيت به في حصص إذاعيــة بمناســبة حمــات انتخابية كان يمثــل فيها حزبــه، التجمع الوطني الديمقراطـ­ـي. كنت مدعوا لها من جهتي كباحث دارس للظاهرة الانتخابية.

الانطبــاع الذي ترســخ في ذهني بعــد الانتهاء من المقابــات، أن أحمــد أويحيى يملك قــدرة كبيرة على اســتعداء كل من يدخل معــه في علاقــة، مهما كانت بســيطة وعادية، نتيجة لما يميز شــخصيته، بما فيها طريقة كلامه وتعابير وجهه ولغة جســده، كابن حي شــعبي لم يكن متســامحا دائما مع سكانه الجدد من أبناء المناطق الريفية، على غرار الطفل أحمد، المطلوب منه فرض وجوده بين أقرانه، في مدينة عرفت نزوحا ريفيا كبيرا في وقت قياســي، حاولــت التخفيف من آثارها الســلبية بالســكن في أحياء محــددة، اعتمادا علــى القرابــة الجهويــة، كمــا كان الحــال مــع عائلة أويحيى ذات الأصول الشــعبية وهي تستقر في حي المدنية في العاصمة.

المســار السياسي والمهني له قد يكون عامل تفسير ثــان لهذا التعالــي والعدوانية التــي ميزته في الحقل السياســي، وهو ما كتبته في حينــه في الكتاب الذي خصصت صفحتين أو ثلاث صفحات لتقديم بورتري مفصــل لأحمــد أويحيــى، علــى غــرار عــدد كبير من أعضــاء النخبة الوزارية الجزائرية. علاقة اســتعداء، لم يخلقها أويحيى مع من التقــى معهم، بل مع أغلبية الشــعب الجزائري، الذي لم يلتق به. هي التي تفســر الفرحــة العارمــة التي عبــر عنها الجزائريــ­ون عندما ســمعوا بإيداع أحمد أويحيى ســجن الحراش، بتهم خطيرة مرتبطة بالفساد المالي والتربح. فرحة لم تكن حاضرة بالقدر نفســه بمناســبة تحويل شــخصيات سياســية وعســكرية أخرى للســجن، حتى إن تعلق الأمر بالســعيد بوتفليقة، أو الجنرالــن توفيق مدين وبشير طرطاق، الذين شــكك الجزائريين في إمكانية سجنهم فعلا، ما جعل المؤسسة العسكرية تصر على أخذ صور لهم وهم متوجهون إلى المحكمة العســكرية تحت الحراســة الأمنية. بعد أن فُقدت الثقة تماما في كل ما تقوله الســلطة، وما تفعله زاد منسوبه في هذه الأجواء المضطربة التي تعيشها الجزائر.

اعتــرف بأنني عندما انتهيت مــن المقابلات المطولة التــي قمت بهــا مع أويحيى فــي نهاية التســعيني­ات، لــم أكــن مركزا كثيــرا على فســاد أويحيــى المحتمل، خاصة أنني تحاشــيت فــي المقابلات التــي أجريتها مــع كل أعضــاء العينــة وليــس مــع أويحيــى فقــط التطــرق الى موضــوع المــال وطرق الحصــول عليه، قناعة مني بأن الســؤال حول هــذا الموضوع لا فائدة منــه، لأنني لن أحصل علــى أي إجابات صادقة، وأن مجرد الســؤال حول هذا الموضوع المســكوت عنه في الثقافة السياســية الرســمية، قد يثير شكوك العينة، ويفســد كل مشــروع المقابــات لما لموضــوع المال من حساســية مفرطة في هذه الحالة. لم يمنعني هذا من القيــام ببحوث يمكن الوصول مــن خلالها إلى بعض مؤشرات الحالة المالية، كالأصول الاجتماعية للعائلة التي تمت دراســتها بالنســبة لجيــل الأب والجدين، وحتى نوعية السكن وتأثيثه.

مــا أثارني فــي المقابــل في حالــة أحمــد أويحيى هــو بعض مــا ميــز مســاره المهنــي ـ السياســي من محطات. فقد عرفت من إجاباته، خلال اللقاءات التي اســتقبلني فيها مرتين علــى الأقل لعدة ســاعات في مقر حــزب التجمع الوطني الديمقراطـ­ـي الوطني، أنه التحق مباشــرة برئاســة الجمهورية فــي 1975 بداية مــن فترة أدائــه للخدمة العســكرية التــي قضاها في هذه المؤسســة السياســية المركزية، في عهد الرئيس بومدين. وهــو ما يعني أن أويحيــى )وهو من مواليد 1952( قد التصق بهذه المؤسسة السياسية المركزية، رئاســة الجمهورية ومراكز القرار برئاســة الحكومة لمدة تزيد عن 44 ســنة. احتل اثناءهــا منصب الوزير، وزيــرا للعــدل بالإضافــة إلــى رئاســة الحكومة عدة مــرات، وانطلقــت في ســنة 1995 مع الرئيــس زروال وانتهــت في 2019 مع بوتفليقــة، كمدير ديوان ووزير أول، ليكــون الأكثــر احتــالا لهذا المنصب فــي تاريخ النظام السياسي الجزائري حتى الان - خمس مرات.

أحمد أويحيى الذي يكون قد راودته فكرة الوصول الى منصــب رئاســة الجمهورية جديــا، كتتويج لهذا المســار السياســي الذي دعمــه برئاســة ثاني»أكبر» حزب سياســي وهو البيروقراط­ي، الــذي لم ينخرط يومــا فــي حــزب سياســي، ليجد نفســه فــي نهاية المطاف في ســجن الحراش، الذي قد يطيل المقام فيه، إذا راعينا كم ونوعية التهم الموجهة له.

كنــت أعــرف أن أحمــد أويحيى لــم يكــن محبوبا شــعبيا، بل بالعكس تماما وأنــه كان يدافع عن نظرة سياســية دوليــة، هــي الأقــرب لطروحــات اليمــن المتطرف المنتشــر هــذه الأيــام دوليا، لكننــي اعترف بأننــي لم اكتشــف هــذا الوجــه القبيح والفاســد له، كالكثيــر مــن الجزائريين إلا فــي المدة الأخيــرة، رغم كثرة الشــائعات التي كانت سائدة حوله وحول جزء مهم من النخبة الرســمية، التي لــم ينتظر الجزائريون اتهامها رســميا من قبل القضاء للحديث عن فسادها الذي يكثر الحديث عنه شعبيا منذ سنوات.

فساد تجاوز الأفراد ليشمل كل النظام السياسي، الــذي يطالــب الجزائريــ­ون بالقطيعة معــه، باعتباره مصدر هــذا الوباء الذي تحول إلى خطــر على الدولة الوطنيــة ذاتهــا. نظــرة هــي الســائدة لــدى الحراك الشــعبي، الذي لــم يكتف بهــذا المحاكمــا­ت لرؤوس الفســاد، بمــن فيهــم الرئيــس بوتفليقــة الــذي عــاد الجزائريون إلى المطالبة بمحاكمته، بعد ان اكتشــفوا حجم الفســاد الــذي ينخــر دولتهم، واتســاع رقعته خلال فتــرة حكمه. ليطالبــوا بقضاء مســتقل يتكفل بشــكل دائــم بتطبيــق العدالــة ومحاربــة الفســاد، الــذي أنتج طبقــة جديدة مــن حديثي النعمــة، كانوا ينــوون الســيطرة علــى مؤسســات الدولــة اعتمادا على الحزب والجمعية والقنــاة التلفزيوني­ة والنادي الرياضــي، كأدوات حديثــة لتدجين المجتمع. فســاد قد يكون عامل التفســير الأساســي في تعطيل عملية الانتقــال السياســي التي يطالــب بهــا الجزائريون، وهم يخرجــون فــي مســيراتهم المليونية منــذ أربعة أشهر، بالسلمية التي عرفت بها كلحظة أخلاقية يريد الجزائريــ­ون تحقيقها فــي يومياتهم ومؤسســاته­م للتخلــص بما لحــق بهم كأفــراد ومجتمــع من رجس الفســاد المستشــري، كمــا بــرز للعيــان فــي العقود الأخيرة بعد ازدياد تدفق الريع المالي. فســاد اكتشف الجزائريون أنه تجاوز الأفراد ليشــمل العائلة بكامل افرادهــا، كمــا بينتــه التحقيقــا­ت الأوليــة التي أدت هــذه الأيام إلــى ســجن الاب والابن والحفيــد والاخ والأصهار في انتظار الزوجة والعشيقة.

فساد تجاوز الأفراد ليشمل كل النظام السياسي، الذي يطالب الجزائريون بالقطيعة معه، باعتباره خطرا على الدولة الوطنية ذاتها

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom