Al-Quds Al-Arabi

السودان: مسرحيّات «حميدتي» الجديدة الفاشلة!

-

■ رغم الظهورات الرسميّة لرئيس المجلس العسكري الانتقالــ­ي الســوداني عبد الفتــاح البرهــان، والتي كان آخرها حضوره الملمّع في قمّة مكّة العربية، فمن الواضح أن الفريق محمد حمدان دقلــو )المعروف بحميدتي( هو المحـّـرك الحقيقي لمــا يحصل علــى الأرض، وهــو مفتاح التحالفــا­ت العربية التــي تقوم بتغطية ســيناريو تلفيق شــرعيّة تســمح له باســتلام الســلطة اســما وفعلا في السودان.

تمثّــل تصريحات «حميدتــي» أمس الأحــد، نموذجاً مناســباً لفهــم العقليــة التي يديــر بها الجنــرال الأمور، وأحــد هــذه التصريحــا­ت اللافتــة للنظــر كان قوله إن فض الاعتصــام أمام مقــر قيادة الجيش فــي العاصمة الخرطــوم كان «فخــا» نصب لقــوات «الدعم الســريع»، التي تتبع له مباشــرة، وهذا يشبه قول القاتل إن المقتول أوقعه في فخ قتله!

يتحــدّى هــذا التصريــح الأفهــام حقّــا، ويدفــع الســوداني­ين لطرح أسئلة بســيطة من قبيل: كيف قبلت قوات جيش مســؤوليته­ا حماية البلاد والعباد بالوقوع في «فخ» تسبب حتى الآن في مقتل 128 متظاهرا سلميّا واغتصاب العشــرات من النســاء )والرجــال(؟ وكيف يقبل شخص على قمّة المسؤولية بالوقوع في هذا الفخ؟ وما هــي اللوائح الداخليّــة التي تنظّم عمــل الجيش في حال أمره رؤســاؤه بارتكاب مجزرة ضد الشــعب؟ وألا يفترض بقائد قامت قواته بجرائم كبرى أن يتنحّى؟

الجنــرال «حميدتــي» وجــد أجوبة أخــرى على هذه الأســئلة، فبــدل تنحّيــه وتحمّلــه المســؤولي­ة القانونية والسياســي­ة عن «الفــخ» الإجرامي الذي وقــع فيه، فقد طلــع على الجمهور قائــا إنه يمتلك «تفويضا شــعبيا»، وأنــه ســيقوم بمعاقبة الضبــاط والجنود الذيــن نفذوا أوامره بقتل السودانيين... بالإعدام!

المقصــود من كل هذه المســرحيّة إذن هو تجميع مزيد مــن الســلطات في يد «حميدتــي» والانتقــا­ل من إرهاب المدنيــن الســوداني­ين إلــى إرهــاب الضبــاط الصغــار، فمن ســيعاقبون، علــى الأغلب، ســيكونون من الضباط الذين مــا كانوا متحمّســن لعمليات الإجــرام الجماعي أو أبــدوا اعتراضــا علــى تنفيذهــا، أو الضبــاط غيــر المحسوبين مباشــرة على تيّار الجنرال الطامح للوصول إلــى الســلطة المطلقة عبر الإرهــاب المعمم للســوداني­ين، والغطاء الإقليمي العربي، ممثلا بالســعودي­ة والإمارات ومصر، وإبعاد من يشكّلون وزنا في «المجلس العسكري الانتقالي».

رغم دهــاء تاجر الإبل وزعيم عصابــات «الجنجويد» الــذي ارتقى عبــر تحالف ميليشــيات­ه مع أجهــزة الأمن إلى رتبة الفريــق أول، فإن المرور في شــبكة التقاطعات الســوداني­ة والعربيــة والعالمية والوصــول إلى منصب الزعيــم المطلــق ســيقتضي تفكيــك إشــكاليات معقــدة جدا أهمّها الاســتعصا­ء السياســيّ الذي قاد الجماهير نحو الثورة والــذي ما زال موجــودا، وأن الجنرال فاقد للشــرعية )فالمجــازر لا تصنع الشــرعيّة بــل تنقضها(، وأن القــوّة المحركة للجماهير، ممثلة بإعلان قوى الحرية والتغييــر وتجمع المهنيين الســوداني­ين، مضطرة لإكمال الصــراع ضــده وإلا فقــدت هــي أيضــا شــرعيتها التي اكتسبتها خلال الثورة.

... ثــم إذا كان قتــل المعتصمــن «فخا» فلمــاذا يهدد «حميدتــي» ومجلســه العســكريّ الجماهيــر بالقتل إذا عادت للاعتصام؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom