Al-Quds Al-Arabi

«صفقة القرن» والقضايا الفلسطينية الجوهرية

- نبيل السهلي ٭

بات من شــبه المؤكد طــرح التفاصيــل المفترضة لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتسوية في الشرق الأوسط المعروفة بـ «صفقة القرن» في بداية العام المقبل 2020 ، أي بعد الانتخابات الإســرائي­لية المزمعــة فــي تشــرين الثانــي/ نوفمبــر مــن العام الجاري. وستعمل إدارة ترامب خلال فترة استعداد «إســرائيل» للانتخابات الجديدة، على إقرار بعض القــرارات الهامــة المتعلقــة بالقضية الفلســطين­ية، وسيكون أبرزها وضع السيادة الإسرائيلي­ة الكاملة علــى الضفــة الغربيــة، وكذلــك توطــن اللاجئــن الفلسطينيي­ن في الدول التي تستضيفهم.

أجندة الصفقة

توضحت ملامــح صفقة ترامب، بعد تصريحات عديدة من أركان إدارته، حيت تنص بنودها على أن البلــدة القديمة في القدس ســتكون تحت الســيادة الإســرائي­لية، ولكن ســتكون هناك إدارة مشــتركة مــع الفلســطين­يين والأردن، كمــا تشــير الخطة إلى أن «معظــم المناطــق العربيــة» في القدس الشــرقية ستكون تحت الســيادة الفلسطينية. أما بخصوص المســتوطن­ات في الضفة الغربية، فسيتم ضم الكتل الاســتيطا­نية إلى إســرائيل، بينما ســيتم إجلاء أو تجميد بناء المستوطنات المنفردة.

وســتتضمن الصفقــة حــل أمريكــي للقضيــة الفلســطين­ية، عبــر توفيــر أرض بديلــة فــي شــبه جزيرة ســيناء لتُقام عليها دولة للفلسطينيي­ن، وهو مــا يرفضــه الفلســطين­يون. فالجانب الإســرائي­لي يرفض حل الدولتين على أرض فلســطين التاريخية بل ويرى أن تلــك الأرض لا تكفيه، وأنه من الصعب إجلاء المستوطنين من أراضي الضفة الغربية.

واللافــت أنــه يأتــي ذلــك بعــد إعــان إدارة ترامــب القدس عاصمــة أبدية لإســرائيل، وقطعها التمويل المالــي عن وكالة غوث وتشــغيل اللاجئين الفلســطين­يين «أونــروا» فضــاً عــن إغــاق مكتب منظمــة التحرير في واشــنطن خــال العام الماضي .2018

توطين وإعادة تهجير

أما جوهر الصفقة فيتعلق بملف توطين اللاجئين الفلســطين­يين داخل الدول العربيــة، خاصة الأردن وســوريا ولبنــان، ولهذا ثمــة ضغوط علــى الدول العربيــة، وخاصــة الأردن لوضع آليــات تنفيذ على الأرض، بعــد حصر أعداد اللاجئــن وكيفية تغطية النفقــات الماليــة واللــوازم الأخرى التــي تحتاجها الــدول المســتضيف­ة للإشــراف علــى ملــف توطين اللاجئين الفلسطينيي­ن. ويبدو أن الخطوة الأمريكية المقبلــة المتمثلة بطرح وترســيخ التوطين هي جوهر وركيــزة «صفقة القــرن» التي تكثــف الحديث عنها خلال الأشهر القليلة الماضية.

برزت مشــاريع توطين عديدة بعــد اتفاق إعلان المبادئ في أيلول / سبتمبر 1993، كان من أخطرها خطــة أمريكيــة لتوطين خمســة ملايين فلســطيني في دول الشــرق الأوســط والعالم، حيث أشــارت الخطــة إلى حلــول لتوزيــع حوالي خمســة ملايين فلسطيني في الشرق الأوســط وأوروبا والولايات المتحــدة ودول غربيــة أخــرى، وذلك حــن طرحت مشكلة اللاجئين الفلسطينيي­ن في مفاوضات الحل النهائي التي تتضمن قضايا جوهرية أخرى. وقال تقرير أمريكي اســتند في أهم إحصاءاته ومعالجته هــذه القضيــة الشــائكة إلــى كتــاب أشــرفت على إعــداده وطرحه في الأســواق الأســتاذة الأمريكية في القانون الدولي في جامعة ســيراكوز في ولاية – نيويــورك دونا إيــرزت المهتمة بالصــراع العربي الإســرائي­لي. وقال التقرير إن هناك خمســة ملايين و357 ألف فلســطيني في العالــم من أصل 6 ملايين و275 ألفاً و800 نسمة، سيجري توزيعهم على دول المنطقة وبعض عواصم الغرب كحل نهائي للصراع العربي- الإسرائيلي.

فــالأردن الذي يضم العــدد الأكبر مــن اللاجئين الفلســطين­يين البالــغ مليونــاً و832 ألفــاً فــي بداية التسعينيات من القرن الماضي، سوف يكون مطالباً باســتيعاب 168 ألفاً خلال سنوات، وليصبح العدد الإجمالي لديه مليونين، وفيما ســوريا سترفع عدد لاجئيهــا الراهن من 325 ألفاً خــال الفترة المذكورة إلى 400 ألف، أي بزيادة 75 ألفاً، فإن لبنان ســوف يكــون مضطــراً للاحتفاظ بنحــو 75 ألفــاً من أصل لاجئيه خلال الفترة ذاتها.

ووفــق التقريــر المذكــور، ســوف يفــرض علــى إســرائيل إعادة 75 ألف لاجئ فلســطيني من الدول العربية ضمن حق العودة لمن أمكنهم أن يثبتوا أنهم ســكنوا فلســطين قبل النكبــة عــام 1948، ومن لهم أقارب اليــوم في الأراضي المحتلــة. واقترح التقرير أن تمنــح دول عربيــة أخــرى المواطنيــ­ة لنحــو 519 ألف فلســطيني آخــر يضافون إلى العــدد الموجود لديهــا. أمّا دول الغرب وأوروبــا والولايات المتحدة الأمريكيــ­ة، فســوف يكــون عليها تحمــل عبء هي الأخــرى، حيث يقترح التقرير أن تســتوعب 90 ألف فلسطيني لاجئ بالإضافة إلى الذين لديها وليصبح العدد النهائي 542 ألفاً.

إغراءات مالية

وبالنســبة إلــى فلســطينيي الضفة فــإن الهدف المســتقبل­ي هــو زيــادة عــدد ســكانها، وذلــك عبر اســتقدام مقيمين في لبنان ودول أخرى، وعبر نقل 350 ألفاً من سكان القطاع أيضاً، وتعتبر عملية إعادة ونقــل وتوطين الملايين الخمســة من الفلســطين­يين المشــروع الأضخم فــي التاريــخ الحديــث. واقترح التقريــر الأمريكــي أن تشــارك دول الغرب وبعض الــدول العربيــة في توفيــر المــوارد المطلوبــة لمهمة إعادة توزيع الفلســطين­يين في العالم. وأما بالنسبة إلى مســألة تعويض الفلســطين­يين الـ75 ألفاً، الذين يحصلــون على حق العــودة وفق التقريــر في إطار التســوية الشاملة، فإن إســرائيل سوف تدفع هذه التعويضات، وذلــك عبر التعويضــا­ت التي تطلبها من بعض الدول العربيــة مقابل أملاك اليهود الذين غادروها منذ احتلال فلسطين.

الثابــت هو وجود مشــروع توطين تملكــه إدارة الرئيس ترامب ويقضي بتوطين أعداد من اللاجئين الفلســطين­يين في أماكن إقاماتهم المؤقتة في الدول العربيــة المضيفــة مــع إغــراءات مالية لتلــك الدول بمليارات الدولارات تساهم بنحو )70( في المئة منها دول النفــط العربية، في حين تســاهم دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا بنسبة )30( في المئة، وما لا يمكن اســتيعابه من أعداد اللاجئين الفلســطين­يين تتولى المفوضيــة تدبير هجــرة الفائض منهــم إلى مناطق جذب اقتصادي مثل كندا واستراليا وبعض الدول الأوروبية.

وبذلــك يتــم طي صفحــة اللجــوء الفلســطين­ي وحصر المســؤولي­ة عــن اللجوء بالمفوضيــ­ة العامة لشــؤون اللاجئين، لكن في مقابل ذلك هناك رفض فلســطيني شــعبي وفصائلــي للصفقــة وبنودها، الأمــر الذي يؤكد فشــل تعميـــمها وســـقوطها في المهد.

٭ كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom