Al-Quds Al-Arabi

مربية فلسطينية تفوز بأعلى جائزة تقدير في إسرائيل

- الناصرة - «القدس العربي»:

كان وما زال ربما، التاريخ بالنســبة للكثير من الطلاب درساً ثقيلاً، ممّلاً أو متقادماً لكن المربية الفلسطينية نفوذ خطيب نجحت في إنقاذه من شيخوخته وحولته لموضوع ممتع لتلاميذها كما هو بالنســبة لها. نفوذ خطيب )44 عاما( العاملــة في حقل التربيــة وتعليم التاريخ والجغرافيا الأقــرب على قلبها منذ 21 عاما طورّت بمبادرتها وسائل إيضاح مســلية تشجع على السؤال والتأمل والتقييم وتشــحن بالقيم المســتوحا­ة من الماضي بعيداً عن أســلوب التلقين وحشو رأس التلميذ بالمعلومات.

وتقديــراً لعملها المميز في مدرســتها في مجال تعليــم التاريخ والجغرافيا والتربيــة الاجتماعية حازت أمس علــى جائزة المعلمــة المتفوقة وهي جائزة قطرية على مستوى البلاد يتقدم لها آلاف المعلمات والمعلمات.

تتربع مدرســة عيلوط الإعدادية على قمة جبل شــاهق في شمال الناصرة داخل أراضي 48 ومن شــرفاتها الغربية والشــمالي­ة تتجلى مشــاهد الجليل والكرمل على طول المدى حتى جبل الشــيخ والبحر المتوســط وهي مشــاهد تنبىء الزائر برؤية بعيدة المدى لدى طاقم التربية والتعليم في المدرسة المعتاد على العمل في طاقم منسجم وبأساليب تبتعد عن المألوف والتقليدي. يعمل في المدرسة 50 معلمة ومعلماً وتضم 501 طالب في المرحلة الإعدادية.

تدوير للحفاظ على البيئة

تسترعي الحدائق والورود والأشــجار في مداخل المدرسة عناية الزائرين مثلمــا هي أيضــاً نظافتها من الخــارج والداخــل حتى تخالهــا وكأنها فندق مزدان بالحدائق ونباتــات النعناع والمرمرية والزعتر والأعشــاب العطرية. وفي الناحيــة المظهرية تحقق المربيات هدفين معا بتدويــر النفايات والأدوات البلاســتي­كية كالقناني الفارغة وخزانات الماء التي لم تعد حاجة لها بتحويلها لأدوات زينة واتقاء شر إلقائها.

وتعتقد المربيــة نفوذ خطيب إبنة عكا المقيمة في بلــدة دير حنا أن التجديد ملائــم لروحها ولطلابها معــا، معتبــرة أن التفكير خــارج الصندوق طريق تســتحق التجربة في التعليم، موضحة أنها تستخدم الأفلام وبرامج الانترنت وألعــاب البينغــو والأرقام والألــواح الفسيفســا­ئية )البــازل( والمناظرات والمسرحيات التي يحاكي فيها طلابها شــخصيات تاريخية ومن خلالها تثري معرفتهم وتثير بهم أسئلة وتترك بصمات تربوية. ومثال على ذلك قامت بتناول موضوع وأد البنات في الجاهلية وربطها بظاهرة قتل النســاء اليوم من خلال نقاشات ومقارنات علاوة على المبادرة لجمع صور الفتيات العربيات الضحايا والحديــث عن كل واحدة منهــن. وهكذا أيضاً تجعل من حصــة التاريخ حول الحرب العالمية الثانية رحلة مثيرة بالاستعانة بمواد بصرية ووثائقية وبرامج تلفزيونية حولها. ولا يقتصر تقديرهــا لتحصيل طلابها على الامتحانات فهي تأخذ في الحســبان طريقة العمل الجماعي ومدى احترام الآخر لدى كل طالب وطالبة وغيره.

مزرعة طبيعية وتربوية

وتؤكــد خطيــب الباحثة دوما عن تجــارب تعليمية - تربويــة ملائمة في العالم أنها تثق بوســائل الإيضاح المحفزة على التفكير الناقد والإبداع وتتيح للطالب أن يخطىء أيضاً ويتعلم من أخطائه، وفي الوقت نفســه تخفف وطأة عملية تعلم الماضي والتاريخ. ليس هذا فحســب فالمربيــة نفوذ خطيب تعمل في حقل التربية الاجتماعية ومرشــدة في كشافة المدرسة ومن ضمن مبادراتها بنــاء مزرعة للنباتات العطريــة والخضراوات الطبيعية. وضمن تشــجيعها علــى الابتكار والخلق بنى طلابهــا جدرانها من 5000 قنينة بلاســتيكي­ة التي صارت مصدر طاقة وحــرارة وتمد هذه المزرعة احتياجات المدرســة الغذائية من البندورة والبقدونــ­س والخيار والتوت وغيره. وهذه المزرعة تســتخدم في الوقت نفســه دفيئة تربوية لبعض الطلاب المشاغبين تنمي عندهم مشاعر الهوية والانتماء. ومما زاد من تجربة المربية خطيب العاملة في التربية منذ 21 عاما ثمانية منها في النقب سفرها برفقة زوجها الى الولايات المتحدة وتطوعها في مدرســة هناك واطلاعها على نظام التربية والتعليم المهتم بشكل فردي بكل طالب وطالبة وبتنمية الانتماء والاهتمام بالآخر والمجتمع.

أتعلم من زملائي

وهي باتت اليوم عنوانــا لجهات تربوية تزورها وتحاول الإفادة من طريقة عملها. هذا علاوة على متابعة الدراسات التربوية الحديثة. وتؤكد خطيب أنها تتعلم من مدرستها أيضاً إذ يتم تنظيم ورشة شهرية لكل الطاقم بعنوان «تعلم من الزمــاء» وفيها يتم تبادل التجارب والخبرات مــن قبل معلمات المواضيع المختلفة، وتنوه لدور مدير المدرســة الداعم وللأخــاق العالية لدى زميلاتها وزملائهــا­ز وتضيف: «أشــعر أن جائزة التفوق ليســت لي بل لــكل زميلاتي وزملائــي وطلابي خاصة أنهم بادروا والأهالي والطلاب لترشــيحي للجائزة وقد فاقت فرحتهم فرحتــي بالجائزة. كما غمرني أهل بلــدة عيلوط بمحبتهم وتقديرهم .»

وتمتــاز علاقة المربية المتفوقة بروابط متينة مع الأهالي على مدار العام فهي تزورهم في بيوتهم لا لحل مشاكل وتقديم شكوى بل للتعرف على بيئة الطالب وكل ذلك ينبع مــن حبها لمهنتها الحيوية. وعن ذلك تقــول بهدوء وثقة «أعود كل يوم للبيت مرتاحة وأذهب للمدرســة بمحبة وشغف ويسكنني شعور دائم بالرضا وبأنني ولدت لأقوم بهذه المهمة، كيف لا وأنا أحقق ذاتي بتنمية المعرفة وتعزيز مناعــة مجتمعي وأكون ملهمــة وقدوة لطلابي وقيــادة وكالة تغيير خاصة أن مجال التربية هو المكان المناسب لكل ذلك؟».

وهذا شعور من تحدثنا إليهم في المدرسة والبلدة فيقول الطالب صبري ابن الثانية عشرة «في مصر محمد صلاح وفي عليوط نفوذ خطيب.»

أحلم أن أكون طبيبة

أما طالبة الصف التاســع لما حسن فتقول إن الدموع غالبتها وهي تسمع عن فوز معلمتها بالجائزة فهي «معلمة شاطرة وتتعامل معنا كالأم وهذا شعور كل الطلاب». وتضيف «حينمــا باركت لها قلت إنني أحلم بأن أكون طبيبة يوما ما وإذا ما تحقق ذلك ســيكون هذا بفضلها لأنها تبذل آخــر قطرة جهد عندها من أجل طلابها». وتجلت شــعبية المربية نفوذ خطيب في مدرســتها وفي البلدة بالاستقبال الحافل غداة فوزها بالجائزة.

ولذا عند ســؤالها ما أهم ســر نجاحها ســارعت لتأكيد منفعة التواصل مع الأهالي وللبحث عما هو خارج الوسائل «المعلبّة» المألوفة في التعليم والتربية وتشجيع ثقافة النقد الحقيقي. ولا يتردد مدير المدرسة توفيق سليمان بالقول إنه لا يملك المعرفة بكل المجالات ويعتمد بالأســاس على خبرات طاقم المعلمات والمعلمــن والمركزين، مبديا اعتزازه وفخــره بزميلته نفوذ خطيب قبل وبعد حيازتها الجائزة المرموقة وبوجود نجو 100 طالب متفوق مرشــح لاســتكمال الدراسة العليا في أهم الجامعات المتخصصة بالعلوم.

ولمعلمــة الفنون لها نصيب كبيــر في رعاية الناحية الجمالية في المدرســة بالرسم على الجدران والزوايا المزدانة بالحكم والأقوال المأثورة إما برسومات تزينها الخطوط العربية أو بأعمال تشكيلية معبّرة من «إنما الأمم هي الأخلاق» حتى «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا». كما تساهم معلمة الفنون في مشــروع دمج الطلاب مع ذوي الإعاقات المختلفة مع بقية الطلاب من خلال مبادرات وورشات إبداعية.

 ??  ?? المربية المثالية نفوذ الخطيب
المربية المثالية نفوذ الخطيب

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom