Al-Quds Al-Arabi

اهتمام شعوب البلقان بالأدب العربي محدود

المترجم الأردني إسماعيل أبو البندورة:

- حاوره: نضال القاسم

للمترجــم الأردني إســماعيل أبــو البندورة إســهامات مهمة في مجــال الترجمة. خاصــة من اللغة البوســنية التي نقــل عنها أعمال أغنــت المكتبة العربية. درس العلوم السياســية فــي جامعة بلغراد/ يوغوســافي­ا وتخرج فيها عام 1974. مارس الكتابة السياســية والأدبية والترجمة الثقافية بعامة في الصحــف والمجلات الأردنيــة والعربية منذ عــام 1977 حتى الآن. في هذا الحــوار الذي نخصصه معه لبحث وضع الترجمة اليوم في العالم العربي، يقدم لنا إسماعيل، رؤية استكشافية نتلمّس من خلالها مساره الفكري الطويل حول تجربته ومسيرته في مجال الترجمة. ■ كيف بدأ مشــوارك مع الترجمة، وما هي أول رواية قمت بترجمتها؟

□ بدأت ترجماتي بكتاب صغيــر بعنوان )الجذور التاريخية لعدم الانحياز لمؤلفه إدوارد كارديل( نشــر على حلقات فــي جريدة «الــرأي» الأردنية ولم يطبع الكتــاب ومن ثم ترجمــت مجموعة قصصيــة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز بعنوان «عيون الكلب الأزرق» عام 1982 منشورات رابطة الكتاب الأردنيين، وترجمت مختارات من القصة اليوغوسلاف­ية عام 1992 «قصص يوغوســافي­ة لآندرتــش وســليموفي­تش » وترجمت عام 2001 كتاب رئيس جمهورية البوســنة الســابق علي عزت بيجوفيتش «هروبي إلــى الحرية - أوراق الســجن» وصدر الكتاب عن دار الفكر في دمشــق في عدة طبعــات وحصل هذا الكتاب علــى جائزة جامعة فيلادلفيــ­ا كأفضل كتــاب مترجم عــام 2003 وجائزة مؤسســة التقدم العلمي في الكويت في العام نفســه. كذلك روايــة «القلعة» عــام 2007 للكاتب البوســني محمد ميشا سليموفيتش، وهي الرواية التي اعتبرتها التقييمــا­ت النقدية من أهم روايات القرن العشــرين، وصــدرت عن وزارة الثقافة الأردنيــة. وفي عام 2018 صدرت لي ثلاثة كتــب مترجمة عن اللغة البوســنية وهي «القنــاق» كامل ســياريتش، «المرجة الخضراء» أدهم مولى عبديتش، وهي أول رواية بوسنية وكتاب «الحنين إلى النص» سيرة ذاتية فكرية لأهم مستعرب في البوسنة ومنطقة البلقان عموماً أسعد دوراوفيتش. وأعكف حالياً على استكمال ترجمة مجموعة قصصية لإيفو آندرتش وانتهيت من ترجمة كتاب مهم لأســعد دوراكوفيتش بعنوان «الحروب الحالية بين المسلمين- الفهم الخاطئ للإسلام .»

■ بعــد نشــر ثلاثة كتــب مترجمة من اللغة البوســنية إلى اللغــة العربية العام الفائت، ما هي المرجعيات الفكرية والثقافية التي استندت إليها في بلورة هذا المنجز ؟

□ هنالك العديد من الأسباب والحوافز والمرجعيات الفكريــة والثقافيــ­ة التــي دفعــت بي إلــى الانتباه والاهتمــا­م بآداب هذه المنطقة من العالم التي تســمى )بالآداب الصغرى( تجــاوزاً كوني كنت طالباً في كلية العلوم السياسية، التي تطلبت مني معرفة اللغة جيداً لكي أتمكن من قراءة الموضوعات الفكرية والفلســفي­ة، وتبع ذلك إطلاعي على آداب دول يوغوسلافيا السابقة بلغاتها الأصلية وحفزّني ذلك على تعميق اطلاعي على هذه الآداب. إلا أن أكثر مــا أثار اهتمامي في هذا المجال وشكّل لي مرجعية كبرى هو قراءة الترجمات الرائدة التي قام بها ســامي الدروبي الذي عمل سفيراً لسوريا في بلغراد، وترجم روائع أدب الكاتب اليوغوســا­في ذائع الصيــت والحاصل على جائــزة نوبل عام 1961 إيفو آندرتش رواية «جســر على نهــر درينا ووقائع مدينــة ترافنــك». ثم انفتحت لــي عوالم أخرى في هذا المجال، حيث اطلعت تقريبا علــى العديد من الكتابــات الأدبية المهمة وترجمت بعضها إلى اللغة العربية، وما أزال أقرأ آداب هذه المنطقة وأنتقي منها كتابات للترجمة. ■ ما هي الصفات التي يجب أن يتمتع بها الُمترجم في نظرك؟

□ هنالك بالطبع صفات ومؤهلات ومتطلبات لابد للمترجم من حيازتها وأول البداهات أن يكون على معرفة عميقة بلغة المصــدر، ولغة الهدف، وأن يكون ملماً بالثقافتين والمناخات الثقافية التــي كتبت فيها النصوص، وأفترض بالنســبة للترجمة الأدبية الخبــرة والذائقة الأدبيــة الرفيعة، والقــدرة علــى القــراءة المخصبــة لغايــات الترجمــة لأن الترجمــة قراءة وإعادة صياغــة وتبيئة نص وتوطينــه فــي لغة وثقافــة أخرى، وهنالك كما أفترض، وكما كان الحال معي تلــك الرغبة الدفينــة في كتابة الأدب، وإنتاج نصــوص أدبية وهو ما لم أحققــه في مســاراته الأصلية واســتبدلت­ه بالترجمــة الأدبية تعويضاً واســتبدال­اً أراحني ووفّر لي لذة الكتابــة بذهن وخيال أدبي كامن وراء النصوص المترجمة.

■ مــا هــي الأنــواع التــي تناديــك لترجمتها؟ وما الأجناس التي ينبغي أن تترجم اليوم؟

□ الموضوعات الأدبية والسياســي­ة والفكرية، كانت موضــع اهتمامي الأول ولأن خياراتي في الترجمة ذاتية وتعتمد علــى تقديراتي بــأن المادة التــي تكون موضعاً لخياراتي هي مــا يمكن أن يعطي للقــا ر ئ العربي صورة عن آداب البلقــان وإبداعاتها، ولأنني أقرأ باهتمام وشــغف ما يصدر في تلــك البلاد، فإنني أرى أحيانــاً نصوصــاً يمكن ترجمتها للغــة العربية، ويمكنها أن تعبر عــن اهتمامات الكتاب في تلك المنطقة وتكون مستساغة لدى القراء في بلادنا. ■ لماذا الترجمات من الفرنســية أو الإنكليزية لها وقع أكبر من الترجمات البوسنية؟

□ اللغة الفرنسية والإنكليزي­ة لغات عالمية متداولة فــي كل أنحــاء العالــم، ولهــا طغيان كبيــر على كل لغات العالــم، أما )اللغات الصغــرى( فهي محصورة ومحاصــرة فــي نطاقاتهــا المحلية والمنطقيــ­ة، وبعض مــا يصل الناس منها هو مــا يترجم من خــال لغات عالمية الإنكليزية والفرنســي­ة بشــكل خاص، وكان من الضروري أن تترجم من خــال لغاتهــا مباشــرة لأن ذلك يمكن أن يقدم ترجمة أفضل بلا نقائص وخســارات وانزلاقات كما يحصل عند الترجمة من اللغات الوسيطة، التي قد تفقد الترجمة الكثير من قيمها ومعانيها. أما بالنسبة لي فقد باشرت الترجمة من الأساس من لغات هذه المنطقة مباشرة، وحاولت في الحقيقة أن أســهم في كسر احتكار هذه اللغــات العالمية وهيمنتها وقدرتها في بعض الأحيان على تهميش لغات وثقافات طرفية تجد من الصعوبة الوصول إلى أطراف العالم الأخرى.

■ هل تعتقــد أن ترجماتك لعبت الدور المطلوب فــي نقــل الثقافة البوســنية إلى القارئ العربي؟ □ أعتقــد أنني حاولت وأســهمت في هذا المجال، خصوصــًا لأن ترجمة آداب البوسنة انحصرت في العقود الأخيرة بيني وبين مترجم من مصر وعدد قليل جداً من المترجمين العرب. ■ مــا هــي معاييــر اختيــارك للعمل الأدبــي لترجمته إلــى العربية؟ هل هي أســباب أدبيــة بحتــة؟ أم غيــر أدبية، سياســية على ســبيل المثال؟ وما هي أحب ترجماتك إلى قلبك؟

□ المعايير التي أعتمدها فــي الترجمة إلى العربية هي المســتوى الفكري والأدبي، وإمكانية ترجمته إلى اللغة العربيــة والموضوعات التــي يطرحها الكتاب، وإذا مــا كانت من متطلبات فهم البيئة التي نشــأ فيها النــص، وفي حالات أخــرى أنتقي كتابــات لها طابع سياسي وأدبي، مثل رواية «الشهيد» التي تتحدث عن الحرب في البوسنة ومضاعفاتها وآثارها على الإنسان البوســني، وكذلك كتاب «هروبي إلــى الحريّة» الذي يقدم صورة للمفكر والسياسي ورئيس دولة البوسنة السابق علي عزت بيجوفيتش.

لا أســتطيع تحديد مدى حبي لهذه الترجمة، أو تلك فهي جميعها تطــرح موضوعات أهتم بهــا وألاحقها، ولكننــي أحببت بشــكل خاص روايــة «القناق» التي صدرت عــام 2018 لقيمتها الأدبيــة وطرافة الموضوع الذي تطرحه.

■ الترجمــة مــن العربيــة إلى البوســنية متهمــة بأنها قليلــة، لمــاذا برأيــك؟ هل قمــت بترجمــة أعمــال إبداعية أردنيــة أو عربية إلى اللغة البوســنية؟ وكيــف ترى تلقي اليوغوسلاف­يين للأدب العربي الحديث؟

□ الترجمــة من اللغــة البوســنية إلــى العربية قليلــة، لا بل تكاد تكــون نــادرة ، إلا أن تفكك الاتحاد اليوغوســا­في وتحول جمهورياته السابقة إلى دول مســتقلة بعد صراعات وحروب أهلية كان من أبرزها تلك الحرب المريرة التي اشــتعلت في البوســنة، إثر إعلانها الاســتقلا­ل، كان لــه الأثر الكبيــر في خفوت الاهتمام بهذه المنطقة، وانحصــرت ترجمة آدابها في عدد قليل جداً من المترجمين. لــم أحاول ترجمة الأدب العربي إلــى اللغة البوســنية، واقتصــر عملي على الترجمة من اللغة البوســنية إلى العربيــة. أما تلقي دول يوغوســافي­ا للأدب العربي محدود جداً وتنشط به معاهد الاستشراق وبعض أقسام اللغة العربية في الجامعات، وبعد حصول نجيــب محفوظ على جائزة نوبل، كان هناك اهتمــام بترجمة أعماله وتجري على فترات متقطعــة ترجمة بعض الروايــات العربية الى اللغة البوســنية من خلال لغات عالمية وســيطة، أما الشــرائح المتلقية للأدب العربي فهي طلاب اللغات في الجامعات ومعاهد الاستشراق.

■ كيف ترى حركة الترجمة في العالم العربي بشــكل عــام؟ ومن يمــول ويدعم حركــة ترجمة الأعمــال الأدبية العربية إلى البوسنية؟

□ ينهض الآن ومنذ عقدين على الأقل اهتمام عربي كبير بالترجمة وتتشــكل مؤسســات للترجمة وتعقد مؤتمرات مهمــة في أكثر من بلد عربــي تناقش قضايا الترجمة مــن الناحيتين النظريــة والتطبيقية، كما أن هنالك جوائز خاصة ومهمة تقــدم للمترجمين العرب، وكل ذلك يبشر بالخير على طريق إنضاج اهتمام عربي بالترجمة وأهميتهــا في اللحظة المعرفيــة الراهنة. لا يوجد حتى اللحظة من يمــول أو يدعم ترجمة الآداب العربية إلى اللغة البوسنية، ماعدا ما قامت به مؤسسة البابطين عــام 2010 من خلال نشــاطات دورتها التي عقدت في سراييفو ذلك العام.

■ مــا دور الترجمة كجســر للتواصــل الحضاري بين العرب والبوسنة والهرسك؟ وكيف ساعدت ترجماتك في تغيير الصور النمطية والكليشات الغربية بشأن الشرق؟

□ تؤدي الترجمة دوراً مهماً في التواصل الحضاري بين الثقافات والشعوب، وتفتح آفاقاً للتفاهم والتبادل الثقافي، ولأن الشــعب البوشناقي المسلم في البوسنة يعتبــر الثقافة العربية ـ الإســامية إحدى مرجعياته الكبرى المكونه لهويته عبــر العصور، فإنه يقدر عالياً ما أقوم به وما يقــوم به غيري من المترجمين ويفرحهم ظهور آدابهم بلغتنا وآدابنا بلغتهم. ■ لــو عادت بــك الأيــام، هل كنــت ســتقرر أن تصبح مترجماً من العربية إلى البوسنية؟

□ لو عــادت بــي الأيام لأحببــت أن أكــون أديباً ومترجماً في آن متآلف ومنســجم مع أنني لم أخســر الأدب فــي الترجمة، بل اســتحضرته بعــد أن تيقنت أنني من خلال الترجمة أعيــد كتابة النصوص بلغتي العربية.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom