Al-Quds Al-Arabi

المخطوفون والمختفون قسراً في لبنان في فيلم سينمائي لغسان حلواني

-

■ بيروت - من رنا نجــار: رغم مرور نحو عقدين على انتهاء الحــرب الأهلية اللبنانيــ­ة ما تزال قضية المخطوفين والمختفين قســرا عالقة في الأذهان ما دفع المخرج غســان حلواني لإثارتها ســينمائيا في فيلمه )طرس.. رحلة الصعود إلــى المرئي( الذي عرض في مهرجان )مــا بقى إلا نوصل( لأفلام حقوق الإنســان والهجرة.

يقدم حلواني الفيلم معتمدا على الســرد والتوثيق بأســلوب غير تقليدي بعيدا عن العاطفــة والابتزاز لقضية شــائكة ترتبط بالذاكــرة الجمعية للبنانيين، ولم تُحسم بعد رغم صدور قانون في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي يُتيح كشــف حقائق الإخفاء والخطف ومحاسبة المسؤولين عنهما.

الفيلم الفائز بثماني جوائز فــي مهرجانات كبرى مثــل لوكارنــو وقرطاج تكمــن أهميته في اشــتغال حلواني علــى أرضيــة بصرية تجمع بــن الوثائقي والتجريبي مع إعلاء شأن القيمة الفنية للعمل.

اختار حلواني لغة شــفافة كما رسوماته المتحركة التــي تظهــر فــي الفيلم ليخلــق من ملف سياســي وإنســاني قاس جمالية تحفر في ذاكــرة اللبنانيين الجماعية، وحساســية مرهفة تجاه قصص بشر «ما زالوا أحياء على ســجلات القيد الرســمية في لبنان » كما يؤكد الفيلم.

يبني فيلمه علــى عناصر موجودة وغير موجودة، مرئية وغير مرئية، لها بداية وليس لها نهاية. ينطلق من رســم لصبية وشاب بلا ملامح واضحة كأنهما هنا وليسا هنا، يمشيان ولا يصلان إلى مكان محدد.

ثم يدور حوار بين المخرج ومُصور صحافي نســمع صوتهمــا فقط على خلفية صــورة فوتوغرافية ثابتة وهما يتحدثان عنها لكــن الصورة أيضا غير واضحة لأن حلوانــي أراد أن يجردها من شــخص نفهم لاحقا أنــه اختُطف ولا يزال مختفٍ، ومــن عنصرين تابعين لإحدى ميليشــيات الحرب الأهلية اللبنانية هما أيضا مختفيان وهو «ما يخفي الجريمة» كما يرد على لسان المخرج في المشهد.

وهنا تبدأ الحكاية الرســمية والشائكة لحوالي 17 ألف مفقود ومخطــوف في لبنان خلال الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

يعتمد الفيلم في كثير من مواده على دلالات ورموز منهــا الصورة التــي حصرت فيها قضيــة المفقودين، فبعدمــا كانوا بشــرا يضجون بالحيــاة ولهم عوالم خاصة وأقــارب وعائلات ومنهم مــن كان مناضلا أو شــخصا عاديا قــرر الامتناع عن تعاطي السياســة، أصبحوا بقايا صور.

في عملية البحث في «معالم الجريمة» كما يســميها حلواني، يذهــب الفيلم إلى مشــاهد بطيئة ومتكررة من التنقيب عن مفقودين عُلّقــت صورهم في الماضي على جــدران قديمة فــي بيروت، فيختــار المخرج أن يحمل ريشــة وملقط ويقرر البحث عــن صور هؤلاء تحت ملصقات وصور دعائية متراكمة بحكم السنين، جدران متروكــة لمئات الصــور فوق بعضهــا، ينزع حلوانــي أوراقها بهدوء وإتقان واحــدة تلو الأخرى كأنه ينقب فــي طبقات جيولوجية عميقة ليكتشــف الحقيقة.

هذه المشــاهد تحيل المشــاهد إلى المقابر الجماعية التــي يتناولها الفيلم والتي اختفت هي أيضا إما بفعل فاعل أو مع تغير معالم المدينة، مثل مقبرة جماعية في مكبّ للنفايات وأخرى بُني عليها ملهى، أو بفعل الزمن.

ويقول حلواني الــذي اختُطف والده في عام 1982 وتابع مسار القضية وتشــعباته­ا منذ البداية من دون أن يُدخل الفيلم في قصته الشخصية لرويترز «الفيلم جاء نتيجة ضرورة إذ لم أعد قادرا على الصمت وعلى مشــاهدة قضية تكبر من دون أن تنتهي، وتُمحى من ذاكرة الناس شيئا فشيئا».

وأضاف «طمس الحقيقة وكذبة السلم الأهلي الذي تعيش فيه بيــروت اليوم، كان يؤلمنــي. الكذبة تأكل يوميــا من ذاكرتي التــي ترى بيــروت تتغير معالمها ويعاد ترتيبها وإعمارهــا على أنقاض ضحايا ومقابر جماعيــة وحــرب لم تجر فيهــا مصالحة». ويشــمل مهرجان )ما بقــى إلا نوصل( الذي تنظمه مؤسســة هاينريش بل الألمانية المستقلة في بيروت 11 فيلما من دول عربية وأجنبية تتقصــى وقائع الهجرة وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط والعالم. )رويترز(

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom