Al-Quds Al-Arabi

مشاكل سارة نتنياهو تتقزم أمام مشاكل دولة إسرائيل

قياساً مع الدول المتطورة: خسارتنا تقدر بـ 600 مليار شيكل في السنة

- ميراف ارلوزوروف هآرتس/ذي ماركر 2019/6/17

■ مــا فكرتكم حول إدانة ســارة نتنياهــو أمس فيما يتعلــق بتشــغيل طباخة خاصــة واســتئجار طباخين لوجبات فاخرة في منزل رئيس الوزراء ـ على حســاب الأموال العامة؟ ســنفترض أن يكون موقفكم مناسباً مع الشــكل الذي ترون فيه ترشيح زوجها لولاية رابعة على التوالي كرئيس للوزراء. ففي حملة الانتخابات السابقة وفي تلك السريعة التالية أيضاً، التي فرضت على الدولة، كل شيء يســقط وينهض حول النقاش في رفاه شخص واحد ووحيد ـ بنيامين نتنياهو.

غير أن دولة إسرائيل ليست بنيامين نتنياهو. مشاكل إســرائيل أكبر بكثير من مشــاكل الزوجــن نتنياهو ـ حتى مع الأخذ بالحســبان الإدانات التي كانت، ولوائح الاتهام الجنائيــة التي لا تزال بانتظارهمـ­ـا. غير أنه من شــدة الانشــغال المهووس بالمشــاكل الزائدة للزوجين، تتجاهل حملة الانتخابات المشــاكل الكبرى. المشاكل هي أن إســرائيل فقدت الزخم. في العقد والنصف الأخيرين نمت إســرائيل بنحو 3.5 في المئة في السنة في المتوسط. وهذا نمو متوسط، مع مراعاة معدل نمو السكان )وعليه فــإن المعطى الذي يمثل النمو في مســتوى المعيشــة هو نمو الناتج للفرد وليس النمو العام(. وللأســف، فإن هذا المتوسط أيضاً نوشك على أن نفقده قريباً.

تحليل الباحثين في معهد «اهران»، تســفي اكشتاين، افيحاي ليفشتس، سريت مناحم وتمير كوجوت، يبين أن إسرائيل تســير نحو تقليص وتيرة النمو فيها بالثلث ـ إلى 2.3 في المئة في الســنة فقط، وقريباً جداً. هذه وتيرة النمو المتوقعة للعقد والنصف القادمين، ومعناه جمود في مستوى معيشة الإسرائيلي­ين )نمو الناتج بالنسبة للفرد صفري(، والتدهور مقارنة بالدول الغنية.

إن ســبب التدهور، الذي يبدو شــبه محتــم، هو أن إسرائيل اســتنفدت محرك النمو الذي قفز بها إلى الأمام في العقد والنصف الأخيريــن. هذا المحرك كان الانضمام الواســع للعاملين إلى ســوق العمل. نســاء أصوليات، ونســاء عربيات، وذوو تعليم متدن وغيرهم ـ كثيرون من أولئك بــدأوا يعملون، فــزادوا عدد ســاعات العمل فــي الاقتصاد. الناتج هو معامل لعدد ســاعات العمل في الاقتصاد، مضروب بإنتاجيــة العمل ـ حجم الإنتاج في كل ساعة عمل. في العقد والنصف الأخيرين ارتفعت كمية ساعات العمل، ومعها الناتج أيضاً. وحسب تحليل معهد أهران، فإن الارتفاع في معدل التشــغيل كان مسؤولاً عن 74٪ من الارتفاع في النمو في هذه الفترة.

باســتثناء أن هــذا المحــرك، علــى نحو عظيــم، قد اســتنفدنا­ه. النســاء العلمانيــ­ات اليهوديــا­ت يعملن منذ الآن بالمتوســط أكثر من كل امرأة أخــرى في الدول المتطورة، وكذا الرجال العلمانيون، فهم قريبون من القمة العالمية. بقي مكان آخر للتحسن في كل ما يتعلق بالنساء العربيات، وبالأساس بالرجال الأصوليين. ولكن حتى لو نجحنا في اقتحام الحاجز في هاتين الفئتين السكانيتين، فلن يغير جوهرياً عدد ساعات العمل.

نبدأ بالتخلف مقارنة بالعالم

بينما بات أحد المحــركات يصل إلى الاســتنفا­د، فإن المحرك الثانــي ـ محرك إنتاجية العمــل ـ لن ننجح في تحريكه. في العقد والنصــف الأخيرين كان الارتفاع في إنتاجية العمل متدنياً جداً، ولم يفســر ســوى 26٪من الارتفــاع في النمو. المشــكلة هي أن إنتاجيــة العمل في إســرائيل تســير في الاتجاه المعاكس ـ فــارق إنتاجية العمل بيننا وبين العالم المتطور يزداد. حسب تحليل معهد أهران، تدهورنا من مســتوى إنتاجية العمل بنحو 78 ٪ من إنتاجية العمل في الدول المتطورة )في المعهد يركزون علــى عدد ضيق مــن الــدول، الغنية والقويــة، لغرض المقارنة( في 1995 إلى 68٪ اليوم؛ والاتجاه المتبلور هو استمرار التدهور إلى 65٪ من إنتاجية العمل في الدول القوية حتى العــام 2030. باختصار، بدلاً من محرك نمو، أصبحت إنتاجية العمل عندنا أثقالاً تبعدنا عن مســتوى المعيشة الغربية الذي نتطلع إليه.

في الطريق إلى التدهــور المتواصل هذا، ننجح في أن نضرب غير قليل من الأرقام القياســية الســلبية المذهلة جداً. فمستوى رأس المال العام )أي الاستثمار الحكومي، ولا ســيما في البنى التحتية للمواصلات( عندنا أدنى بـ 75٪ عنه فــي الدول المتطورة. عمليــاً، في مجال البنى التحتية نحــن رقم 2 مــن الآخر فــي دول الـ OECD )منظمة الدول المتطور(. والاســتثم­ار في البنى التحتية الرقميــة الحكومية هــو 42٪ من الاســتثما­ر في الدول المتطــورة ـ نحــن الأخيــرون بين دول الـــ OECD. وهذا فيمــا تتباهى إســرائيل بكونها أمة الاســتحدا­ث. مخزون رأس المال الخاص في إسرائيل )استثمار القطاع التجاري( هــو 38٪ من ذاك في الدول المتطورة ـ المكان الرابع من الآخر بين دول الـ OECD.

وأخيراً، مســتوى رأس المال البشــري عندنــا ـ أي كــم نحن أذكياء، ناجحون وأكفــاء ـ متدن بـ 12٪ عن المتوســط في الدول المتطورة، ومن هــذه الناحية نأتي بعيداً جداً في الثلث الأدنى بين دول الـ OECD.

يقضي تحليل معهد أهران بأن هذه الأســباب الثلاثة ـ الاســتثما­ر الحكومــي المتدني فــي البنــى التحتية، والاســتثم­ار المتدني أيضاً في القطــاع التجاري، ورأس المال البشــري المتردي لإســرائيل -هي الأسباب في أن محرك إنتاجية العمل عندنا يرفض التحرك. ثلاث مشاكل ترتبــط الواحدة بالأخرى. مثلاً، القطــاع التجاري يقلل من الاســتثما­ر ضمن أمور أخرى لأن تحت بشرية متردية ورخيصــة تصرفه قوة ـ من المجدي أكثر تشــغيل المزيد منها بأجر متدن من الاستثمار بالتكنولوج­يا المتطورة.

المشــاكل الثلاث تتعلق بقدر كبير بالنشاط الحكومي. فمضاعفــة الاســتثما­ر الحكومي فــي البنــى التحتية، وتحســن جهاز التعليــم ـ بما في ذلك المشــاكل الحادة لجهــاز التعليم الرســمي العربي الفاشــل وغياب جهاز رسمي أصولي ـ وكذا اســتثمار كبير في التأهيل المهني، هي بين الخطوات التي يجب على الحكومة أن تنفذها كي تتمكن من تشجيع محرك إنتاجية العمل. في عقد السنين المتواصلة لنتنياهو في الحكم بالمناسبة، فعل القليل جداً من هذه الأمور. الطباخة الخاصة أشــغلته على ما يبدو أكثر مما ينبغي.

منذ اليوم نجد أن فارق إنتاجية العمل عندنا مع الدول المتطورة يكلفنا خسارة ناتج بمقدار 600 مليار شيكل في السنة، كل سنة. لو كنا ننجح في تجاوز هذا الفارق، فإن كل شخص في إسرائيل سيكون اليوم أغنى بالثلث. ولكن بدلاً من أن نغنى بالنســبة للعالــم، نتدهور ـ وفي 2030 سيتسع التخلف عن دول العالم.

إذن صحيح، مشــاكل الســيدة نتنياهو مع الطباخة الخاصة لديها أمر مزعج، ولكن مشــاكل شــعب إسرائيل أكبــر وأكثــر تعقيــداً بأضعــاف. فبدون زيــادة حجم الاســتثما­ر الحكومي، وبدون تشجيع المســتثمر­ين في إسرائيل على الاســتثما­ر أكثر، وبالأساس بدون تحسين مســتوى الرأس مال البشري المتردي لشــعب إسرائيل ـ الأصوليين، والعرب، وكــذا كل الباقين ـ فإن الطباخة الخاصة ســتكون امتيازاً الواحد بالألف الأعلى سيكون قادراً على أن يسمح لنفسه بها.

متى نبدأ بالتباحث في هذه المشاكل الحقيقية ـ وليس في المشاكل الوهمية للزوجين نتنياهو.

 ??  ?? سارة نتنياهو تمثل أمام القاضي في قضية الفساد المتهمة بها
سارة نتنياهو تمثل أمام القاضي في قضية الفساد المتهمة بها

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom