Al-Quds Al-Arabi

المهندس الذي اعتبر رمزاً لانتصار الثورة المصرية وتحطمها

- تسفي برئيل هآرتس 2019/6/18

■ بعد سبع سنوات من تتويجه لرئاسة مصر، عندما فاز في الانتخابات الديمقراطي­ة الأولى التي جرت في هذه الدولة منذ عشرات الســنين، توفي أمس محمد مرسي أثناء وقوفه لتقديم شــهادته في المحكمة فــي القاهرة. مــا زالت ظروف موته غير واضحة. وقرار المحكمة الذي يقول بأن مرسي )67 سنة( أصيب بسكتة قلبية يستقبل بشك في أوساط مؤيديه وأتباع حركة الإخوان المسلمين. من مصر ورد أن قوات كبيرة من الشرطة انتشرت في شــوارع المدينة بسبب الخشية من اندلاع مظاهرات احتجاج كبيرة، التي يحتمل أن يشارك فيها من يؤيدون الإخوان المســلمين، بل ومعارضو نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.

صعود وموت مرســي يقص قصة ثورة الربيع العربي في مصر. وترشيح مرسي للرئاسة لم يكن الخيار الأول للإخوان المسلمين.

الدكتور الــذي درس هندســة محــركات الصواريخ في جامعة فــي جنوب كاليفورنيـ­ـا وعمل فــي الثمانينيا­ت في «ناسا»، على تطوير الســفن الفضائية، عاد إلى مصر وعمل محاضراً في جامعة الزقازيق. اعتقلته الشرطة عشية الثورة كجزء من نشــاطات نظام مبارك في الجامعــات ضد حركة الإخوان المسلمين.

لم يكن مرســي من البارزين من زعماء الإخوان المسلمين وحتى أنه لم يكــن متديناً. ولكن بالنســبة لقيادة الإخوان المسلمين هو مرشــح متصالح لا يغضب الجيش، الذي تولى السيطرة على الدولة بعد إسقاط نظام حسني مبارك. وكان بإمكانه تجنيد حركات الاحتجاج العلمانية بســبب علاقاته المتشــعبة معها. نتائــج الانتخابات الرئاســية التي جرت أعطته 53 في المئة من أصــوات الناخبين وأوضحت أن مصر منقســمة في مواقفها من حكم حزب ديني بشكل عام وحركة الإخوان المسلمين بشكل خاص.

ورغــم ذلك، فــإن انتخاب مرســي، الذي جــاء بعد فوز حركة الإخوان المســلمين بالشــرعية، وبعد رفع الحظر عن نشــاطاتها السياســية التي فرضت في 1954، استقبل كرمز لفوز الديمقراطي­ــة في الدولة، واعتبر إنجــازاً للثورة. أحد الأعضــاء الكبار في حركة الاحتجــاج، وائل غنيم، الذي بدأ بتجنيد الاحتجاج بواســطة صفحته في «فيســبوك» التي أقامها في ذكرى خالد ســعيد، الشاب المصري الذي قتل على أيدي الشرطة في الإســكندر­ية قبل خمسة أشهر من حدوث الثورة، أعلن في حينه بأنه سيصوت لمرسي لأنه «أولاً، يجب علينا الاهتمام بالديمقراط­ية، وبعد ذلك بجوهرها.»

ولكن تبين لحركات الاحتجاج، والشــعب المصري بوجه عام، بأن مرسي لا ينوي تطبيق المبادئ التي وجهت من قاموا بالاحتجاج والثورة.

في عدة أوامر رئاســية قــرر أنه ســتكون لقراراته صفة القانون، وأنشأ لجنة لصياغة الدستور تتكون من شخصيات تؤيد حركة الإخوان المســلمين في معظمهــا، وتحويل مصر إلى دولة شــريعة، وفرض رقابة شــديدة، واعتقل خصومه من الصحافيين والمفكرين. حركة الإخوان المســلمين أظهرت التعطش للحكــم الذي يصعب إرواؤه، عندمــا بدأ الرئيس باســتبدال الأشــخاص الذين تولوا المناصــب الكبيرة في عهد مبــارك، وبدلاً منهم عيّن نشــطاء من حركــة الإخوان الذين بدأوا في إدارة شــؤون الدولة وفق الأجندة الدينية ـ السياسية للحركة.

في الوقت نفسه، حرص مرســي على إنشاء شبكة علاقة وثيقــة مع إدارة الرئيس براك اوبامــا وحظي بتأييد تركيا، وأعلن أنه ينوي التمسك بجميع الاتفاقات التي وقعتها مصر، بما في ذلك اتفاقات كامب ديفيد. ورسالة التهنئة التي تسلمها من الرئيس شــمعون بيرس بمناســبة انتخابه أجاب عليها مرسي بكلمات لطيفة: «بمشاعر الشكر العميق تلقيت تهنئتك بمناســبة حلول شــهر رمضان المبارك. وأنتهز هذه الفرصة كــي أقول مرة أخرى بأنني آمل أن نســتثمر جهودنا الجيدة جداً من أجل إعادة العملية الســلمية في الشرق الأوسط إلى المسار الصحيح من أجل تحقيق الأمن والاستقرار لكل سكان المنطقة، بما في ذلك الشعب الإسرائيلي». هذه الرسالة هدأت بدرجة ما مخاوف إسرائيل من رجل الإخوان المسلمين الذي لم يذكر في السابق اسم إســرائيل وأطلق عليها اسم الكيان الصهيوني، واعتبر قيادتها مشعلة للحروب.

انتصار الثورة وانهيارها

في سنة ولايته الوحيدة سجل مرسي أيضاً عدة إنجازات في المجال الاقتصادي. من بين ذلك حصل على هبات وقروض ســخية من قطر ووقع على اتفاقات مع صندوق النقد الدولي وأمر بزيادة الاســتثما­ر في البنى التحتية. الســياحة التي تعرضت لضربة شــديدة في أعقاب الثورة بدأت في العودة إلى سابق عهدها، ورؤســاء الدول الغربية استقبلوا مرسي كممثل أصيل لـ «الجمهورية المصرية الثانية» التي تمثل عهد الديمقراطي­ة في مصر.

كل ذلــك لم يهــدئ حــركات الاحتجاج التي اســتأنفت المظاهرات، والتي طلبوا فيها من مرســي الاستقالة، إلى حين ســيطر الجيش في الذكرى الســنوية الأولــى لولايته على خلفية مظاهرات كبيرة هزت القاهرة، على القصر الرئاســي ومنح مرسي 48 ساعة كي يتراجع عن كل قراراته وتعليماته، أو ســيتم عزله. مرســي رفض هذا الإنــذار واتهم الجيش بالتمرد ضد الرئيس المنتخــب. ولكن في نهاية ذاك اليوم تم اعتقاله، وبــدلاً منه عين رئيس الأركان ووزيــر الدفاع عبد الفتاح السيسي نفسه رئيساً مؤقتاً.

لقد تم تقديم عشــرات لوائح الاتهام ضد مرســي شملت مخالفــات كثيرة، منها التجســس والخيانــة وقتل المدنيين والتآمر مع حماس وقطر، وأدين بها. وفي إحداها صدر حكم الإعدام عليه، والذي تم استبداله بعد ثلاث سنوات بالسجن المؤبد.

إقالة مرســي من قبل السيسي تم اســتقباله­ا في البداية كعمل حيوي لإنقاذ الديمقراطي­ة في مصر وإنقاذها من الأذرع الدينية. ولكن خلال فترة قصيرة تبين للشــعب المصري بأن الرئيــس الجديد أيضاً، حتــى عندما خلع الزي العســكري وبدأ بارتداء البدلات الرســمية، لا يحمل في جيبه صولجان الديمقراطي­ة. السيســي بدأ بحرب شــديدة ضــد الإخوان المســلمين، أوقف نشــاطهم واعتبرهم تنظيماً إرهابياً يجب اجتثاثه من الجذور.

في الوقت نفســه بدأ السيســي بفرض نظام قمع شديد، حتى أكثر شدة من الذي كان في عهد الرئيس مبارك. حركات احتجاج تم تفريقها، نشطاء اعتُقلوا، وسائل إعلام تعاني من الملاحقة، وتجاهل حقوق الإنســان والمواطن، كل ذلك حولت مصر إلى بؤرة للانتقاد الدولي. يبدو أنه إذا كان مرسي شكل رمزاً لانتصار الثورة وانهيارها، فإن ولاية السيسي موجهة لتدمير روحها.

 ??  ?? الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي اثناء محاكمته
الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي اثناء محاكمته

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom