Al-Quds Al-Arabi

ثلاثة سيناريوهات رئيسيّة محتملة لمستقبل السلطة الفلسطينيّة في ظل الضمّ

- الناصرة ـ «القدس العربي»: وديع عواودة

يستعرض مــركــز أبــحــاث فلسطيني السيناريوه­ات المحتملة في موضوع الضمّ ومستقبل السلطة الفلسطينية، ويؤكد على حيوية التحرك الفلسطيني الشعبي كونه يؤثر على بقية مسارات العمل في البلاد والـعـالـم. وتستذكر ورقــة تقدير الموقف هذه أن اتّفاق تشكيل الحكومة )الخامسة والثلاثون( بين «الليكود» و«أزرق-أبيض» نـصَّ على «فــرض السيادة الإسرائيليّة» على مناطق في الضفّة الغربيّة وَفق خطّة «التسوية الأمريكيّة» وكــان من المفترض طرحه للمصادقة عليه في حكومة الاحتلال في الأول من تموز/يوليو الحالي. ويقول إنه ربّما يشمل الضمّ الإسرائيليّ منطقة الأغوار والمستوطنا­ت الكبرى، الذي يتوافق مع ما تطرحه خطّة «صفقة القرن» بل إنّ الخطّة تُـوغِـلُ أكثر من ذلــك، حيث تقرّ بالسيادة الأمنيّة الكاملة لإسرائيل على الضفّة الغربيّة، وما يتبقّى من تجمّعات ومعازل فلسطينيّة يمكن أن تقام عليها الـدولـة الفلسطينيّة بعد موافقتها على شرط السيادة ويهوديّة الدولة؛ وهو ما يدفع للتساؤل عن سياسة السلطة الفلسطينيّة في ضوء الإجــراءا­ت الإسرائيليّة والأمريكية ومستقبلها.

ويستذكر «مـــدى الـكـرمـل» فــي ورقــة تقدير المـوقـف التي أعـدهـا يحيى قاعود )باحث في العلوم السياسيّة وفي دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني داخل منظمة التحرير( أنه بعد توقيع اتّفاق أوسلو عام 1993 أنشأت منظّمة التحرير الفلسطينيّة السلطةَ الفلسطينيّة، وينوه أن ذاك الاتّفاق كان من المفترض أن يُفْضي إلى إقامة الدولة الفلسطينيّة على حدود الرابع من حزيران/ يونيو عــام 1967. ويضيف «بعد انتهاء المرحلة الانتقاليّة، التي حُـــدّدت بخمس سنوات للتفاوض على قضايا الحلّ النهائيّ، حسب مـا قــال صائب عريقات أمــن سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة وكبير المفاوضين على قناة الجزيرة في الـ 22 من أيّار/مايو 2020 كان من المقرَّر أن تسير المرحلة الانتقاليّة من دون اتّخاذ أيّ طرف إجــراءات قبل موعد التفاوض». ويستذكر أيضا أن إسرائيل تنكّرت للاتّفاقيّات التي وقّعتها مع المنظّمة، وشرعت في تفريغ عمليّة السلام من مضمونها، واستمرّت في الضمّ والاستيطان على أرض الواقع، حيث استوطنت «جـبـل أبــو غنيم» عام 1996 واتّخذت غير هذا من الإجـراءات التي أوضحت على نحوٍ جليٍّ عدمَ التزامها باتّفاق السلام ودفع استحقاقاته. أمّا على مستوى المفاوضات، فقد أفشل رئيس الوزراء السابق إيهود باراك لقاء «كامـب ديفيد2» عام 2000 الــذي كــان مـن المفترض ضمنه أن تجري تسوية قضايا الحلّ النهائيّ كافّة، والوصول إلى إقامة الدولة الفلسطينيّة على حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967 وعلى أثرها اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000.

متطابقا مع موقف حركة الإسرائيلي­ة يـوضـح «مـــدى «السلام الآن» الـكـرمـل» أن التعنّت والتنكر الإسرائيليّين لعمليّة التسوية أخذا بالتوسع وسارت استراتيجيّتها على مستويين: الأوّل داخليّ؛ حيث شرعت في مـصـادرة أراضٍ وبـنـاء استيطانيّ حتّى أصبحنا أمام أكثر من 235 مستوطنة وبؤرة استيطانيّة، ونـحـو 700 ألــف مستوطِن في الضفّة الغربيّة والـقـدس. أمّــا الثاني فخارجيّ؛ حيث سعت إلى زيـادة تعاونها وتطبيعها مع الدول العربيّة مستغلّة أحداث المنطقة بمساعدة الولايات المتّحدة، بدون تسوية الصراع مع الفلسطينيّين، وبذلك تجاوزت مبادرة السلام العربيّة التي أُطلِقت عام 2002 والتي تنصّ على الانسحاب من الأراضـي الفلسطينيّة شرط إقامة علاقات طبيعيّة مع إسرائيل. منوها أنـه ردًّا على استراتيجيّة إسرائيل، توجّهت السلطة الفلسطينيّة إلـى الأمم المتّحدة والمجتمع الدوليّ؛ ففي عام 2012 حصلت على صفة دولة بصفة مراقب، وانضمّت إلى العديد من المعاهدات والاتّفاقيّات الدوليّة. وكان أهمّ ما تمخّض عنه ذلك انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدوليّة في نيسان/ابريل عام 2015؛ بالإضافة إلى القرارات الأمميّة التي ترفض الاستيطان في الضفّة الغربيّة والقدس، وكـان آخرها قـرار مجلس الأمن (2334( في كانون الأوّل/ديسمبر عام 2016. ويضيف «طرقت فلسطين أبواب المحكمة قبل هذا التاريخ مرّات عدّة؛ فقد أودع وزير العدل الفلسطينيّ إعلانًا رسميًّا لدى المحكمة وطلب فتح تحقيق في اعتداء إسرائيل على قِطاع غزّة في العامين 2009 و2014. وفي ما يخصّ الاستيطان، طلبت السلطة الفلسطينيّة من المحكمة في أيّار/مايو عام 2018 فتح تحقيق فـوريّ في جريمة الاستيطان غير الشرعيّ في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، عملًا بالمادّة (45( من ميثاق روما.

وحسب التقرير فإنه رغم هذا كلّه، لم يكن التحرّك الفلسطينيّ على المستوى السياسيّ والدبلوماس­يّ والقانونيّ، وحتّى الشعبيّ، قــــادرًا عـلـى لجــم الاحــتــا­ل وسياساته التوسّعيّة، ويعود ذلك لأسباب عدّة، منها الذاتيّ كالانقسام السياسيّ، وعدم وجود استراتيجيّة فلسطينيّة قائمة على خيارات مـتـعـدّدة؛ ومنها مـا هـو خــارجــيّ، كدعم الـولايـات المتّحدة غير المحــدود للاحتلال، وردّ المجتمع الدوليّ الضعيف أمام سياسات التوسّع الإسرائيليّة. ورفـضـت السلطة والمنظّمة معًا إجــراءات وسياسات الإدارة الأمريكية، برئاسة دونالد ترامب، وقطعت علاقاتها مع الولايات المتّحدة بسبب نقل سفارتها إلـى القدس في أيّـار/مـايـو عام 2018 ورفضت خطّة التسوية التي طرحتها إدارة ترامب. وفي ظلّ إصرار إسرائيل على ضـمّ مناطق شاسعة من الضفّة الغربيّة، اتّخذ الرئيس محمود عبّاس في خطابه في 19 أيّار/مايو 2020 في مدينة رام الله قرارًا مـؤدّاه «التحلّل من الاتّفاقيّات الموقّعة مع إسرائيل والولايات المتّحدة» وكذلك «وقف التنسيق الأمنيّ والمدنيّ» فيما أكّدت منظّمة التحرير في بيانها الصادر بمناسبة ذكرى التأسيس، في الـ 27 من أيّار/مايو الماضي على ما تضمّنه خطاب الرئيس.

وضـمـن الـبـدائـل الممكنة يـرجـح «مـدى الـكـرمـل» أنــه فـي ظــلّ قـــراءة تصريحات وسياسات رئيس الـوزراء بنيامين نتنياهو والائـــتـ­ــاف الحــكــوم­ــيّ حـــول الــضــمّ من جهة، وتصريحات الرئيس محمود عبّاس والحكومة الفلسطينيّة من جهة أخرى، يمكن الوقوف عند ثلاثة سيناريوهات رئيسيّة محتملة لمستقبل السلطة الفلسطينيّة:

استمرار الوضع الراهن: ترفض القيادة السياسيّة جميع الإجراءات والسياسات التي تفرضها إسرائيل بدعم من الولايات المتّحدة، وتسعى للردّ عليها من خلال الدبلوماسيّة والقانون الدوليّ والتمسّك بخيار السلام وحـلّ الدولتين، كما دعت الــدول للوقوف في وجـه السياسات الإسرائيليّة وخطّة التسوية الأمريكية. في المقابل، قد تذهب

مستوطنة في الضفة الغربية

إسرائيل إلى ضمّ إجرائيّ-سياسيّ، ومن ثَمّ محاولة تطبيقه على نحو تدريجيّ، من دون الذهاب للضمّ بصورة كاملة وفوريّة، ويعزّز تلك السياسةَ الاختلافُ القائم بين الائتلافِ الحكوميّ ومواقيت الضمّ المختلفة، والرفضُ العربيّ والدوليّ لإصرار إسرائيل على ضمّ مناطق كبيرة من الضفّة الغربيّة، فضلًا عن تحذير قيادات عسكريّة في إسرائيل من احتماليّة تصعيد المواجهة في المناطق الفلسطينيّة إذا جرى الضمّ. وينوه أنه رغم ذلك، هناك العديد من الكتابات والدراسات التي تقدّمها مراكز فكريّة في إسرائيل، نحو «معهد بيغين-السادات للدراسات الاستراتيج­يّة» على سبيل المثال، الذي برّر إجراءات الضمّ في أكثر من ورقة سياسيّة، ويوضّح لصنّاع القرار في إسرائيل خطورة التراجع عنه. وحسب تقديرات المؤسسة لن تفوّت إسرائيل فرصة دعم الإدارة الأمريكية للضمّ قبل الانتخابات الأمريكية، وفي الوقت نفسه لا تريد مجابهة السلطة الفلسطينيّة من جهة، والدول العربيّة والمجتمع الدوليّ من جهة أخرى، ولا سيّما تلك التي تلتزم معها باتّفاقات سلام كالأردن ومصر.

لــذا يـقـول إنــه مــن المحتمل أن تكتفي بالإعلان عن ضمّ تدريجيّ، وقد تبدأ بالكتل الاستيطانيّة الكبرى بدون الأغوار، مرجحة أنّ خيار الضمّ التدريجيّ يحظى بإجماع إسرائيليّ-أمريكيّ، ومن المحتمل ضمّ ثلاث كتل استيطانيّة هي: «معاليه أدوميم» شرق الـقـدس؛ «أريـيـل» شمال الضفّة الغربيّة؛ «جوش عتصيون» في جنوبها. ويشير إلى أن التركيز في ضمّ هذه الكتل التي تمتلك حدودًا واضحة، حتّى في حالة التوصّل إلى اتّفاق مع الفلسطينيّين على أساس حدود عام 1967 وتبادلٍ للأراضي، سيجنّب إسرائيل الدخول في نزاع مع الأردن.

التقويض والانهيار: ويرى «مدى الكرمل» أن إسرائيل لا تريد انهيار السلطة، كي تستمرّ في تحمّل مسؤوليّة السكّان في الضفّة الغربيّة وقِطاع غـزّة؛ وإنّما تسعى إلى تقليص وتغيير دَورهــا السياسيّ إلى دَوْر خَدَميّ للمعازل والكانتونا­ت بعد ضمّ

نحو 30 في المئة من مساحة الضفّة الغربيّة. ويشير لرفض قيادة الشعب الفلسطينيّ السياسيّة ضــمّ 30 فـي المئة مـن أراضــي الضفّة الغربيّة، لانعدام أيّ فرصة لبناء دولة ومستقبل للفلسطينيّين. ويتابع: «مع ذلك، لن تُحَلّ السلطة الفلسطينيّة، حسب تصريحات الرئيس محمود عبّاس، حيث أشار أنّ السلطة ستسعى إلى تعظيم مكانتها من سلطة إلى دولة تحت الاحتلال، أي تعزيز مكانة السلطة لا حلّها، وإن لوّحت بأن تحلّ نفسها كأحد خياراتها لـلـردّ على الضمّ الإسرائيليّ.» ويعتبر «مـدى الكرمل» هذا السيناريو بعيد التحقّق؛ فحتّى خطّة التسوية الأمريكية التي تُشَرْعِن الضمّ الإسرائيليّ تتحدّث عن دولـة على ما تبقّى من أراضٍ )التجمّعات والَمعازل الفلسطينيّة( وإن جرى الضمّ الجزئيّ أو الكلّيّ، فإنّ منظّمة التحرير والسلطة الفلسطينيّة ستواجه صعوبات وتحدّيات جمّة، أهمّها التحرّك السياسيّ والدبلوماس­يّ في المجتمع الدوليّ والمنظّمات الدوليّة لإزالة الاستيطان، وسيؤدّي الضمّ إلى تدهور الواقع الاقتصاديّ والمجتمعيّ في ظلّ التحلّل من الاتّفاقيّات، وإذا استمرّ إصرار الحكومة الإسرائيليّة على الضمّ، فمن المحتمل أن تَنجم عنه تظاهرات احتجاجيّة قد تتحوّل إلى هبّة جماهيريّة ضدّ سياسة الاستيطان. ويتابع «على أي حال، ستُفضي تلك الإجـــراء­ات والسياسات إلـى تسوية سياسيّة جديدة في المدى القريب أو البعيد.»

المواجَهة والاستمرار: ويرى أن مستقبل السلطة، وقـدرتـهـا على مـواجـهـة الضمّ الإسـرائـي­ـلـيّ، يعتمدان على الإجــــرا­ءات والـسـيـاس­ـات الـتـي تـتّـخـذهـا؛ فقد أعلن الرئيس عـن سياسته فـي 19 أيّـار/مـايـو الماضي التي أكّد عليها بيان منظّمة التحرير فـي الـــ 27 منه، حيث نصّت السياسات على: دعوة الدول إلى رفض خطّة التسوية الأمريكية، والدعوة لإصدار عقوبات رادعة لمنع الاحتلال من تنفيذ مخطّطه، ومطالبة الـــدول الاعــتــر­اف بـالـدولـة الفلسطينيّة، وملاحقة المسؤولين الإسرائيليّين في المحاكم الدوليّة. ويستذكر تأكيد القيادة الفلسطينيّة تمسُّكها بخيار السلام، وطالبت أيضًا بدعم الدول العربيّة للوقوف في وجه مخطّطات الضمّ الإسرائيليّ. يبقى الطرح منقوصًا ما لم يشمل خطّة وطنيّة شاملة للتحرّك والمواجهة، والاعتماد على خطابات الرفض لكلّ الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة التي تعاني من حالة تَشَظٍّ وانقسام.

ويخلص «مدى الكرمل» للقول إنّ مواجهة الضمّ الإسرائيليّ تتطلّب خططًا عمليّة للتنفيذ وَفــق الإمكانيّات المتاحة، ولعلّ التحرّك الجماهيريّ والمؤسّساتيّ والرسميّ للدفاع عن الأرض المهدَّدة بالاستيطان هي أولى الخـطـوات، على نحوِ ما حـدث سابقًا في «الخان الأحمر» وَ «بوّابات المسجد الأقصى». معتبرا أن التحرّك الفلسطينيّ على المستويات والـصُّـعُـد كـافّـة يـؤثّـر تأثيرا مباشرا في مسارات العمل الأخرى، كالمنظّمات الدوليّة، والمجتمع الــدولــيّ، والحـاضـنـ­ة العربيّة، وخاصّة الأردن صاحبة الحدود المشتركة مع فلسطين والمتضرّرة من الضمّ. ويضيف «هذه العوامل والمسارات تتشارك في رسم صورة مستقبل السلطة الفلسطينيّة فـي ضوء إجراءات الضمّ».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom