Al-Quds Al-Arabi

قيادة فلسطينية عاجزة ودول عربية متواطئة فما هي خيارات المقاومة المتوفرة لمرحلة ما بعد الضم؟

- إبراهيم درويش

عندما يـجـري الحـديـث عـن خطة الضم الإسرائيلي­ة فالتركيز يظل على إسرائيل في وقت يجري فيه كما في الماضي تغييب الفلسطينيي­ن وهـم الضحية الحقيقية لكل خطوة تقوم بها إسرائيل أمام سمع العالم.

فالمعارضة لخطة ضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية ووادي الأردن نابعة من خشية تحــول إسرائيل لـدولـة تمييز عنصري، أو لأن الخطة لا تخدم الأمن الإسرائيلي أو لأن «الوضع الراهن» هو أفضل من خطوة أحادية لا تعني شيئا على الواقع.

وفـــوق كـل هــذا ظـل دعـــاة حـل الدولتين يكررون نفس الكلام الذي قالوه في الماضي عــن المــفــاو­ضــات وهـــم يـعـرفـون ان عملية التفاوض ميتة منذ زمــن وأن أوسـلـو كان غطاء للتوسع الاستيطاني على ما تبقى من فلسطين التاريخية. والغريب أن الأصـوات المطالبة إسرائيل بالتعقل وعدم الإقـدام على خطوة تترك تداعياتها الخطيرة عليها وعلى المنطقة هي نفسها التي وقفت صامتة أو دعمت بطريقة غير مباشرة في كل ما حدث. وبدت عملية الضم وكأنها عد تنازلي حيث صور يوم الأول من تموز/يوليو على أنه يوم الحسم الذي سيعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن بدء العملية. وترك الأمر للتكهن، هل سيضم كامل المستوطنات، أي 200 نقطة استيطانية في الضفة الغربية أم سيكتفي بالكبيرة منها حول القدس؟

صحيح أن عـدم المضي مرتبط بخلافات داخل الحكومة الإسرائيلي­ة خاصة تصريحات رئيس الوزراء بالمناوبة بيني غانتس، والذي لا يعارض عملية الضم بل يعارض توقيتها، فهو يرى أن التركيز على مكافحة فيروس كورونا الذي عاد من جديد ومعالجة الاقتصاد أهم من تركيز الجهود على الضم الذي حدث بالواقع وكما حددته خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي كشف عنها في كانون الثاني/يناير واشترطت على الفلسطينيي­ن تنفيذ شروط معينة تؤهلهم لأن تكون لهم دولة، مفككة في هذه الحالة وبدون حدود أو سيادة بل مجرد تجمعات بلدية تمارس فيها السلطة الوطنية عليها الإدارة. وقال سفير أمريكا في إسرائيل ساخرا أن تأهل الفلسطينيي­ن للدولة يعني أن عليهم أن يصبحوا ديمقراطية مثل كندا.

وفي مقال للبرفيسور أفي شلايم بصحيفة «الــغــارد­يــان» (2020/6/22( قــال فيه إن الاحتجاجات ضد الضم انهالت على نتنياهو من الأحزاب السياسية اليسارية في إسرائيل ومن شبكة من المنظمات اليهودية في الشتات، وكذلك من مجموعة تتكون من 220 شخصية من الجنرالات السابقين ورؤساء الأجهزة الأمنية السابقين. والحجج الرئيسية التي تعتمدها هذه المجموعات المختلفة تقول إن الضم سيلحق ضرراً بالغاً بأمن إسرائيل وإنه سيكون صعباً ومكلفاً حراسة وتأمين الحدود الموسعة، وإنه يجازف بإشعال انتفاضة فلسطينية ثالثة ويشكل تهديداً لمعاهدات السلام مع كل من مصر والأردن. وسيقضي على فرص التطبيع مع بقية العالم العربي وسيحول إسرائيل «رسمياً» إلى دولة ابارتهايد.

وهـي حجج تنم عن قلق بشأن مصلحة إسرائيل لا الفلسطينيي­ن. ودعا شلايم حكومة بريطانيا التي رعت المشروع الصهيوني منذ عام 1917 أن تكفر عن خطئها وتعترف بدولة

فلسطينية. فلم تعترف حتى الآن بالدولة الفلسطينية إلا حكومة الـسـويـد. وهــو ما ذهب إليه المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكي إيــان غولدينبرغ، بمقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» (2020/7/2( وقال إن خطة الضم ستكون بداية لعصر القرارات الأحادية ستؤدي إلى تحول في السياسة من الجانب الفلسطيني أيضا. ففي حالة حدث الضم، فإن حل الدولتين الـذي وافقت عليه إدارة ترامب سيكون بلا معنى. وفي عالم كهذا فمن المهم اتخاذ خطوات لإحيائه وخلق وقائع على الأرض تؤكد مناخ حل الدولتين. وأفضل طريقة هي اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية. ويعتقد الكاتب أن الضم هو خطوة لا شك فيها من أن الإسرائيلي­ين يبتعدون عن حل الدولتين. لكن تأثيره على الفلسطينيي­ن لن يكون كبيرا خاصة أنهم لم يـعـودوا يؤمنون بإمكانية الحصول على دولة.

وتـكـشـف الاســتــط­ــاعــات فــي المـنـاطـق الفلسطينية أن الـدعـم لحـل الـدولـتـن في أدنـــى حـالاتـه ومـنـذ أن بــدأ الإسرائيلي­ون والفلسطيني­ون يتفاوضون منذ عـام 1993 وتوقيع اتفاقية أوسلو. والمعارضة لا تقوم على جـوهـر الاتـفـاقـ­يـات ولـكـن على غياب الإيمان في إمكانية تحقيقه بعد 25 أو أكثر من الفشل وتوسع المستوطنات الإسرائيلي­ة على الأراضي من المفترض أنها مخصصة لدولتهم الفلسطينية. ويرى غولدينبرغ أن الاعتراف بالدولة سيعزز من وضـع السلطة الوطنية ويعطيها شرعية ويمنعها من الإنهيار. كما وسيدفع الشركاء الأوروبيين باتباع أمريكا.

وحتى لو لم تعترف الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية فإن التعبير عن عدم معارضتها لأي قرار من دولة أوروبية بهذا الشأن سيحفز مـوجـة دولــيــة لــاعــتــ­راف وسـيـعـزز لحظة الفلسطينيي­ن اليائسين. وسيكون الاعتراف مناسبا لمواجهة إسرائيل التي عرضت خطتها الأحادية حل الدولتين للخطر. وفكرة الاعتراف بالدولة مناسبة للحزب الديمقراطي في جناحه المحافظ والمتطرف.

والمشكلة في هذه التحركات الرمزية التي يدعو إليها الرافضون للضم أو المتعاطفون مع القضية الفلسطينية أنها لا تأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي حدثت في الواقع الفلسطيني بسبب أوسلو وبسبب التوسع الاسيتطاني الــشــرس والــــذي تم بـغـطـاء مــن أوســلــو. فالاعتراف بالدولة هو مطلب السلطة التي ظلت معزولة عن مبادرة السلام الأمريكية ولم يتم أخذ رأيها، ذلك أن الجانب الأمريكي وبدعم من اسرائيل استبعدها لكونها «رافضة» و «ليست شريكا» في العملية السلمية. إلا أن حل الدولتين يظل سرابا، ولا يحل الاعتراف بـدولـة لا تعرف حـدودهـا أو سيادتها من معضلة السلطة الوطنية التي أصبحت مع مرور الوقت أداة في تنفيذ سياسات الاحتلال وقمع شعبها من أجل الأمن الإسرائيلي. فالسلطة التي أصبحت مكونا عضويا في آلـة القمع لا تستطيع حل نفسها لأنها وعلى مدى ربع قرن أقامت بيروقراطية باتت تعتمد عليها في حياتها اليومية. وحتى عندما تقرر السلطة التحلل من اتفافيات أوسلو ووقف التنسيق الأمني وتسليم سـاح الأجهزة الامنية، إلا أنها تعرف أن التنسيق الأمني يشمل قضايا عــدة تمـس حياة الفلسطينيي­ن فـي المناطق المحتلة من العلاج والتصاريح وحرية الحركة والسفر إلى الأردن وغير ذلك. ومن هنا لم تكن السلطة الوطنية التي كان ضعفها سببا في استبعادها من مناقشات خطة ترامب )181 صفحة( قــادرة حتى على تعبئة الأوروبيين والـدول العربية التي بات بعضها يطبع علنا مع إسرائيل. وبهذا المعنى يظل قـرار الضم الإسرائيلي يدور حول متى وكيف بدون أن يكون للفلسطينيي­ن فيه رأي. وتكشف عملية الضم كما يقول طارق باكوني في «نيويورك ريفيو أو بوكس» (2020/7/2( عن المشاكل المتأصلة في التزامات اتفاقيات أوسلو لبناء دولة في ظل الاحتلال. وينقل عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إنه لا خيار إلا مواصلة اللعبة وتحقيق حلم الـدولـة عبر التفاوض. وقال أحدهم «مستعدون للجلوس مئة عام أخرى». ولكن ماذا سيفعل عندما لا يريد الطرف الآخر التفاوض؟ ومن هنا اتخذت السلطة خطوات ضيقة لمواجهة مشروع الضم مثل الحديث عن وحـدة الصف الفلسطيني والتقارب مع حركة حماس. وطغى الخلاف بين فتح، كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحماس على المشهد الفلسطيني منذ سيطرة الأخيرة على قطاع غزة عام 2007 وسط خيبة أمل من قدرة الجانبين ابدا على التصالح.

وفي ظل استطلاعات رأي تشكك من قدرة السلطة على تحقيق حلم الدولة. بل ويناقش بعض الفلسطينيي­ن بمـن فيهم الـقـيـادة أن السلطة تحولت لمتعهد أمني باتت هناك حاجة للتفكير خارج ثنائية فتح-حماس التي طبعت السياسة الفلسطينية منذ بداية القرن الحالي بل والبحث عن أسس جديدة للمقاومة. مثل التوقف عن حلم الدولة والتفكير ضمن إطار الدولة الواحدة التي يجمع معظم المعلقون أنها ستكون نتاجا لعملية الضم، ولكنها ستكون دولة عنصرية يحشر فيها الفلسطينيو­ن في بانتوستانا­ت ممزقة على طريق دولة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وتحتل فكرة الحقوق المدنية مركزا في هذا التفكير. ويرى الداعون لهذا الشكل من المقاومة أنه سيكون دافعا نحو التعبئة والوحدة. فمن خلال لغة حقوق الإنسان والحقوق السياسية يتم تحدي القمع وحرمان الفلسطينيي­ن من حقوقهم الفردية والجماعية. وبهذه الطريقة يتم الوصول إلى حق تقرير المصير وتحقيق الحرية من خـال إنهاء الاحـتـال والعدالة بعودة اللاجئين منذ 1948 والمساواة في إطار المواطنة داخل دولة إسرائيل. وهناك من يشكك في قدرة هذه الحركة على تحقيق طموحاتها في ظل دولة تنظر إلى نفسها كدولة قومية يهودية، تقتصر فيها الديمقراطي­ة على اليهود أما البقية فهم مواطنون من الدرجة الثانية حتى لو حملوا جوازها. ويبدو أن التحول أو البحث عن تعريف جديد للهوية الفلسطينية نابع من الخيبة وفشل النخبة السياسية في تلبية طموحات الأجيال الجديدة من الفلسطينيي­ن خاصة الجيل الذي ولد وترعرع في ظل مشروع أوسلو، فلغة الحقوق والمساواة عالمية. وتجد هذه الحركة دعما من حركات التضامن العالمية مع القضية الفلسطينية التي ازدادت قوتها في السنوات الأخيرة خاصة حركة العدالة من أجل فلسطين. وكما ظهر في تضامن حركة حياة السود مهمة مع الفلسطينيي­ن. ويخشى البعض في المؤسسة الفلسطينية السياسية أن تـؤدي المقاومة من أجل الحقوق للتخلي عن الحقوق الدولية، فبدون أوراق قوة لا يمكن للفلسطينيي­ن العيش في ظل دولة واحدة. ولا بد والحالة هذه المضي في مشروع الدولة. فلغة حركة الحقوق المدنية قد تكون جيدة في شـوارع نيويورك لكنها لا تتناسب مع واقع الاحـتـال والاستيطان، فـأي حركة تظاهر ستواجه قمعا وانتقاما يأخذ عدة أشكال. ومهما يكن فدعاة الكفاح من أجـل الحقوق المدنية للفلسطينيي­ن يرون أنه إطار بديل عن السياسة العاجزة والقيادة التي وقفت عاجزة أمام الاستيطان والاحتلال والضم.

ففي الوقت الذي يناشد فيه قادة العالم )مثل بوريس جونسون( والــدول العربية، وبمقالات في الصحف الإسرائيلي­ة نتنياهو ألا ينفذ قرار الضم لا أحد يتحدث مع محمود عباس الـذي يطلق التهديدات الفارغة وهو يعرف أن المــاء والكهرباء ومعالجة المياه الصحية في مدنه تحتاج إلى إذن من إسرائيل. وكما يقول المفاوض الأمريكي السابق آرون ديفيد ميللر في مقال بمجلة «فورين أفيرز» (2020/6/30( فاللعبة هي بيد نتنياهو ويريد دفن العملية السلمية. وكـان رئيس السلطة أفضل هدية له لكي ينفذ خطته «عباس كان حلما تحقق لنتنياهو، مستعد للتعاون مع إسرائيل في المجــال الامني وتجنب العنف وطـاولـة المـفـاوضـ­ات. وعمل عباس الكثير لدعم حملة نتنياهو من أجـل إغــاق الباب أمام ولادة دولة فلسطينية ذات معنى. وتنظر إليه إدارة ترامب كتجسيد لكل مصيبة حلت بالفلسطيني­ين وساعد على تحرير نتنياهو من ضغوط واشنطن. وهذا لا يعني أن لدى الرئيس الفلسطيني الكثير لتحسين وضـع السلطة الوطنية. فقد نصحه البعض بتقديم خطة سلام، ولكن أي خطة؟ عباس عالق الإستسلام ومقترحات يرفضها نتنياهو وغانتس والرأي العام الإسرائيلي-مثل العودة إلى حدود 1967 وتبادل أراضـي والقدس الشرقية كعاصمة للفلسطينيي­ن».

ووجـد نتنياهو عونا من الـدول العربية، خاصة دول الخليج التي ازدهــرت علاقاتها معه في وقت واصـل فيه بناء المستوطنات وقتل الآمـال الفلسطينية. وهناك الكثير من الأسـبـاب لاستمرار علاقاته مع السعودية والإمــــا­رات والبحرين، لأن القلق الحقيقي لها هو إيــران والشعور بالتعب من القضية الفلسطينية والرغبة بتقوية العلاقات مع ترامب. وبدا الطرفان يبحثان عن طرق للحفاظ على العلاقات النامية، كما بـدا في مقالات سفير الإمـارات يوسف العتيبة في «يديعوت أحرونوت» ونواف عبيد في «هآرتس» وفيديو لوزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في شريط للجنة اليهودية الأمريكية. وكلها وإن عـارضـت الضم إلا أنها أكــدت على أن الخلافات السياسية لا تعني عدم التعاون. ثم هناك الولايات المتحدة التي أغدق رئيسها على نتنياهو الهدية بعد الهدية بحيث جعله يملك مفاتيح اللعبة، والسؤال لماذا يريد نتنياهو الإقدام على خطة يعرف أن الجميع يعارضها بالقول على الأقل؟ والجواب كامن في تأمين إرثه السياسي، فقريبا سيخرج من المشهد لكنه سيحمل معه لقب أطول زعيم حكم إسرائيل مع إضافة ألقاب أخرى مثل ضم الضفة الغربية وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها ودفن حلم الدولة الفلسطينية. ولم يكن ليحقق هذا لو كانت هناك قيادة فلسطينية قوية ولم تتواطؤ أمريكا معه وتغمض الدول العربية عينها عن «النكبة» الفلسطينية الجديدة. لكل هذا فالبحث عن إطار للمقاومة بات ملحا، ويجب أن يكون هذا الإطار هو ضد اليأس.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom