Al-Quds Al-Arabi

موقف الاتحاد الأوروبي من الخطة الإسرائيلي­ة لضم أجزاء من الضفة الغربية

- إبراهيم نوار

وفد من الاتحاد الاوروبي في زيارة لرام الله

يعتبر الاتحاد الأوروبـي شريكا رئيسيا فـي عملية الـسـام المتعثرة فـي الشرق الأوسط بين السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الإسرائيلي­ة والتي تهدف إلى إنهاء الصراع التاريخي بين الطرفين. هذه الشراكة السياسية تتخذ أشكالا مختلفة منذ عقود طويلة، لكنها تجلت بصورة واضحة منذ تسعينيات القرن الماضي في المفاوضات التي أدت إلى اتفاقات أوسلو الأولـــى (1993) والثانية (1995) وهي الاتفاقات التي أسفرت عمليا عن إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية لتمارس مهاما فعليا على أجــزاء من فلسطين التاريخية تتضمن قطاع غزة وما يقرب من 40 في المئة من الضفة الغربية في المنطقتين «أ» و «ب» حسب التقسيم الجغرافي الذي أسفرت عنه المفاوضات. كذلك فإن الاتحـاد الأوروبـي يمثل طـرفـا رئيسيا مـن أطـــراف اللجنة الرباعية الدولية التي تشرف على العملية السياسية بين الفلسطينيي­ن والإسرائيل­يين، والتي تضم أيضا الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة. ولا يقتصر دور الاتحـاد الأوروبــي على المشاركة السياسية فقط، وإنما يمتد إلى ربط هذه المشاركة بالتعاون الاقـتـصـا­دي مـع الطرفين. وتمثل برامج التعاون الاقتصادي والعلمي بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل رافعة رئيسية من روافع النمو والتقدم للصناعات التكنولوجي­ة وللجامعات والبحث العلمي في إسرائيل، كما أن التعاون الاقتصادي والمـالـي مع السلطة الوطنية الفلسطينية يلعب دورا محوريا في تعزيز قـوة السلطة الوطنية الفلسطينية على الأرض من خلال برامج إقامة البنية الأساسية والتدريب والتجارة والصحة وغيرها، حيث كـان الاتحــاد قد

رصد ميزانية سنوية لتمويل احتياجات إقامة دولة فلسطينية بقيمة 600 مليون يورو سنويا في إطار اتفاقيات أوسلو، تضمت مشروعات طموحة، دمرتها إسرائيل قبل أن تبدأ مثل مشروع إنشاء ميناء غزة.

ويقوم الموقف السياسي الأوروبي على مجموعة من الأسـس الثابتة التي تهدف في نهاية الأمـر إلى إقامة سلام دائـم في المنطقة على أساس قيام دولة فلسطينية مستقلة معترف بها تنشأ جنبا إلى جنب بجوار دولة إسرائيل من خلال مفاوضات بين الطرفين، تساعد على انجاحها القوى الدولية الرئيسية. وطبقا لمـواقـف دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية، ومنها الدولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن بريطانيا وفرنسا، فإن هذه التسوية السياسية عن طريق المفاوضات يجب أن تقوم على أساس قــرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع، مع إتاحة الحد الأقصى من المرونة للطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق قد يتضمن تعديلات فــي خـطـوط الحـــدود السابقة لحــرب 5 حزيران/يونيو 1967. وقد أدى هذا الموقف السياسي إلى احتكاكات دبلوماسية كثيرة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، كما تسبب في خلاف دبلوماسي مع الولايات المتحدة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي الحالي دونـالـد ترامب خطة للسلام في الشرق الأوسط تتضمن السماح لإسرائيل بضم ما يقرب من ثلث الضفة الغربية، وهي أراض لا يـزال الاتحـاد الأوروبــي يعتبرها أراض محتلة طبقا للقانون الدولي، لا يجوز ضمها بالقوة، أو بفرض الأمر الواقع من جانب واحد. وتتخذ بريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن وخارجه موقفا مستقيما متسقا مع

هذا الفهم لطبيعة الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية، باعتبار أن إسرائيل هي قوة احتلال لا يجوز لها تغيير طبيعة الموقف في المناطق المحتلة. ومن ثم فإن الموقف الرسمي لــاتحــاد الأوروبـــ­ـي تجــاه المستوطنات الإسرائيلي­ة يعتبرها غير شرعية تتناقض مع القانون الدولي، وتعرقل فرص التوصل إلى تسوية سياسية بين الطرفين المتنازعين. كما أن الموقف الرسمي بالنسبة لخطة الضم يقوم على أن أي محاولة إسرائيلية لضم أي جزء من الضفة الغربية من جانب واحد هي محاولة غير شرعية، تنطوي على انتهاك للقانون الدولي، كما تمثل عقبة في طريق السلام، وتؤدي إلى تعقيد الموقف وإجهاض فرص نجاح التسوية السياسية، التي تقوم على حل الدولتين. هذا الموقف الأوروبـي يتسق مع موقف الأمم المتحدة الذي عبر عنه بطريقة واضحة الأمين العام، وأكد فيه على حل الدولتين عن طريق المفاوضات.

كذلك فـإن الموقف الأوروبـــ­ي الرسمي يأخذ فـي اعتباره الحجج التي ترددها إسرائيل بشأن ضمان أمنها ضد احتمالات التهديد. وقد أكد المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية جوسيب بوريل في مقال كتبه لصحيفة «جيروساليم بوست» الإسرائيلي­ة مؤخرا على أن الاتحــاد الأوروبـــ­ي ملتزم بـأمـن إسـرائـيـل، وأن أمــن إسـرائـيـل هو مسألة غير قابلة للنقاش أو المساومة. وقد أكد المعنى نفسه تقريبا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في مقال كتبه لصحيفة «يديعوت أحرونوت» طالب فيه الإسرائيلي­ين بمنح السلام الفرصة اللازمة مـن خــال الـتـفـاوض، مـن أجــل التوصل إلـــى حــل يضمن للطرفين الإسـرائـي­ـلـي

والفلسطيني الأمن والسلام، كما يمنحهما فرصة مشتركة للتعاون في كافة المجالات. ويعرض الاتحاد الأوروبي القيام بدور أمني في العلاقات المستقبلية بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل، من خلال ترتيبات بواسطة حلف شمال الأطلنطي، بما يزيل أي مخاوف أمنية. وقـد كشف الخطاب الأخير الذي أرسلته السلطة الوطنية الفلسطينية إلى اللجنة الرباعية الدولية أنها ترحب بماقشة دور أمني لحلف شمال الأطلنطي في الدولة الفلسطينية، بما يحقق الأمن المشترك لكل من الفلسطينيي­ن والإسرائيل­يين.

ويقدم الاتحاد الأوروبي رؤيته المعارضة لمشروع الضم من جانب واحد الذي يتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مـربـوطـا بـفـرص وحـــوافــ­ـز، وتحــذيــر­ات وخسائر لكل من الطرفين، كما يربط ذلك أيضا بتهديدات لممارسة ضغوط أو فرض عقوبات على الطرف الذي يتخذ إجراءات تــؤدي إلــى تعقيد المـوقـف بالنسبة لحل الدولتين من خلال المفاوضات. وقد وجه الاتحــاد الأوروبــي دعـوة للطرفين للعودة إلى مائدة المفاوضات، وحذر إسرائيل من الإقدام على تنفيذ ضم أي جزء من الضفة، وأن دول الاتحاد سوف تتخذ إجراءات للرد على ذلك بما يعرض العلاقات الأوروبيةا­لإسـرائـيـ­لـيـة لــلــتــد­هــور. وجــــاءت هـذه التحذيرات بصورة صريحة في تصريحات ورسائل صدرت عن عدد من المسؤولين في الاتحـاد وفي الـدول الرئيسية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

على الـرغـم مـن أن الاتحـــاد الأوروبـــ­ي يــبــدو أضــعــف سـيـاسـيـا مــن الــولايــ­ات المتحدة بالنسبة للضغوط التي يمكن أن

يمارسها على إسرائيل، فيما يتعلق بمسار التسوية السياسية، إلا أنه لا يـزال يملك عددا من الأوراق المهمة التي يمكن أن يلوح باستخدامها، أو أن يستخدمها بالفعل في الظروف الراهنة، في حال أقدمت إسرائيل فعلا على ضم أجزاء من الضفة الغربية طبقا لخطة بنيامين نتنياهو. الاتحاد الأوروبي ككتلة هو الشريك التجاري الأول لإسرائيل قبل الولايات المتحدة والصين. وقد بلغت قيمة التجارة المتبادلة بينهما في عام 2017 أكثر من 36 مليار يورو. وصدرت إسرائيل لـدول الاتحـاد مجتمعة ما قيمته 15 مليار دولار تقريبا مقابل واردات بقيمة 21 مليار يـــورو. وتتركز الــصــادر­ات الإسرائيلي­ة في مجموعات السلع الصناعية المتقدمة سواء ذات الطابع المدني أو للاستخداما­ت العسكرية. وإلــى جانب أهمية التجارة المشتركة فإن إسرائيل هي أكثر دولة غير أوروبية تستفيد من برامج التعاون العلمي والتكنولوج­ي مع الاتحـاد الأوروبــي بمنح مالية، ومزايا في البحث العلمي والتجارب المعملية. وقد حصلت إسرائيل هذا العام حتى نهاية حزيران/يونيو على ما يقرب من 1.2 مليار يورو من برنامج واحد فقط مـن بـرامـج الـتـعـاون التعليمي والعلمي والتكنولوج­ي مع الاتحاد الأوروبــي، وهو برنامج «أفق -2020» الذي بدأ عام 2014 ومن المقرر تجديده في العام المقبل.

لكن إصــدار أي قــرار أوروبـــي للضغط على إسرائيل سياسيا يحتاج إلى موافقة جميع الـدول الأعضاء. وفي حال اقتراح قـرار من هذا النوع، فإنه لن يحصل على الإجماع، لوجود دول، مثل المجر، تستطيع إسرائيل أن تدفعها إلـى التصويت ضد القرار. ولذلك فإن وزراء خارجية الدول الأوروبية الرئيسية الثلاث ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، يلمحون الآن إلــى احتمال التنسيق فيما بينهم، لإصدار قرارات تتعلق بالضغط على إسرائيل في حال بدأت فعلا تنفيذ خطة الضم، وذلك لتجنب المرور عبر مؤسسات الاتحاد الأوروبـي، التي يتطلب اتخاذ قرار بواسطتها إلى الحصول على إجماع الـدول الأعضاء. وقد طالب حزب الـعـمـال البريطاني، على لـسـان وزيــرة الخارجية في حكومة الظل ليسا ناندي بحظر اسـتـيـراد منتجات المستوطنات الإسرائيلي­ة رسميا، وهو الموقف الذي تتبناه الجماعات غير الحكومية المنضمة إلى حملة مقاطعة إسرائيل عالميا «بــي. دي. إس» بسبب استمرار احتلالها للضفة الغربية وتوسعاتها الإستيطاني­ة هناك. كذك فإن المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية أشار إلى خطورة إقدام إسرائيل على الضم، وأن ذلك سيؤدي لإجــراءات أوروبية مضادة. ويـدور الحديث حاليا في دهاليز الاتحاد الأوروبي عن حرمان إسرائيل من المشاركة في الدورة الجديدة من برنامج «أفق أوروبا» للتعاون العلمي والتعليمي والتكنولوج­ي التي تبدأ في العام المقبل لمدة 7 سنوات، أو على الأقل تخفيض مشاركتها في البرنامج إلــى أدنــى حـد ممكن. ولا يحتاج اتخاذ أي قرار في هذا الشأن إلى تطبيق قاعدة الإجماع، وإنما يكفي الحصول على الأغلبية فقط.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom