Al-Quds Al-Arabi

تصاعد العنف المنزلي يؤجج مخاوف التونسيين

- تونس ـ «القدس العربي»: روعة قاسم

ساهمت الإجراءات الصحية التي اتخذتها الحكومة التونسية للحد من انتشار وباء كورونا والمتمثلة في الحجر الصحي نهارا وحظر التجوال التام بداية من المساء إلى صباح اليوم الموالي، في ازدياد المشاكل بين الأزواج. وأدت هذه المشاكل وفقا لأرقام رسمية إلى ازدياد العنف المسلط على الزوجة والأبناء من قبل الأزواج خلال هذه المدة التي تواصلت لثلاثة أشهر.

ونتيجة لذلك أطلقت بعض المنظمات الحقوقية صيحات فزع خشية من أن يستفحل الأمر ويؤدي إلى ما لا يحمد عقباه خلال الفترة المقبلة ومع الرفع التدريجي للحجر مع عدم تسجيل إصابات جديدة وشفاء غالبية المصابين. كما أن تــردي الأوضــاع الاقتصادية وتدني مستوى معيشة التونسيين نتيجة لهذا الحظر، وهي المتدنية أصلا زادت تدنيا، ما ينبئ بحصول الأسوأ إذا لم يقع التصدي لهذه الظاهرة.

وللإشارة فإن العنف المسلط على الزوجات في تونس تضاعف عشر مرات مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية وفق تصريحات لوزيرة المرأة والأسرة التي تلقت وزارتها شكاوى تتعلق بعنف تسلط على الزوجات والأطفال. وقد قامت الوزارة باتخاذ جملة من الإجــراءا­ت العاجلة للتصدي إلى هذه الظاهرة خاصة وأن الأمر يتعلق بسمعة بلد يهتم كثيرا بحقوق المرأة منذ فجر الاستقلال.

ولا يقتصر الأمر على العنف المادي الذي تظهر آثاره من خلال الجروح والكدمات التي يمكن معاينتها، بل يتجاوزه إلى العنف النفسي الذي تتطلب معالجته وقتا أطول وعناية خاصة واستثنائية. ويتضرر من هذا العنف النساء والأطفال على حد سواء وذلك رغم التصنيف المشرف لتونس عالميا في مجال تكريس القوانين والتشريعات التي تعنى بحقوق الطفل وحمايته.

وتوجد في البلاد مراكز لإيـواء النساء المعنفات بمعية الأطفال وهي مراكز بات يشترط للإقامة بها البقاء قبل ذلك في العزل الصحي الإجباري لمدة 14 يوما للتأكد من عدم حمل الوافدين لفيروس كورونا خوفا على صحة الوافدين الجدد ومن سبقوهم في الإقامة على حد سـواء. ويبدو أن النية تتجه لفتح

مراكز جديدة لاستيعاب الارتـفـاع الكبير في عدد الحالات بالإضافة إلى تتبع المعتدين قضائيا استنادا إلـى التشريعات الجــاري بها العمل التي تضاهي نظيرتها في البلدان الغربية من حيث الصرامة.

وتحظى المعنفات بالإحاطة النفسية والجسدية في مراكز الإيواء تلك رغم النقائص الموجودة بها وارتفاع أعـداد الوافدين عليها واضطرار الدولة إلى فرض الحجر الصحي. ويؤمن هذه الإحاطة أخصائيون نفسيون واجتماعيون وفي المجال الصحي من أطباء وغيرهم خاصة وأن بعض المعنفات بحاجة إلى عناية استثنائية بسبب العنف الشديد الذي سلط عليهن وعلى أطفالهن.

ويرجع البعض تفشي العنف الأسري خلال فترة الحجر الصحي إلى أسباب عديدة منها الحالة النفسية السيئة التي يكون عليها أفراد الأسرة خوفا من تفشي هذا الوباء الفتاك في صفوفهم. فمشاهد الموت والدفن لضحايا كورونا في ظروف سيئة بعيدا عن ذويهم، والتي يرونها طوال اليوم في نشرات الأخبار، ليست

بالأمر الهين خاصة وأن إيطاليا التي تعتبر واحدة من أهم بؤر انتشار هذا الوباء هي جارة لتونس وتتفوق على الخضراء من حيث الإمكانيات والـقـدرة على التصدي لهذا المرض.

ومن الأسباب التي تزيد من الضغط وتدفع إلى العنف الأسري، القلق على لقمة العيش والخوف من عدم القدرة على توفير القوت لأفراد الأسرة باعتبار الشلل الاقتصادي التام الذي عانى منه البلد. وزاد الطين بلة عــدم قــدرة الحكومة على الإيـفـاء التام بحاجيات الأسر الفقيرة والمعوزة وتلك التي ينتمي عائلها إلى القطاع الخاص الذي توقف نشاطه تماما، وذلك بالرغم من الهبات المالية الهامة التي تحصلت عليها الدولة من الاتحاد الأوروبي ومن عديد الجهات الخارجية والمحلية ورغم الاقتطاع من أجور الموظفين ورغم التبرعات.

فالتونسيون لم يعتادوا على مثل هكذا معيشة بين جـدران أربعة ووجـدوا صعوبة في التعامل مع هذا الوضع المستجد بعيدا عن أجواء المقاهي ومجالسة الخلان في بلد سياحي تنتشر فيه أماكن الترفيه التي تغري القابعين في البيوت. فالبقاء في الأماكن المغلقة ولوقت طويل والاحتكاك اليومي والمباشر طوال النهار

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom