بعد الخروج التدريجي من جائحة كورونا: الاقتصاد التونسي أمام صعوبات وتحديات عديدة
مع رفع الحجر الصحي الشامل وعودة الحياة تدريجيا إلى تونس، يجد التونسيون أنفسهم أمـام وضع اقتصادي صعب وتحديات جـديـدة زادت مـن تفاقم الأزمــة المعيشية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد خلال الأعوام الماضية.
وجاءت توقعات وزير الاستثمار والتعاون الدولي التونسي سليم العزابي، بانكماش اقتصاد بلاده بنسبة تصل إلى 7 في المئة خلال العام الجــاري، بسبب التداعيات السلبية التي خلفها تفشي جائحة كورونا محليا وعالميا، لتزيد من مخاوف التونسيين بشأن مستقبل اقتصادهم.
فقد أكــد الـوزيـر التونسي ان انـكـمـاش الاقــتــصــاد التونسي سـيـتـراوح بـن 6 إلــى 7 فـي المئة في 2020 مع تطبيق الإجـــراءات الاحــتــرازيــة لمـواجـهـة تـداعـيـات الــوبــاء. ووفـــق دراســـة أجريت مؤخرا فإن معدل البطالة سيرتفع إلـى 21.6 في المئة مقارنة بـ 15 في المئة حاليا، وتسجيل 274 ألفا و500 عاطل جديد من العمل خلال .2020 فـي حـن يتوقع صندوق النقد «انكماشا قياسيا» للاقتصاد التونسي بنسبة تصل إلى 4.3 في المئة في 2020. وحسب بيانات رسمية، سجلّ الاقتصاد الوطني انكماشا بنسبة 1.7 في المئة في الـربـع الأول مـن الـعـام الجــاري. يأتي ذلك فيما أعلنت الحكومة عن خطة انقاذ جديدة تأمل من خلالها الخروج بالبلاد من الوضع الصعب خلال الأشهر المقبلة.
ويــــــــرى بـــعـــض الخــــبــــراء الاقتصاديين بأن من المبكر الحديث عن نتائج جائحة كورونا ووقعها على الاقتصاد لأن التداعيات على أرض الواقع لن تظهر قبل مرور أشهر. ويعتبر الخبير الاقتصادي الـتـونـسـي فـتـحـي الـــنـــوري في حديثه لـ «القدس العربي» أن كل ما اتخذته الحكومة من إجـراءات اسـتـثـنـائـيـة مــنـذ انـــــدلاع أزمـــة كورونا هي نفس الإجـراءات التي اتخذتها أغلب دول العالم ونفس البروتوكول الذي تمّ اعتماده فيما
يتعلق بالبنوك المركزية والسياسة المالية والجبائية. وأضاف بالقول: «نحن لا نستطيع الآن أن نـدرك حجم الأضــرار وكـل ما لدينا هو بعض التصريحات من المسؤولين، أو تـوقـعـات الـبـنـك الــدولــي أو صندوق النقد الدولي وكلها مبنية على فرضيات حسب اعتقادي مبالغ فيها. أما على أرض الواقع فلم تقع إحصائيات رسمية تدل على مدى عمق الأزمة الاقتصادية مـا أدى ببعض الــدراســات التي تعتمد الطرق الكمية لنشر بعض التوقعات. أعتقد خلال شهر تموز/ يوليو الجـاري سنكون قد اطلعنا رسميا في تونس على مدى عمق هذه الأزمة بعد التعرف على مدى إقـبـال المؤسسات المنتظرة على القطاع البنكي أو الدولة بحثًا عن السيولة أو على إعـــادة جدولة ديونها .»
وأكد محدثنا ان الأشهر الثلاثة من عـام 2020 التي تبدأ مع أول شهر تموز/يوليو ستعطي بعض المؤشرات والدلائل الهامة بشأن حقيقة الوضع. ويضيف: «بطبيعة الحال نحن اليوم في بداية الخروج
من الأزمة ليس في تونس فحسب بل العالم برمته بـدأ يتحدث عن عودة النشاط الاقتصادي العالمي تدريجيا وبسرعة متفاوتة من دولة إلى أخرى نظرًا لأهمية حجم الدعم الذي وفرته هذه الدول لتفادي أزمة اقتصادية حادة. وقد أصبح لعديد الدول التجربة في التعامل مع هذه الأزمات وأذكر هنا أزمة سنة 2008 التي هي خير دليل على ذلك.»
وقـــال إن الـــدول الـتـي تعتمد الاقـتـصـاد الـريـعـي مـثـل تونس وتعتمد على قطاع السياحة أو قطاعات أحـاديـة كقطاع النفط والمـــوارد الطبيعية هـي مـن أكثر الـــدول تـأثـرا بجائحة كـورونـا. وأضـاف إن «الاقتصاد التونسي هو اليوم رهين الموسم السياحي الصيفي المـقـبـل الـــذي سيكون عنصرا أساسيا في تحديد عمق الأزمة، فالسياحة تعد عنصرا هاما فـي الاقتصاد التونسي وتؤمن حـوالـي 400 ألــف مـواطـن شغل بصفة مباشرة وغير مباشرة، كما أن معدل مساهمة السياحة تصل إلــى 8 فـي المئة مـن المعدل الاجمالي للاقتصاد وتساعد في تطور مدخول البلاد من العملات الأجنبية». وقال إن «المخاوف اليوم في تونس تتركز أيضا على تفاعل
وصــمــود الـقـطـاعـات الصناعية التي تساهم بــ 20 فـي المئة في النمو الاقـتـصـادي، لأن القطاع الصناعي المحلي هو رهـن عودة الصناعة العالمية، وقــرار الإنتاج في عديد المؤسسات الصناعية التونسية مرتبط بشكل أساسي بعودة القطاعات الصناعية في الــدول الأجنبية وخاصة أوروبـا الـتـي تربطها بـالـبـاد عـاقـات وشــــراكــــات وتـــعـــاون تجـــاري وصناعي كبير». هنا يؤكد الخبير الاقتصادي التونسي أن تعافي القطاع الصناعي يرتبط بعودة النسق والنشاط إلـى الاقتصاد الأوروبي وهنا فقط يمكن القول إن البلاد تجاوزت أزمة كورونا بأقل الأضرار.
وأشار محدثنا إلى أن مدى إقبال المؤسسات الصناعية المتضررة على القطاع البنكي لطلب المساعدة يمكن أن يعطي فـكـرة عـن حجم الأزمـة وتداعياتها على الاقتصاد الـتـونـسـي. كـمـا لاحـــظ الـنـوري ارتفاع نسبة الادخــار لدى الأسر في تونس. فرغم أن حجم الادخار الــوطــنــي ضـعـيـف ولــكــن حجم الادخـــار الأســري ارتفع بـ 3000 مليون دينار خلال الأربعة الأشهر الأولــى لسنة 2020. وهــذا يفسرّ خـوف التونسي على مستقبله. بـالمـقـابـل فـــإن حـجـم الــقــروض البنكية الاستهلاكية انخفضت مع ارتفاع حجم الادخــار. ويتابع بالقول: «وهذا يضعنا في حيرة، لأن هـذا السلوك لا يبشر بعودة النمو نظرًا لأن عنصر الاستهلاك مهم وهو أحد المحركات الأساسية للاقتصاد» وقال إن هناك حالة من التردد والتريث عند عديد المتدخلين فـي الـــدورة الاقتصادية ناهيك ان حجم الافـتـراض أو بالأحرى الإقبال على التمويل البنكي من طرف المؤسسات المنتجة هو أيضا شهد تراجعا في الأشهر الأخيرة مما جعل البنك المـركـزي يتدخل بوضع آلية تمويل جديدة بحجم 4000 مليون دينار سميت بقرض كورونا توفره البنوك التونسية بشروط ميسرة للمؤسسة التي تعتزم الاستثمار.
أمــــا بــشــأن اقـــــرار الــبــرلمــان التونسي قانونا خاصا بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني ومـدى تأثيره على تحسين القطاعات الاقتصادية أجــاب محدثنا: «أن الفكرة بحد ذاتها ايجابية ولكنها ليست المرة الأولى في تونس التي يتمّ فيها طرح مثل هكذا قانون، فخلال ستينيات القرن الماضي تمّ وضع قانون مشابه تحت اسم قانون التعاضد، لم تحسن الدولة التعامل معه لقلة فهم الفلاحين الــصــغــار بــالخــصــوص جـــدوى وفوائد القانون. اليوم هناك جيل آخـــر مــن أصــحــاب المـؤسـسـات الصناعية والاقتصادية وربما يكون لهذا القانون الجديد انعكاسات إيجابية على الاقـتـصـاد ونحن ننتظر تفاعل الأعوان الاقتصاديين معه لأنـه نظريا يمكن أن يشكّل إفـــادة نوعية لصغار الفلاحين والصناعيين والسياحيين، ونأمل أن تكون له مـردوديـة أكثر على المجتمع التونسي. والفكرة بحد ذاتها على المستوى النظري ممتازة فهي ليست بالرأسمالية المتوحشة ولا بالاشتراكية التي تفرض بالقوة بـل هـي عـبـارة عـن مــدّ تضامني بين صغار المتدخلين في الــدورة الاقتصادية .»
وأشـــار الــنــوري إلــى أن عدم الاســتــقــرار السياسي وانـــزلاق الـبـرلمـان التونسي إلــى ملفات أخرى بعيدة عن الاقتصاد ولا تهمّ المستثمر ولا المواطن الــذي يهتم أساسا بلقمة العيش والتشغيل والاستثمار وخلق مواطن شغل، كل ذلك يعمّق من حجم الأزمة التي تعاني منها البلاد.