Al-Quds Al-Arabi

المدرسة العامرية جوهرة فن العِمارة الإسلامية في اليمن

- صنعاء ـ «القدس العربي»: أحمد الأغبري

مِن نظراتك الأولى في تفصيلاتها الإنشائية والزخرفية ستجزم بأن عينك لم تر، قط، مثل جمال تصميمها، ودقـــة مـعـمـارهـ­ا، وفـتـنـة نقوشها وزخارفها، وستؤكد أنها حقاً جديرة بوصفها «جوهرة فن المعمار».

إنها المدرسة العامرية في مدينة رداع 150/ كيلومترا فــي الشرق الجنوبي من العاصمة صنعاء، والتي اعيد افتتاحها قبل عقد ونصف تقريباً عقب عشرين سنة استغرقها مشروع صيانتها وإعــــادة تأهيلها؛ وهـو المشروع الذي تمكن من خلاله اليمن أن يُعيد للحياة واحداً من أهم معالم العمارة الإسلامية في العالم.

لكن الوضع الراهن لهذه التحفة الفنية يشكو من أضرار طالتها خلال الـسـنـوات القليلة الماضية وتهدد خصوصيتها في حال لم يتم انقاذها، وحسب المدير العام للآثار في مدينة رداع خالد الناوي، فإن المدرسة تحتاج حالياً لمشروع إعادة ترميم نتيجة ما شـاب مشروع ترميمها السابق من قصور؛ كما في البوابة الغربية مثلاً، بالإضافة إلـى ما ترتب عن غـارات مقاتلات التحالف في مناطق مجاورة، والتي ألحقت بها، بشكل غير مباشر،

بعض الأضرار كشقوق في السقوف؛ وهذه وغيرها بحاجة لإعادة الترميم، حد قوله.

وقال الناوي لـ «القدس العربي»: المدرسة بحاجة لمشروع إعادة ترميم؛ ومن أجل هذا رفعنا بتقرير لديوان الهيئة العامة للآثار والمتاحف لمخاطبة منظمة «اليونسكو» لتمويل المشروع، في الوقت الـذي نعمل، حالياً، على ترميم ما نستطيع ترميمه. وأوضح أن المبنى يعاني حالياً مـن شقوق وفـواصـل ظهرت في الجــزء القديم في الجهة الغربية، مع مشكلة تسرب مـيـاه الأمــطــا­ر إلــى غـرفـة السلطان الغربية وبيت الصلاة، بالإضافة إلى ظهور فواصـــل بين المبــنى القديم عن الجديد. عـاوة على بدء تساقط القَضَاض )خليط من مادتي الحجر البركاني والنورة المطحونة -الجير المطفي(.

وأضـــــاف: «إن المــلــوح­ــة بــدأت تأكل بعض الجـــدران على مساحة مـتـر ونــصــف مــن الأرض؛ نتيجة استخدامهم في الترميم السابق مادة القص )الجبس(؛ وهذه المادة تشرب الماء وتخرجه على شكل ملوحة؛ وهو ما أضر بالجدران».

وتـابـع: إن المبنى بحاجة لتنفيذ بعض الأعـمـال لحمايته من تسرب المياه ومعالجة وضعه الراهن وانقاذه.

وأشار إلى أن المدرسة مفتوحة للزوار والمسجد مفتوح للصلاة.

وعـلـى الــرغــم ممــا يعانيه مبنى المدرسة حالياً إلا أنـه ما زال قائماً بقيافته، وإن شابه بعض التشوه نتيجة عوامل مختلفة، لكن ما زالت المدرسة محتفية بكل بهائها لتحكي كل يوم للزوار قصتها، باعتبارها نموذجاً فريداً في الهندسة والمعمار والزخرفة؛ والذي جعل منها تُحفة فنية ظلت ولا تزال محط إعجاب وإجماع المؤرخين، باعتبارها إحدى أجمل روائع العمارة الإسلامية، وإحدى أهم معجزات الفن الإسلامي في مجال الزخرفة.

لـــم تــكــن الـــعـــم­ـــارة والــزخــر­فــة الإسلامية هي وحدها التي منحت هذه المنشأة بهاءها وفخامتها، فثمة خصوصية محلية امتزجت بفنون العمارة والزخرفة الإسلامية، تجلت فــي المخـطـط الــعــام، ومـــواد البناء المحلية، وعناصر المعمار الإنشائية والزخرفية، والتي كشفت عن خبرات وتقاليد يمنيّة أصيلة.

يـعـود تــاريــخ هــذه المــدرســ­ة إلى خمسمئة وأربــع وثلاثين سنة، وقد شيّدها السلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري في عهد الدولة الطاهرية عام 910 هجرية أيلول/سبتمبر سنة 1504 ميلادية؛ وهو الملك الرابع لعائلة بني طاهر، التي خلفت الرسوليين في حكم معظم مناطق اليمن؛ وهي المناطق التي ظل انتشار المــدارس بمفهومها ووظيفتها مقصوراً عليها، فيما خلت منها مناطق شمال البلاد، ولكن هذا لـم يمنع مـن أن يُطلق اســم مدرسة على بعض المنشآت التي أقامها الأئمة الزيديون في الشمال لانتشار هذه التسمية على الألـسـن، وإن لم تكن في حقيقتها إلا مساجد فقط، ولم تدخل في نطاق المدارس من الناحية الوظيفية.

شـهـدت مناطق جـنـوب ووســط اليمن في العصر الإسلامي الوسيط مثل بقية الأقطار الإسلامية توسعاً في إنشاء المدارس الدينية، وتحديداً منذ مجيء الأيوبيين إليها في عام 569ه1173م، واستمر الاهتمام بإنشاء المـدارس بعد سقوط الدولة الأيوبية وقيام الدولة الرسولية، وحتى بعد سقوط الدولة الرسولية وقيام الدولة الطاهرية؛ هذه الدولة التي شهدت فترة حكمها تشييد أكبر وأهم المدارس اليمنية، ويأتي في مقدمتها المدرسة العامرية فـي مدينة رداع عاصمة الدولة الطاهرية. ظلت هذه المدرسة مركز إشعاع وتنوير يقصده العديد من طـاب العلم من أنحاء الجزيرة

والمنطقة العربية، لتلقّي علوم القرآن والحـسـاب والنحو والخــط والفقه والحـديـث والتاريخ وعلوم أخـرى؛ فضلاً عن أنها كانت مسجداً، وقبل ذلــك وبـعـده تشكل فـي منظومتها المعمارية والزخرفية فعلاً عبقرياً ظل شاهداً على مستوى النهضة العلمية والفنية التي شهدها اليمن في تلك الفترة.

بسقوط دولة بني طاهر بدأت هذه المدرسة تتعرض للإهمال، وعلى الرغم من ذلك بقيت تؤدي دورها حتى المئة سنة الأخيرة، حيث تعرضت لأعمال عدوانية نالت من معالمها وملامحها الرئيسية؛ وهو الحـال الـذي استمر حتى عــام 1982م. ففي ذلــك العام التفتت إلـيـهـا الحـكـومـة اليمنية، وبــدأت بدعم دول مانحة في تنفيذ مشروع لترميمها وصيانتها، عادت منه هذه المدرسة بما كانت عليه من فخامة وجمال. لكنها عادت للتعرض للإهمال، وتعرضت لأضــرار تحتاج معها حالياً لمشروع إعادة ترميم كما سبقت الإشارة.

اشتملت المـدارس اليمنيّة على كل مكونات المـــدارس الإسـامـيـ­ة التي تؤهلها لأداء وظيفتها مـن إقامة الشعائر، وأداء الفرائض، وتوفير أمــاكــن لــلــدراس­ــة وأخــــرى لإيـــواء الــدارســ­ن وإعـاشـتـه­ـم، بالإضافة

منظر مدهش

 ??  ?? إلى الحمامات وأحــواض الاغتسال والــوضــو­ء. وفيما يتعلق بالعنصر المعماري الرئيسي الــذي ظل يجمع المــدارس اليمنيّة فهو بيت الصلاة، الذي على الرغم من كونه يمثل عنصراً هاماً اشتملت علية المدارس الإسلامية في كل الأقطار إلا أنه في حال اليمنية هو أكثر العناصر المعمارية أهمية وأوسعها مساحة وأكثفها زخرفة وأجملها تصميماً؛ وهو التميز الذي يتعزز كثيراً في المدرسة العامرية، ويمتد من تصميم بيت الصلاة إلى بقية مكوناتها؛ ما جعل هذه المدرسة تنفرد بتصميم ومنظومة معمارية وزخرفية تُغري بزيارتها.
إلى الحمامات وأحــواض الاغتسال والــوضــو­ء. وفيما يتعلق بالعنصر المعماري الرئيسي الــذي ظل يجمع المــدارس اليمنيّة فهو بيت الصلاة، الذي على الرغم من كونه يمثل عنصراً هاماً اشتملت علية المدارس الإسلامية في كل الأقطار إلا أنه في حال اليمنية هو أكثر العناصر المعمارية أهمية وأوسعها مساحة وأكثفها زخرفة وأجملها تصميماً؛ وهو التميز الذي يتعزز كثيراً في المدرسة العامرية، ويمتد من تصميم بيت الصلاة إلى بقية مكوناتها؛ ما جعل هذه المدرسة تنفرد بتصميم ومنظومة معمارية وزخرفية تُغري بزيارتها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom