Al-Quds Al-Arabi

«تشريعات الظلام»... قوانين حوّلت مصر إلى دولة خوف وقلعة للديكتاتور­ية

منظمة حقوقية رصدت تأثيرها على القضاء والجامعات والتظاهر

- القاهرة - «القدس العربي»:

قوانين عدة حولت مصر من دولة تسعى للديمقراطي­ة بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حســني مبارك، إلى "دولة الخوف الخالية من العدل والمســاوا­ة وســيادة القانون في 2020"، حســب دراسة لـ"الشــبكة العربية لمعلومات حقوق الإنســان"، حملت عنوان "تشــريعات الظــام، نماذج من القوانين المقيــدة للحريات في 7ســنوات، يونيو/ حزيران 2013- يونيو/ حزيران 2020" .

وتناولت الدراسة التي صدرت أمس الأحد، قوانين كبلت حقوق حريات المصريــن "بدأت بقانــون التظاهر رقم 107 لســنة 2013 الخاص بتنظيم الحق فــي الاجتماعات العامة والمواكــب والتظاهرات الســلمية، الذي أصــدره الرئيس المؤقــت عدلي منصور عام 2013 الــذي أطاح بحق المصريين في التظاهر الســلمي وتسبب في زج المئات إن لم يكن الآلاف منهم بالسجون، نهاية بالقانون رقم 14 لسنة 2020 الخاص بالكيانــا­ت الإرهابية والــذي جاء على شــاكلة العديد من القوانين المتعلقة بالإرهاب، ويحفل بالعديد من التهم المطاطة التي تضع كل مواطن تحت تهمة الإرهاب" .

هذه القوانين المقيدة وفق الدراســة "تناولت أغلب أو أهم الفئات الاجتماعية ولم يسلم منها أي من الحقوق الأساسية التي تتعلق بحريات المواطنين" .

الدراســة أكدت أنه "بجانب العديد مــن القوانين التي قد تبدو فــي الظاهر متعلقة بمحاربة الإرهــاب، إلا أن جوهرها يحاصر حقــوق وحريات المواطنين، فقد تم تشــريع قوانين تحاصر المجتمع المدني، وتحد من اســتقلال القضاء، وتحكم السيطرة على الصحافة والإعلام، وقوانين تطيح باستقلالية الجامعــات وحريــة اســتخدام الإنترنت، وتزيــد أوضاع السجون سواء، فضلا عن إهدار حق التظاهر السلمي تماما، كأحد روافد حرية التعبير في مصر" .

وذكــرت أنه "بعــد مظاهرات حاشــدة مناهضة للرئيس الأسبق محمد مرســي يوم 30 يونيو/ حزيران 2013 تدخلت القــوات المســلحة المصرية فعزلــت الرئيس محمد مرســي وعطلت دســتور 2012 ، ونصبت رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور رئيسا مؤقتا لما أسمتها المرحلة الانتقالية" .

تكميم الأفواه

ولفتت إلــى أنه "في عهــد عدلي منصور اســتتب الحكم للنظام العســكري في مصــر، وبدأ في الكشــف عن وجهه، فشــرعت قوانين عديدة متتالية لتكميم الأفــواه والحد من الحريــات العامة، الأمر الــذي أدى في مصر اليــوم في عام 2020 إلــى أن تكون واحدة من قلاع الديكتاتور­ية بعد اندلاع ثورة عظيمة كانت تهدف إلى الحريــة والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية" .

من بين القوانين التي تناولتها الدراسة "القانون رقم ‪10 7‬ لســنة 2013 الذي صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 في ظل احتقان وانقسامات في الشــارع المصري، ويعد من أبرز القوانين التــي خرقت الإعلان الدســتوري الذي ينص على الحــق في حرية الرأي والتعبير بكافة الوســائل بما في ذلك الاجتماع والتنظيم والوقفات الاحتجاجية والإضرابات" .

ووفق المصدر "جاء القانون عقب الفض الدامي والعنيف لاعتصامــي رابعة العدوية والنهضة، حيث انقســم المجتمع المصــري ما بــن مؤيد لاعتصــام جماعة الإخــوان وما بين معارض لها وربما خائف منها بســبب التصريحات النارية التي كانت تذاع على القنوات التابعة للإخوان وعلى منصات الاعتصامــ­ن. الأمر الــذي دفع بقطاع كبير مــن المجتمع إلى التخوف مــن الاعتصامــ­ن خاصة مع تصريحــات بوجود أسلحة في داخل الاعتصامين" .

و"اســتغلت الســلطات المصرية حالة الاحتقان المجتمعي المذكــورة، وأصــدرت قانونــا أســمته تنظيــم الحــق في الاجتماعات والمواكب والتظاهرات الســلمية، والحقيقة أنه قانــون لحظر التظاهر والاعتصاما­ت وتكميــم الأفواه" تبعاً للدراســة، التي أشــارت إلى أن "القانون ضم مواد عقابية

لكل من يدعو للتظاهر، كما ضمت المواد نصوصا مطاطة مثل الإضرار بمصالح الدولة أو تعطيل عجلة الإنتاج"، في إشارة إلى منع الإضرابات العمالية.

إضافة إلى ذلك فقــد "وضع القانون شــروطا تعجيزية لتنظيم التظاهــرا­ت والوقفات الاحتجاجيـ­ـة، بل إنه يضع أصحــاب الــرأي الراغبين فــي التعبير عن أنفســهم تحت ســيطرة وزارة الداخلية، التي يحق لها التصرف كما تشاء، ســواء بمنح الإذن أو رفض الطلب، أو منح الإذن ثم سحبه، إلــى جانب مراقبة التجمــع، ما يصل فــي النهاية إلى حظر التظاهــرا­ت والتجمعات والمؤتمرات وكل وســيلة ســلمية للتعبير عن الرأي الجماعي" .

تناولت الدراســة أيضاً "إصدار قانون في يناير/ كانون الثانــي 2014، وينص على تعديل تشــريعي، بإضافة المادة التالية: لرئيس الجامعة أن يوقع عقوبة الفصل على الطالب الذي يمــارس أعمالا تخريبية دون تعريــف لما هو المقصود بالعملية التخريبية، الأمر الذي يضع الجامعات تحت وطأة القمع وتكميم الأفواه".

وحسب الدراســة "صدر قانون أيضاً حمل رقم 45 لسنة 2014 ، قبيل الانتخابات الرئاســية التي اقتصر الترشــيح فيها على مرشــحين اثنين هما حمدين صباحي وعبد الفتاح السيسي وفاز فيها الثاني، وتضمن القانون وضع تعريفات مطاطة للأشــخاص الممنوعين من الترشــح لتشــمل بعض ضحايا النظام من الذين تمت مصادرة أموالهم أو اتهامهم في قضايا بتهم واهية. كما احتوى على عدد من البنود للحد من حرية الصحافة وتكميم الأفواه بتهم مطاطة مثل إشاعة وبث أخبار كاذبة حول الانتخابــ­ات، أو توجيه الانتقاد لأعضاء الهيئة العليا للانتخابات، ومعاقبة مرتكب ذلك بالحبس" .

وتم التطرق إلى "القرار رقم 30 لســنة 2014 الذي يخضع بموجبــه المجندون بالشــرطة للقضاء العســكري بدلاً من القضاء الطبيعي، حيث ينص: )يختص القضاء العسكري، دون غيــره، بالفصل في كافة الجرائم التي تقع من المجندين الملحقين بخدمة هيئة الشرطة، وفقا للجريدة الرسمية(" .

أما قانون "تأمين وحماية المنشأت العامة والحيوية"، فهو

يضع الأخيرة "تحت حماية القوات المســلحة، وأخطر ما في هذا القانون أنه يضع المدنيين في قبضة القضاء العسكري لا سيما بعد التوســع في اعتبار العديد من المنشأت عسكرية، رغم كون الكثير منها منشــأت عادية مدنيــة أو اقتصادية، الأمر الذي يعــرض المدنيين لمزيد من المحاكمات العســكرية في حال حدوث أي مشــكلة بداخل أو حول أي منشأة تابعة للدولة"، وفق الدراسة.

الشــبكة لفتت لقانون "تنظيم الجامعــات"، موضحة أنه "علــى الرغم من إصــدار النظام المصري تعديــات في هذا القانون في عام 2014 يمنح رئيس الجامعة السلطة المباشرة لفصل الطالب في حال اشــتراكه فيما أسماها القانون أعمال الشــغب، إلا أن النظام المصري لم يكتــف بمطاردة الطلبة، فانتقل إلى مطاردة هيئة التدريس وتضييق الخناق عليهم، حيث يعاقــب القانون عضــو هيئة التدريــس بالفصل من عمله والعزل في حال اشــتراكه في أعمــال التحريض على العنف، وفي حال ممارســة أعمال حزبية داخل الجامعة، إلا أنه يضع بندا آخر مطاطــا ومبهما وغير دقيق، حيث يعاقب عضو هيئة التدريس بالعزل في حال اقترافه لكل فعل يمس بشرف عضوية هيئة التدريس، أو من شأنه أن يمس نزاهته وكرامته وكرامــة الوظيفة، ولم يحدد ما هو ذلك الفعل الذي من شأنه أن يزري بشرف عضوية هيئة التدريس" .

« تعريفات فضفاضة »

وحول "تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية" بينت الدراســة أن "التعريفــا­ت الخاصة بالكيانــا­ت الإرهابية والإرهابيي­ن في قانون رقم 8 لســنة 2015، جــاءت فضفاضة ومطاطة، مما يضع بعض الكيانــات المعارضة التي تهدف إلى التغيير الســلمي أو التعبير عن رأي، تحت مرمى نيران هذا القانون الــذي ينص على مصادرة الأموال وحــل الكيانات واعتقال القيادات والأعضاء بها وتوقيــع أقصى العقوبات بالحبس المؤبد أو المشــدد" .فقــد "صدر قانون 94 لســنة 2015 تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ليشمل بالعقوبة والملاحقة أصحاب الــرأي، حيث يعيد إنتــاج مواد ســبق وأن حكمت المحكمة الدســتوري­ة العليا بعدم دســتوريته­ا، كما يتيح للشــرطة اســتخدام القوة المميتــة ويضمن إفلاتهم مــن العقاب. كما ينــص على معاقبة من يعبر عن رأيه على صفحات التواصل الاجتماعي أو كما نص القانون "الترويج لأفكار ومعتقدات" داعية لاســتخدام العنف، ولم يحدد شكل العنف المقصود، وعاقب المرتكب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات" .

إضافــة إلى ذلك فإن "القانون يقيــد حرية الصحافة حيث ينص علــى: يُعاقب بغرامــة لا تقل عن مئتي ألــف جنيه ولا تتجاوز خمســمئة ألف جنيه كل من تعمد، بأية وسيلة كانت، نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد، هذا، وقد نص القانون على أن عناصــر الشــرطة لا يتعرضون للمســاءلة في حال استخدامهم للســاح لمواجهة الإرهابيين، والذين لم يعرفهم القانون بدقــة" . وحول "تعديلات قانون تنظيم الســجون"، "صــدر في عــام 2015، قــرار بالقانون رقم 106 لســنة 2015 لإدخــال تعديلات على قانــون تنظيم الســجون تضمن رفع الرســوم الخاصة بغرف الحبس الاحتياطــ­ي المؤثثة لتصبح 15جنيها يوميا، بدلا من 150مليما في القانون الســابق، ورفع سن حضانة الســجينة ليصل إلى 4 سنوات بدلا من عامين في القانون القديم وذلك بنص المــادة 20، كما منح التعديل الحق لمدير السجن أو مأمور السجن بحبس المسجونين انفراديا مدة لا تزيد عن 15يوما، بدلا من أسبوع فقط في القانون القديم" .

« شرطة الأخلاق »

وتبعاً للشــبكة فإن "قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعــام" ، "هو قانون ســيىء الســمعة صدر عــام 206، تأســس بموجبه المجلس الأعلى للصحافــة والإعلام الذي يقوم بدور الرقيب على الصحافــة وحرية التعبير، ويؤدي دور شــرطة الأخلاق، إلــى جانب دور الجهــة الأمنية التي تراجع المحتويات الصحافية والإعلامية وتقوم بغلق وحظر ومنــع الصحافة والإعــام والعاملين بهما، ومــن بين بنود

هذا القانــون وتوصيف مهام المجلس الأعلى للإعلام: ضمان التــزام الوســائل الإعلامية والصحافيــ­ة بمقتضيات الأمن القومي، وعــادة ما يندرج تحت عبارة الأمــن القومي كل ما يتعلق بانتقاد الأداء السياســي للنظــام المصري، وبموجب هذه المــادة يتم القبــض على عــدد كبير مــن الصحافيين والإعلاميي­ن، كما يتم غلق صحف وحظر مواقع تحت دعاوى الإخلال بالأمن القومي" .

وبخصوص "اختيار رؤســاء الهيئــات القضائية" قالت الشــبكة إن "المعارضة لهذا على قانون رقم 13 لسنة 2017 لم تقتصر على المطالبين بسيادة القانون والداعمين للحريات، بــل وصل الأمر ولأول مــرة لتصاعد المعارضــة بين القضاة نظام الحكم، حيث أتاح هــذا القانون لرئيس الجمهورية أن يتخطى مبدأ الأقدمية في تعيين رؤســاء الهيئات القضائية ، ويختار بنفســه من بين عدد يتم ترشيحهم له، حيث ترشِح الهيئات القضائية الأربعة )مجلس القضاء الأعلى، والمجلس الأعلــى للنيابــة الإدارية، والمجلــس الأعلى لهيئــة قضايا الدولــة، والجمعية العمومية لمستشــاري مجلــس الدولة( أقدم 3 أعضاء من أقدم 7 نواب لرئيس الهيئة، على أن يختار الرئيس رؤساء الهيئات" .

وذكّرت الشــبكة فــي معرض إشــارتها لقانــون الجمعيات الأهلية، بقول المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن "هذا القانون قمعي و يدمر المجتمع المدني في مصر " .

وأوضحت أن "القانون نــص على أنه لا يجوز للجمعيات ممارســة نشــاط يشــبه الأنشــطة الحزبية أو النقابية أو العمالية أو تحمل طابعًا سياســيًّا، وحسب المادة فإنه يحق لممثلي الجهــة الإدارية دخول أي مقر مــن مقرات الجمعيات الأهلية وفحــص أعمالها مــن الناحية الفنيــة للتحقق من مطابقتها للقانون أو تقديم الدعم الفني" .

جرائم تقنية المعلومات

ولفتت الدراســة لـ"قانون آخر ليس لملاحقة الصحافيين فحســب، بــل لملاحقــة كل مســتخدمي مواقــع التواصل الاجتماعي، بل والشــبكة الإلكتروني­ة ككل، ويأتي القانون رقــم 175لســنة 2018 كحلقة من سلســلة حلقــات الصمت المفروضة علــى حرية التعبيــر التي بدأت بحجــب المواقع الإلكتروني­ــة إلى غلــق المنصــات الإعلاميــ­ة والصحافية والتنكيل بالقائمين عليها، وانتهاء بإصدار قوانين الصحافة والإعلام وفق نصوص معيبة" .

كمــا بينت أنه "في عام 2018، أصــدر الرئيس عبد الفتاح السيســي قوانين عدة بإنشاء عدة هيئات رقابية على حرية الرأي والتعبير، مثل قانون رقم 178لسنة 2018 بشأن إصدار قانــون الهيئة الوطنية للإعلام، إلــى جانب إصدار القانون رقم 179لســنة 2018بشــأن إصدار قانــون الهيئة الوطنية للصحافة، ويأتي إصدار الهيئتين في تضافر مع قانون تنظيم الصحافة والإعلام سيىء السمعة، لإنشاء المزيد من الهيئات التي تشــكل رقابة أمنية على الإصدارات الصحفاية، ورقية كانت أو إلكترونية" .

لائحة الجزاءات « تخطي الأقدمية »

وفي مــارس/ آذار 2019 "أصدر المجلــس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام القرار رقم 16 لسنة 2019 لائحة الجزاءات والتدابيــ­ر الإدارية والمالية التي يجوز توقيعها على الجهات الخاضعــة للقانــون 180لســنة 2018 بما فيها الحســابات الشخصية التي يتجاوز عدد متابعيها أكثر من 5000 شخص، وتتكون اللائحة من 29 مادة. واللائحة في شــكلها النهائي غلبت عليها منهجية تهدف إلــى التضييق على حرية الرأي والتعبيــر وخنق المجال الإعلامي وفتحــت الباب نحو غلق المســاحات الإعلامية أمام المعارضين والمخالفين لسياســات الحكومة المصرية" .

 ??  ?? قوات أمن مصرية
قوات أمن مصرية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom