Al-Quds Al-Arabi

التحليل النفسي للأدب

-

لقد حقق التحليل النفســي نتائج مبهرة فــي تعاطيه مع الأعمال الفنية بما فيها الأدب، وقد شــجع ذلك كثيرا من النقاد على اعتماده كنمهج من مناهج النقد الأدبــي، فطبقوا - نتيجة لذلك - كثيرا من نظرياته، مــن أجل مقاربة النصوص الأدبية، كنظرية اللاشــعور وعقدة أوديب وعقدة إلكترا.

وهكذا قد أبلى التحليل النفسي وبعده المنهج النفسي في النقد الأدبي البلاء الحسن في مقاربة كثير من الأعمال الأدبية، انطلاقا من أعمال ليوناردو ديفنتشــي، التي قاربها فرويد محاولا تأكيد نظريته في اللاشــعور، ومرورا بأعمال أدبيــة، وجد النقاد في مفهوم الليبــدو مدخــا لتحليلها، فاعتبــروا الكاتب يمارس نوعا من التحويل أو الإسقاط في أعماله، بهدف التخلص من عقده النفسية ومكبوتاته اللاشعورية، وانتهاء بنقاد عرب، وجــدوا في هذا المنهج ضالتهم، فوظفــوه لمقاربة النصوص بعمق بســيكولوج­ي لا غبــار عليــه، وكان رائدهم في ذلك محمود عباس العقاد.

في مقالنا هذا أشــركنا مجموعة من الأدبــاء المغاربة، من أجل تقديم وجهة نظرهم حول توظيف المنهج النفسي في النقد الأدبي، فقال المتــوكل رضوان بأن المنهج النفســي يعد مــن أهم مناهج النقد الأدبي، التي حظيت باهتمام وافر، إذ طبق كثير من النقاد نظريات التحليل النفسي في دراساتهم ومقارباتهم للنصوص الأدبية المختلفة. ليطرح بعد ذلك أســئلة عميقــة من قبيل: ما المقصــود بمنهج التحليل النفســي؟ وما أهــم تطبيقاته على النص الأدبي؟

لينبري المتوكل من تلقاء نفسه للإجابة على هذه الأسئلة قائلا:

يمكــن اعتبار المنهج النفســي، ذاك المنهج الذي يســتمد آلياته النقدية من نظرية التحليل النفســي، حيث يُعنى بإخضاع النص الأدبي للبحوث النفســية، إذ يتم تحليل نفسيات الكتاب، وخصائص شــخصياتهم بالاعتمــا­د على كتاباتهــم وحياتهم، وبتعبير آخــر يمكن اعتبار المنهج النفســي في دراســة الأدب، بمثابة فحــص وتمحيص للنصوص الأدبيــة، وربطها ارتباطا وثيقا بنفســية مــن أنتجها، والأخــذ بعين الاعتبــار، دواخل وكوامن الشخصيات، والعقد النفسية التي قد تؤثر فيها، وكذا المكبوتات التي تسعى إلى تفريغها من خلال عدة مسارات.

ولعل من أبرز رواد المنهج النفسي سيغموند فرويد، بعدّه المنظر الأول للمنهج النفســي، ومن أشــهر مفاهيمه نذكر كلا من اللاوعي، والأنــا والأنا الأعلى والهــو، وعقدة أوديب، ثم عقــدة إلكترا، ثم الفرنســيي­ن شــارل مــورون صاحب مفهوم الأســطورة الشــخصية، وجاك لاكان الذي كان رائدا بارزا من رواد هذا المنهــج، أما بخصوص بعض تطبيقات المنهج النفســي على النصوص الأدبية، ســنكتفي، هنا، بذكر أشــهرها، إذ تعد دراسات فرويد حول أعمال دوستيوفســ­كي رائدة في هذا المجال، وأخص بالذكر دراسته المائزة حول رواية « الإخوة كارامازوف»، ثم الدراســات التي قام بها شــارل مورون، وبالضبط حول راسين، أو حول مالارميه الغامض، وغيرها كثير.

ويختتم المتوكل مداخلته بخلاصة يؤكد فيها أن دراسة الأعمال الأدبية، بالاعتماد على المنهج النفســي، أعطت دفعة قوية للنقاد والدارسين، وحيزا

مهما لإيجاد منافذ أخرى للدراسة والتعمق في الأعمال الأدبية، كانت خفية، أو تم إغفالها في ما سلف. محمد البوركي من جانبه قارب الموضوع بقولــه: تعــددت مذاهــب النقــد الأدبي وتنوعت تبعا لتعــدد مرجعياتها النظرية، وتنوع منظوراتها المنهجية ، فمنها النســقي الذي يهتم بالنص ذاته، ومنها السياقي الذي يهتمُ بما يحيطُ النص مــن أحوال أو مؤثرات خارجية. ومن المناهج التي اعتمد عليها النقاد في دراســة النصوص الأدبية منهــج التحليل النفسي، فما المقصود به؟ ومن هم أشهر رواده؟ ومــا هي أهــم تطبيقاتــه على النــص الأدبي؟ وجوابا على هذه الأسئلة يقول البوركي: اتجهت الدّراسات النّقدية المعاصرة إلى استثمار منجزات علــم النّفس، حتى غدا ما يُســمى التّحليل النّفسي أحد روافد النّقد الأدبي لا غنى عنها، في دراسة عملية الإبداع الفني للتعرف على نفســية المبدع، ودراســة تأثير العمل الأدبي على نفســية المتلقي، فهذا المنهج يعتبر النص الأدبــي تعبيرا عن شــخصية الكاتــب، الذي تحركه دوافع لاشــعورية لإبــداع نصه، وهو نوع من التعويض عن رغبات مكبوتة منســية )التســامي(، لم يســتطع الكاتب إشــباعها في الواقع بســبب العراقيل الاجتماعيـ­ـة والدينية والثقافية )الأنا الأعلــى(، فوجد في الأدب والفن تنفيسا عن مكبوتاته، وقد أخضع سيغموند فرويد نصوصا أدبية وأعمالا فنية للتحليل )رواية «الجريمــة والعقــاب» لدوستيوفسـ­ـكي، ولوحــات ليونــاردو دافنشــي مثــا(، واستشــف أنها تعبر عن نفس تعاني المرض والكبت الجنســي على الخصوص، ويرى أن )اللاشــعور( هو مســتودع الرغبات المكبوتة التي تتفاعل في الأعماق بشكل متواصل، ولكن لا تطفو إلى مستوى الشعور، إلا إذا توفرت لها الظروف المحفزة لظهورها، ثم تطورت الدراسات على يد من جاؤوا بعــده مثل: كارل يونغ وألفرد آدلر وجاك لاكان، وشارل مورون وغيرهم. في النقد العربي، يمكن أن نســتحضر دراســة العقاد لشخصية أبي نواس في كتابه: «أبو نواس الحســن بــن هانئ» مرتكزا على التحليل النفســي في فهم مزاج الشاعر الفطري، والإبانة عن طبيعته، فخلص إلى كون الشــاعر نرجسيا وعاشقا لذاته؛ ومحمد النويهي، الذي تناول عقدة أوديب عند الشاعر نفسه، وكذلك دراســة جورج طرابيشــي: «عقدة أوديب في الرواية العربية»، ودراســة خريستو نجم: «النرجســية في أدب نزار قباني». وكذلك حسن المودن في كتابه «لاوعي النص في روايات الطيب صالــح، قراءة من منظور التحليل النفســي». وغيرها مــن الإنجازات التطبيقيــ­ة .ثم اختتــم كلمته بعبارة

محمدالبورك­ي فدوىجيراري رضوانالمتو­كل

استشــرافي­ة حيث قــال: ســيظل التحليل النّفســي وجهة مهمة للنقاد والمتخصصين، لمقاربة العملية الإبداعية، وتشــريح الذات المبدعة، وما يكتنفها من غموض وأسرار.

أما علي لهبوب فانطلق من اعتبار التحليل النفسي من أبرز الروافد التي خرجت من رحم العلوم الإنسانية، وتحديدا علم النفس، وقد ارتبط بصفة خاصة بالمدرسة الفرويدية، التي أرسى دعائمها العالم النمساوي سيغموند فرويد، إلى جانب أتباعه وتلاميذه، كأدلر ويونغ وشارل مورون ..ورغم أن فرويد لم يكن أديبا أو ناقدا، إلا أنه أتجه إلى دراسة الأدب رغبة منه في دعم تصوراته النظرية والفكرية حول خبايا النفس الإنسانية وأسرارها. وهكذا تمكن فرويد وأتباعه من بســط تصوراتهــم النظرية من خلال مجموعة من المفاهيم والمصطلحات ذات البعد النفسي، منها اللاشعور والتسامي والكبت والعقد النفســية )أوديب . إلكترا(. مركب النقص. الأسطورة الشخصية... هذه المفاهيم حاول أقطاب التحليل النفســي أن يجدوا لها ســندا من خلال عالــم الفن والأدب. ولعل خير مثال على ذلك هــو ما قام به فرويد من خلال تحليله لرواية غراديفا لمؤلفها الألماني جونســون، وحاول تفسير رموزها تفسيرا نفسيا عميقا .

وإلى جانــب فرويد في الثقافــة الغربية حاول بعض النقــاد والمهتمين بمجال الدراســات الأدبيــة في العالم العربي، اســتثمار نتائــج التحليل النفســي لاختبار فعاليتها الإجرائية، كأمثال محمد النويهي من خلال كتابه ثقافة الناقد الأدبي عندما تتبع شــخصية الشاعر ابن الرومي من أجل رسم ملامحه السيكولوجي­ة. وكذلك ما قام الناقد المصري عز الدين إسماعيل في كتابه الرائد «التحليل النفسي للأدب.»

ختمت حبيبة خيمــوش هذه المداخلات بقولها: أرقــت الظاهرة الأدبية النقــاد والباحثين محاولــن مقاربتها والإحاطة بهــا، فنتجت عدة مناهج نقديــة كالبنيوية والبنيوية التكوينية، والاجتماعـ­ـي والفني والتاريخي، ثم النفســي الذي اختص بالأنماط أو النماذج النفسية في الأعمال الأدبية، ويربط بين العمل الأدبي والحالة النفســية للأديــب، كانت أول بدايات هذا المنهج مــع بداية علم النفس ذاته، فــي نهاية القــرن 19، تزامنا مع صدور مؤلفات فرويد في التحليل النفســي، وبدراســة الإبــداع والفن بصفتهما تجليات للظواهر النفســية، وكانت النقطة التي انطلــق منها فرويد تتمثل في الشــعور واللاشــعو­ر )الوعي واللاوعي(وعد الأدب والفن تعبيرا عن اللاوعي الفردي. أما بالنســبة لأدبنا العربي فقد ظهرت مدرســة نقدية لها إنجازاتها المتفردة في مجال علم نفس الإبداع ويعد كتاب «الأسس النفسية للإبداع الفني في الشــعر لمصطفى سويف» نقطة الارتكاز الجوهرية لأعمال هذه المدرسة، حيث تم التأكيد من خلال هذه المدرسة على أن الأعمال الأدبية، يمكــن أن يكون لها أثر عظيم في الكشــف عن حياة المبــدع، كما اهتموا من خلالها بتقصي مظاهر النماذج النفســية في الأدب، وكأمثلة على ذلك نجد دراســات العقاد حول الشــاعر أبو نواس الذي حلل شــخصيته من كونه نرجسيا، ثم نقطة حبه للغلمان، وكذا الدراسات التي أجريت على شخصية المتنبي، كونه مليئا هو الآخر بعقد نفسية جعلته يحب ذاته بشكل نرجسي.

وقد ختمت خيموش مداخلتها بقولها: لقد قدم التحليل النفســي الكثير للنقد الأدبي، فمعه كشــفت لنا عدة خبايا، لم نكن نعلم بها تستفز الكاتب، فيقوم بعملية الإبداع.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom