Al-Quds Al-Arabi

هل سترد إيران بهجوم سيبراني مضاد بعد ضرب برنامجها النووي في نطنز؟

- بقلم: عاموس هرئيل

■ الأحداث الأخيرة في إيران، وتحديداً الانفجار الذي حدث في المنشــأة النووية في نطنز، يوم الخميس، تعبر عن ارتفاع كبير في مســتوى التوتر الإقليمي، رغم أن الدول الأخرى ما زالت منشــغلة في مواجهة فيــروس كورونا وتداعياته. مصادر في إيران ألقت مســؤولية ما حدث في نطنز على إسرائيل، وطرحت تقديرات بأنه حدث نتيجة هجوم ســايبر. مع الأخذ في الحسبان ما نشر في السابق حول تبادل اللكمات بين الطرفين، يمكن التقدير بأن إيران ســتحاول الرد، وقد يأتي الرد هذه المرة بهجوم سايبر.

سلسلة الأحداث التي تجري في إيران بدأت منتصف الأسبوع الماضي بانفجار في منشأة لتطوير السلاح في بريتسن. بعد ذلك حدث انفجار أدى إلى إصابات في موقع بطهران، وصف بأنه مستشــفى، وعقبه انفجار نطنز. وأمــس تم الإبلاغ عن حريق في محطــة لتوليد الكهرباء في منطقة الأهواز وعن تســرب مــادة الكلور في مصنع للبتروكيما­ويات في مدينة مشــهد جنوبي إيران، قرب الحدود مــع العراق. وإغراء ربط كل هذه الأحداث معاً هو إغراء كبير، ولكن من غير المؤكد أن جميعها حدث نتيجة هجمات مخطط لهــا، وأن جميعها نفذها فاعل واحد. حســب معرفتنا، محطة توليد الطاقة غير مرتبطة بأي برنامج إيراني عســكري. أما فــي حالة نطنز، فقالت مصادر رســمية في طهران في محادثة مع وكالة الأنباء «رويترز» بأن إسرائيل قد تكون هي التي تقف من وراء الهجوم.

المنشــأة التي أصيبت في انفجــار نطنز تحتل مركز نقاش حــول خروقات إيران للاتفاق النووي. هنا توجد أجهزة الطرد المركزية الحديثة والأكثر سرعة، التي تسرع وتيرة تخصيب اليورانيوم. الاتفاق الذي قادته إدارة أوباما في الولايات المتحدة مع إيران ووقع في 2015 أبقى الإيرانيين مع «فترة انطلاقة تقدر بسنة لإنتاج القنبلة.»

في العام 2018 قرر الرئيس ترامب الانســحاب من الاتفاق استجابة لجهود الإقناع من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. والنظام الإيراني انتظر نحو ســنة، ولكنه في السنة الأخيرة بدأ بسلســلة خروقات دون أن ينسحب منه رسمياً. التقدم المقلق أكثــر في نظر الولايات المتحدة وإســرائيل يتعلق بتحســن تخصيــب اليورانيوم والتقدم في جمع المواد المطلوبة لإنتاج القنبلة. وحسب تقدير الاستخبارا­ت الغربية، فإن فترة انطلاقة إنتاج قنبلة كانت قصرت إلى النصف تقريباً )رغم أن إيران لم تتخذ حتى الآن قراراً استراتيجياً حول ذلك(.

يمكن التخمين بأن لهجوم نطنز هدفاً مزدوجاً: الأول، نقل رســالة إلى طهران بأن ثمة ثمناً لسلوكها الذي يشمل، إلى جانب التقدم في الموضوع النووي، إنتاج صواريخ بعيدة المدى، ومســاعدة التنظيمات الإرهابية في لبنان وسوريا والعراق. أما الهدف الثاني، ففي المجال العملي، وتشويش تقدم إيران الجديد نحو إنتاج القنبلة.

مســتوى الضرر الذي أصاب المنشأة في نطنز لم يتضح بشكل كامل. معهد العلوم والأمــن الدولي في واشــنطن )آي.اس.آي.اس( حلل صوراً للأقمــار الصناعية من الموقع، وقرر أن الحريق الذي شــوهد في الموقع كان في مشــغل لتركيب أجهزة الطرد المركزي. هذا المشــغل يقع قرب منشأة التخصيب. وحســب أقوال المعهد، فإن المشغل «جزء حيوي من البرنامج الإيراني لتشغيل آلات أجهزة الطرد المركزي المتطورة.»

رئيس معهد بحوث الأمن القومي في إســرائيل، الجنرال احتياط عاموس يادلين، كتب الجمعــة، على صفحته في «تويتــر» بأنه «إذا اتهمت جهات رســمية )إيرانية( إسرائيل فيجب أن نكون على استعداد عملي لاحتمالية رد إيراني عن طريق السايبر أو عن طريــق إطلاق الصواريخ في ســوريا أو عن طريق عملية فــي الخارج». هذه الأقوال كتبها قبل ما نشر في «رويترز».

علينا أن نذكر بأن إســرائيل وإيران تبادلتا هجمات السايبر قبل شهرين حسب تقارير في وســائل الإعلام الأجنبية. في البداية، كانت محاولة إيرانية للمس بتزويد المياه في إسرائيل بواســطة اختراق محوســب للنظام الذي يضيف الكلور لمنشآت المياه. ويبــدو أنها محاولة أحبطت، ولكــن بعد بضعة أيام أُعلن عن هجوم ســايبر إسرائيلي شوش لبضعة أيام نشاطات الميناء الهام في إيران، بندر عباس.

يبدو أن جميع الأطراف المشــاركة تعمل من خلال النظر إلى جدول زمني قد ينتهي في تشــرين الثاني المقبل في موعد الانتخابات الرئاســية في أمريكا. انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وبعد ذلك اســتخدم سياســة «ضغط اقتصادي بالحد الأعلى» على إيران وعلى الشــركات الأجنبية التــي تتعامل معها. في بدايــة كانون الثاني، عشــية اندلاع أزمة كورونا، قام الأمريكيون بخطوة استثنائية، وهي اغتيال الجنرال قاسم سليماني أثناء زيارته في العراق. وإذا تبين أن للأمريكيين علاقة بهجوم نطنز، فســتكون إشــارة إلى أن ترامب مستعد لاســتئناف الخط ضد الإيرانيين في الأشهر الأربعة التي بقيت له حتى موعد الانتخابات، التي تتنبأ له فيها الاستطلاعا­ت بهزيمة ساحقة لصالح جو بايدن.

يدعو نتنياهو منذ فترة طويلة وبشــكل علني إلى إظهار قبضة حديدية أشد تجاه إيران، حتى بسبب الخروقات في المجال النووي. وفي الوقت نفسه، جرى الإبلاغ عن تسريع الهجمات الإســرائي­لية ضد مصالح إيرانية في سوريا. وقد نسبت لإسرائيل، في عدد من الحالات، هجمات بعيدة جداً قرب الحدود بين سوريا والعراق.

الرئيســان، ترامب ونتنياهو، يواجهان في الداخل أزمــة اقتصادية وصحية غير مسبوقة، مقترنة أيضاً بتهديد مســتقبلهم­ا السياسي. وهما الآن قد يتبعان خطاً أكثر تشدداً ضد إيران. وهذا يمكن أن يكون له تداعيات إقليمية كبيرة حتى لو كانت الدول الثــاث غارقة في أزمة كورونا. ويبدو أنها تقوم الآن بالعمل بصورة ســيئة بشــكل خاص في تعاملها مع الفيروس.

هآرتس 2020/7/5

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom