Al-Quds Al-Arabi

لهذا... على إسرائيل أن تؤجل الضم ستة أشهر على الأقل

- بقلم: عوديد عيران وشمعون شتاين

■ منذ احتلال إســرائيل للضفة، كان المستقبل السياسي لهــذه المناطق يلقي بظلالــه على كل موضــوع آخر في إطار العلاقــات بين إســرائيل ودول أوروبا، تحديداً حين تشــتد الخلافات مع الاتحاد خصواً بعد توقف المســيرة السياسية الإسرائيلي­ة – الفلسطينية، حتى وإن لم يكن بذنب إسرائيل، وعندما تتعاظم النشاطات الاستيطاني­ة الإسرائيلي­ة في هذه المناطق. وســيثير الضم الإسرائيلي، ســواء كان على نطاق واسع أم ضيق لأراض في الضفة، موجة ردود فعل سلبية في أوروبا ســتعمق القطيعة بين القيادات السياسية لإسرائيل وقيادات الدول الأعضاء فــي الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع لســياقات داخلية في أوروبا تهز الترابط السياسي للاتحاد، أن تصعّب عليه فرض عقوبات شــديدة على إسرائيل جراء قرارات حكومتها للضم، ولكن لا شك أن انتقاداً حاداً ضد نية الضم هو روح الأمور في معظم الــدول الأوروبية. فضلاً عن ذلك، فإن قراراً إسرائيلياً للضم ســيواجه معارضة من كتلة الدول التي درجت على التصويت، مثل الاتحاد الأوروبي في المنظمات الدولية.

بحكم اهتمام الاتحــاد الأوروبي التاريخي والسياســي والأمنــي والاقتصادي بالمنطقة المجــاورة لحدوده، فقد حدد لنفســه هدفاً لتصميم المحيــط الجغرافي – السياســي، بما فيه حوض البحر المتوســط. فبنود الاتفاق بين دول الاتحاد وإســرائيل في العــام 1995، الذي يشــكل الإطار الرســمي للعلاقات، تعنى بالحوار الإســرائي­لي – الفلســطين­ي بهدف الوصول «... إلى تقرير مواقف الطرفين في المواضيع الدولية، ولا سيما المواضيع التي لها تأثير على الطرفين، وتعكس تطلع الاتحاد لأداء دور في حل النزاع. ومثلما في مواضيع سياسية دولية أخرى، فإن نهج الاتحاد من مسألة النزاع توجهه مبادئ كونية بينها ســلطة القانون، بما في ذلــك القانون الدولي، وحقوق الإنسان، وحقوق الأقليات. لم يتغير هذا النهج على مدى عشرات الســنين، وهو يتركز على تحقيق حل الدولتين للشــعبين من خلال مفاوضات بين الطرفين. يتمسك الاتحاد بموقف يقضي بأن أســاس ترسيم الحدود هو خطوط 1967، وهو يعارض المستوطنات الإســرائي­لية في الضفة ويرفض قانونيتها. وعلى خلفية معارضة جهات مدنية للمستوطنات، تقرر أن البضائع الإســرائي­لية التي تنتج فــي المناطق التي احتلتها إســرائيل في الـ 1967 لا تستحق إعفاء جمركياً، ولا يمكن للمؤسســات الإســرائي­لية العاملة في هذه المناطق أن تتمتع بالتعاون مع هيئات أوروبية يمولها الاتحاد.

فــي العقــد الأخير، أوقــف الاتحــاد الأوروبــي الحوار السياســي مع إســرائيل علــى خلفية الجمود في المســيرة السياســية الإســرائي­لية – الفلسطينية واســتمرار توسع المستوطنات في الضفة. كما ينبغي تقدير معاني هذه القطيعة الخطيرة على خلفية التحولات التي سجلت في سياق العقد الأخير في الشرق الأوسط: «الربيع العربي» وبخاصة تفكك عدد من الدول العربية ونشــوء مشكلة لاجئين سوريين، هي تحد تقــف أمامه أوروبا؛ وانســحاب الولايــات المتحدة من الاتفــاق النووي مع إيــران وعدم التزام هــذه الأخيرة بكل تعهداتها بموجبه؛ وتعاظم نزعة العدوان التركية في شــرق حوض البحر المتوســط؛ وإصدار خطة الرئيس ترامب لحل النزاع الإســرائي­لي – الفلســطين­ي وســيطرته على جدول الأعمال الإقليمي. هــذه التطورات، علــى معانيها المتنوعة، جديــرة بالبحث في إطار حوار اســتراتيج­ي إســرائيلي – أوروبي. ولكن هذا لن يستأنف في ظل قرار بالضم من حكومة إسرائيل.

لقد أعرب الاتحــاد الأوروبي في الماضي عــن عدم قبوله لخطوات ســابقة اتخذها الرئيس ترامب في موضوع النزاع الإســرائي­لي – الفلســطين­ي، أي الاعتراف بالقدس عاصمة إســرائيل، وقرار نقل الســفارة الأمريكية من تــل أبيب إلى القدس، ومارس ضغطاً على عدد من الدول الأعضاء للامتناع عن الســير في أعقاب واشــنطن في هذا الموضوع. ومع نشر القســمين السياســي والاقتصادي لخطة ترامــب في كانون الثاني 2020، كان رد الفعل شبه الفوري للمسؤول عن موضوع الخارجية والأمن لمفوضية الاتحــاد، جوزيف بورل، «رقيقاً» نســبياً: «ندرس الخطة»، ولكنه كان حاداً مع إسرائيل: «كل خطوة إســرائيلي­ة للضم، إذا تمت، لن يكــون ممكناً أن تبقى بلا رد». بمعنى، أن المســؤول لم ينقل إلى إســرائيل توصية بالنظر في خطواتها، ولم يعرب عن استعداد أوروبي للبحث في الســبل لتحقيق الحل السياســي للنزاع الإســرائي­لي – الفلسطيني، بل اتخذ لغة التهديد. وكان الرد الإسرائيلي على ذلك هو الآخر حاداً وعلى لسان مستوى منخفض، ربما بنية استعراض الاســتخفا­ف، فوعد باستمرار الجمود في الحوار السياسي على مستوى رفيع بين إسرائيل والاتحاد، وبالذات حين تكون إسرائيل في مفترق حسم تاريخي. لقد حاول وزير الخارجيــة الألماني هايكو ماس تخفيض حدة التوتر شــديد الضرر بين إســرائيل والاتحاد في زيارة عاجلة إلى إسرائيل والأردن في 10 حزيران. وقال ماس إن مجيئه لإسرائيل كان للإعــراب عن قلق جدي وصادق لبــاده وللاتحاد من الضم الذي لا يســتوي مع القانون الدولي، ولكن ليس لأن يعرض على إســرائيل تهديدات وتدفيع أثمان. فضلاً عن ذلك، عرض ماس في إسرائيل استعداداً من جانب الاتحاد لإجراء حوار. ومع أن المسؤول عن العلاقات الخارجية في مفوضية الاتحاد لم يكرر هذا الاستعداد في تقريره عن مداولات مجلس وزراء خارجية الاتحاد )17 حزيــران(، ينبغي الافتراض بأن وزير الخارجية الألماني ما كان ســيطرح هذه الإمكانية دون فحص مسبق.

ينطوي تقدير الاحتمال باســتئناف الحوار بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي على المســتوى العالــي على الإجابة عن عدد من الأســئلة ثقيلة الوزن. فمن جهة، لا يمكن للاتحاد أن يساوم على موقفه المبدئي الرافض لخطوات أحادية الجانب، كبيــرة كانــت أم صغيرة، حتى لــو اتخذتها إســرائيل بعد محاولة فاشــلة لإعادة تحريك المفاوضات مع الفلسطينيي­ن؛

لأن الفلســطين­يين يرفضون خطة ترامب كجــزء من برنامج المفاوضات. ومن جهة أخرى، فإن حكومة إســرائيل مصممة على ما يبــدو على فرض القانون الإســرائي­لي، وإن كان في منطقة محدودة نســبياً في الضفة. في هذه المرحلة، يبدو أن الجهد الألماني لحمل إســرائيل على الامتناع عن خطوة تفاقم التوتر بينها وبين الاتحاد الأوروبي – لم يعطِ ثماره.

إن مســألة رد الاتحاد المحتمل على الضــم، ثم الخطوات العقابيــة، تطــرح في المــداولا­ت الداخلية التــي تجرى في أوروبا وإســرائيل كلما اقترب موعد حســم الخطوة. يمكن الافتراض بأن ليس هناك توافــق في الرأي في هذا الموضوع بين أعضاء الاتحاد، فثمة من يطالبون بتبني سياســة عقاب جماعــي – خطوة فــي مجال سياســة الاتحــاد الخارجية والأمن، وستحتاج القرارات بشأنها إلى تصويت جماعي لكل الأعضاء. إن مكانة ألمانيا وموقفها، في نصف الســنة القريبة القادمة بخاصــة، هي أمر مهم، ولكن يكفي تصويت مضاد من جانب كل دولة أخرى لمنع قــرار جماعي. وفي ظل غياب قرار العقــاب الجماعي، يمكن للدول أن تقــرر خطوات عقابية من جانبها، وإن كان مع العلم بــأن الحدود المفتوحة بين أعضاء الاتحاد تخفف آثار قسم من العقوبات التي ستفرضها الدول على إسرائيل في قرار فردي.

حتى لو قــرر الاتحاد الأوروبي كله أو دول أعضاء منفردة فرض عقوبات على إسرائيل، من المتوقع أن تنحصر بالنشاط الاقتصادي الإســرائي­لي في الجانب الشــرقي من خط 1967 بهــدف تقليص الضرر الاقتصادي الذي ســيلحق جراء ذلك بأوروبا نفســها. هكذا مثلاً اســتؤنف مؤخراً اتفاق «السماء المفتوحــة» في مجال الطيــران المدني، الذي يمنح شــركات الطيران الأوروبية مرابح كثيرة من الخط الذي تســيره إلى إسرائيل.

لقد ذُكر إلغاء اتفاق إشــراك إســرائيل في برنامج البحث والتطوير الأوروبي، «هورايــزن 2020»، هو الآخر كإمكانية عقــاب من جانــب الاتحاد الأوروبــي على ضم إســرائيلي للضفة. مع ذلك، تجدر الإشــارة إلى أن مشاركة إسرائيل في هذا البرنامج هــي مصلحة متبادلة صرفــة. برنامج البحث والتطوير الجديد «هورايزن أوروبا» الذي ســينطلق ابتداء من هذه الســنة، قد يتغير بشــكل يقلص أهميته لإسرائيل.

وضمن أمور أخرى، يســعى الاتحاد لتقييد إمكانية الحصول على منح البحث من خارج مبلغ مشــاركة كل دولة مشــارة في ميزانية البرنامج العامة. وإبعاد إســرائيل عن «هورايزن أوروبــا» ســيمس جزئيــاً بنســيج العلاقــات القائمة بين مؤسسات البحث والتطوير الإسرائيلي­ة وبين المؤسسات في أوروبا، ولكنه لن يلغيها. فالأموال التي كانت مخصصة للدفع كبدل مشاركة في البرنامج الأوروبي يمكن لحكومة إسرائيل أن تضخها مباشــرة لهيئات البحث والتطوير الإسرائيلي­ة. وفي ســياق مبادئ العقاب التي توجه خطــى دول الاتحاد الأوروبي، ســتذكر الإجراءات التي اتخذت ضد روسيا على الضم في أوكرانيا. وقيل إنه على الرغم من العقوبات، ستبقى «علاقــة انتقائية في مواضيع وفي مناطــق للاتحاد مصلحة فيها، وكذا ســيتضاعف الدعم للمنظمــات في المجتمع المدني الروسي في إطار علاقات الشعب مع الشعب.

فــي ضوء الــرد على الضــم المرتقــب في إطــار الاتحاد الأوروبي، نوصي حكومة إسرائيل بتأجل قرار الضم -حتى لــو عرض كرمزي فقط- وبخاصة في الأشــهر الســتة التي ســتكون فيها ألمانيا الرئيســة الدورية للاتحــاد الأوروبي، وكذا بحكم كونها –بالتوازي- عضــواً حتى نهاية 2020 في مجلس الأمن في الأمم المتحدة. ليس للاتحاد الأوروبي أغلب الظن قدرة على إلحاق ضرر اقتصادي كبير بإســرائيل، يمنع حكومة إســرائيل عن القرار بالضم، وكذا فإن تآكلاً متواصلاً في العلاقات مع أوروبا وانعدام الحوار السياسي مع الاتحاد الأوروبــي ليس فيه، على ما يبدو، ما يكفــي لمنع قرار الضم. من جهة أخــرى، فإن إمكانية وصول رئيــس ديمقراطي إلى البيت الأبيض في بداية 2021 ثم تكون للاتحاد مصلحة معه في اســتئناف الحوار العابر للأطلسي حول سلسلة مواضيع بينها النزاع الإســرائي­لي الفلســطين­ي.. تســتوجب موقفاً إسرائيلياً من العامل الأوروبي- يتجاوز حساب الأضرار. في الحوار الأمريكي/الديمقراطي – الأوروبي، ينبغي الافتراض بــأن الطرفين –ولــو لم يتنكــرا لخطة ترامب– ســينتقدان ويشــجبان خطة ترامب، وقد ينظــران في خطوات ضد ضم أحادي الجانب، إذا ما تمســكت إســرائيل بنيتها فرضه في الضفة وفق روح الخطة.

نظرة عليا 2020/7/5

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom