Al-Quds Al-Arabi

ليس دفاعاً عن «الإخوان»... لكنهم لنا إخوان

- كاتبة أردنية

لكل رســول معجزة تبرهــن على صدق رسالته، يتحدى بها المكذبين أن يأتوا بمثلها، انتهت المعجــزات باكتمــال عِــدّة الأنبياء، لكن بقي لكل عصر ســحرة، يسبحون بحمد الحاكم بأمر هــواه، يســحرون أعين الناس ويسترهبونه­م.

في مصــر بلد الفراعنة، وصــف أحد كهنة الضلال ســيدَه الذي انقض على الشــرعية، بأنه مرسل إلى المصريين كما أُرســل نبي الله موسى، ولأنه تنقصه المعجزة، فقد تحرك مفتي الديار ليسد الخلل، ويصف الإنجاز العظيم للزعيم الُمرســل، الذي خلع فيه حاكما شــرعيا، بأنه معجزة نبوية كشــف النبي عنها، ثم ســاق حديثا منكرًا يزين به كلامه الباطل، لا يمت للنبي صلى الله عليه وسلم بصلة كما حكم أهل هذا الفن.

ولأنَّ لــكل صاحب معجــزة عَدوّا مــن المجرمين ينهزمــون أمام معجزته الخارقة، فقد عرّجت دار الإفتاء الُمسيَّســة في فتوى أخرى على جماعة الإخوان المسلمين، لتصدر فتوى - ينقصها زيٌّ عسكري وبعض النجوم فحســب، ليقال عنها فتوى عسكرية - بأن الإخوان المسلمين هم خوارج العصر، وناشرو الضلال ورعاة البغي، وأمعنتْ في إثارة عواطف الجماهير بقولها: «الله بيننا وبينهم، وجند مصر في مواجهتهم، وســهام الحــق في نحورهم، ولينصــرن الله مصر وشعبها وجيشها وشرطتها».

إذا كان المفتــي يعتبر الإخوان المســلمين خــوارج العصر، لأنهم عارضوا بالكلمة والاعتصاما­ت جنرالا ســطا على الحاكم الشرعي، فحري بالمفتــي أن يرجع 28 عاما إلى الــوراء، فينظر إلى أحداث ما يسمى بثورة 1952، عندما انقلبت شــرذمة من ضباط الجيش على الملك بقوة الســاح، وبتنســيق مع الأمريكيين بعــدم التدخل، كما اعترف أحد رفقاء عبد الناصر، ألم يكن ذلك الانقلاب المكتمل الأركان خروجا على الحاكم الشرعي؟

أنا لســت هنا بصدد الدفاع عن الإخوان المســلمين، علما بأن لي عليهــم مؤاخذات عدة، ولكن ليس من بينها تهمة الإرهاب والخروج على الشــرعية، وإنما أنتقد في هــذا المقام الطريقــة الجائرة التي يُحاســب بها الإخوان، والميزان الفاسد الذي يوزنون به. وأتساءل ابتــداءً: هل هــذا التقييم لجماعة الإخــوان كان نتاجــا للنظر في تاريخهــم بأســره؟ أم هو نتاجٌ لآخر تســع ســنوات؟ فــإن كانت الأولى، فكيف يفســر هؤلاء وجود الإخوان في الحياة السياســية والاجتماعي­ــة والاقتصادي­ــة بقوة طيلــة هذه العقــود؟ هل كانت الســلطات تغض البصر عن هذه الجماعة الإرهابية خوفا أو طمعًا؟ وكيف يفســرون هذا الانصهــار القوي لتلك الجماعــة مع المجتمع، والتعبير بقوة عن كونها جزءًا من هذا النســيج؟ وكيف يفســرون التفاف الجماهير حولها كحزب معارض في كثير من الدول العربية؟ أما إن كان اتهامها بالإرهاب نتاجا للنظر في الســنوات الأخيرة من بعد ثورات الربيع العربــي، فإنه قول لا يعبر إلا عن توجهات أرباب الثورات المضادة، الذين رأوا كيف قامت الجماهير بتصعيد الإسلام السياســي وترشــيحه ودعمه، لأن يقود مرحلة ما بعــد الثورات، فمن ثم لم يجدوا ســوى تهمــة الإرهاب والخــروج، ليناجزوا بها جماعة الإخوان ذات الحواضن الشــعبية القويــة، بعد أن أعيتهم الحيل في وأدها، فكان الحل الأمثــل هو فصل الارتباط بين الجماعة والمجتمعات، وشق تلك المجتمعات إلى شــقين، الإخوان في جانب، والشعب بقيادته ومؤسســاته في جانب، إما أن تكون تابعا مؤيدا لسياسات النظام، أو تكون إخوانيا.

أولا: الإخوان رغم كل ســلبياتهم كما غيرهم من البشر، إلا أنهم أبعد الجماعات والفصائل الإسلامية عن الإرهاب والتطرف، لأسباب عدة، أبرزها متانة الهيكل التنظيمي للجماعة، الذي يحكم السيطرة على عناصرها فلا يجنحــون إلى التكفير والعنف والإرهاب، ولذلك تجد أن أفرادها أقل، بل أندر التحاقا بالجماعات المسلحة والتكفيرية، فالمشــاهد أن معظم الملتحقين بهذه الجماعات هم من التيار السلفي، نظرًا لخلو هذا الوسط ـ أو يكاد- من الهيكل التنظيمي الجامع، فمن ثم تكثر الاجتهادات الفردية لأتباعه.

ثانيــا: ثمة أمر آخــر يؤخذ في الحســبان، أن جماعة الإخوان مهما كان الانشــقاق بين قيادتها، خاصة في هــذه الآونة، إلا أنهم لا يحيدون عن النهج العام والخطوط العريضة الأساسية لهذا التيار، التي من أبرزها السلمية في مواجهة ضغط الواقع، والسبب في ذلك أن محاضنهم التربوية تحقق للمتربي نوعا من الإشــباع، بالحديث المتكــرر عن تاريخ الجماعــة وقوتها وإنجازاتهـ­ـا وتمددها في دول العالم، ونتيجة لهذا التشــبع يرى المتربي، أن هــذه الجماعة مهما تلبســت بالضعف أو الانشقاقات، فســوف تظل هي الأقدر والأولى لقيادة الأمة، ومن ثم لا يحدث الجنوح الفكري والسلوكي إلا نادرا.

ثالثا: مــن العجيب والغريب أن ينســب منهــج الإخوان إلى التشــدد والغلو، مع أن هذه الجماعة تعتمد منهج مدرســة التيسير في الفتوى، إلى الحد الذي اتهمهم الســلفيون بالتهاون في الدين، وكنت أراقب تلك المعركة الشرســة في الفروع بينهم وبين منتقديهم، فمنها مســألة التصوير الفوتوغراف­ي، الذي كانوا يجيزونه في وقت كان الاتجاه السلفي يحرّمه، ويتهم الإخوان بالتساهل، ثم مع مرور الوقت تبدلت جميع الفتاوى الســلفية تقريبا في الوقت الحالي إلى الجواز.

رابعا: من العجيب والغريب أيضا، أن يتهم الإخوان المســلمون بالإرهــاب، وكثير منهم إما خلف القضبــان، أو تحت التراب، أو في المنفى، وهو الثمن الــذي دفعوه ليظلوا على ســلميتهم، ولو كانوا يبغونها فوضى وإفســادا في الأرض، لحمل كل منهم الســاح، ولم يكن ذلك عسيرا، بل كان الشباب المتعجل ينتظر أن يؤمر بذلك تحت وطأة الإجراءات التعسفية القمعية لحكومات الثورة المضادة.

رابعا: الإخوان اليوم أصبحوا الشــماعة المفضلة للمستبدين، ليعلقوا عليها أخطاءهم بحق شــعوبهم وفشلهم في إدارة أزماتهم، فإذا مــا طولبوا بالوفاء بوعودهم الإصلاحيــ­ة قالوا: ألا ترون أننا أنجيناكم من حكم الإخوان الإرهابيين؟ ألا ترون أنهم بنا يتربصون؟ فيلقمون الناس الطين فلا يتحدثون.

الإخــوان اليوم أصبحــوا ورقة الرعب التي تشــهر في وجه أي معارض، فإذا ما خرج أحدهم عن الخطوط الحمر، وتكلم في الحقوق والواجبــا­ت، لاحقته التهمة بأنه من الإخــوان، بل أصبح الإخوان اليوم، التهمة المعلبة الجاهزة لكل من يســعى إلى الإصلاح ونشــر الفضيلة، بل لــكل من يتحفظ أو يتعفف عن الإســفاف، وقد تابعت الحملة الشرســة على الفنان المصري يوســف الشــريف، المعروف بتحفظــه على تصوير مشــاهد التقبيل والعنــاق والألفاظ النابية فــي أعماله الفنية، لأنه صرح بأنه يشــترط تلــك الضوابط في كل تعاقداته، فقامت الدنيا ولم تقعد، وانبرى أحد العلمانيين المتطرفين، ليســتعدي النظام على الفنان، ويُعرّض بأنه يسلك هذا المسلك لأنه من مؤيــدي جماعة الإخوان، وحــال ذلك الرجل كحــال قوم لوط )أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون(.

خامســا: ليس منطقيا أن تصف الإخــوان بأنهم إرهابيون في حين أن حكومتك والمجتمع الدولي بأسره، يتعاملون مع دول يحكمها الإخوان، أو يمثلون تكتلات قوية فــي برلماناتها، وربما كان هذا هو العائق لــدى أمريكا وأوروبا أمام تصنيــف الجماعة بأنها إرهابية، رغم مواقفها المتشــددة تجاه الإخوان، لأن تصنيفهــا بأنها جماعة إرهابيــة، قد يخلق أزمات سياســية بين تلك الــدول وبعض البلاد التي يمثل فيها الإخوان جزءًا من الســلطة، كما هو الحال في المغرب وتونس، أو يتغلغلون في مفاصلها أو برلمانها، ولهم ثقلهم السياسي فيها، كما هو الحال في الكويت والأردن.

سادســا: الإخوان خطر على الحكام المستبدين وليسوا خطرا على الشــعوب، وتفوق خطورتهم ـ على هؤلاء المستبدين ـ خطورة الجماعات الإرهابية المسلحة، لأن مواجهة هذه الفصائل التكفيرية الإرهابية محل إجماع، وليســت لهم حاضنة شــعبية، أما الإخوان فعملهم الســلمي في الميدان السياســي والاجتماعـ­ـي والاقتصادي والإعلامي، وانخراطهم في المجــال الخدمي، وتاريخهم في مواجهة المحتلين، جعل لهم حاضنة شعبية تؤيدهم، حتى إلى تاريخ الساعة ولو بقدر أقل.

ســابعا: إن أكثر مــا ينبغي التدقيق به عنــد الترويج لأن هذه الجماعــة إرهابية، أن جماعــة الإخوان لم تصنف فــي كافة الدول العربية ـ عدا النظام الســوري - كجماعــة إرهابية، إلا بعد ثورات الربيع العربي، والســبب واضح، أنها كانت جــزءًا حيويا من هذه الثورات، وصعدتهــم الجماهير لأنهم أقرب القوى المدنية لتســيير الحياة السياسية بعد عصر الديكتاتور­يات.

ثامنا: أنا لســت ضد انتقــاد الإخوان، وليــس بالضرورة أن من يدفع عنهم تهما باطلة يكون منهــم، لكنهم لنا إخوة، إخوان في العقيدة، والوطن، والإنســان­ية، ينبغي أن يأخذوا حقهم من القسط والعدل في التقيم والوزن بميزان الحق، مهما أخطأوا ومهما اختلفنا معهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom