Al-Quds Al-Arabi

ماذا بعد؟ الفلسطينيو­ن يتلاحمون... ترامب يرتبك ونتنياهو يتريث

-

تلاقى الفلســطين­يون بعد طول تباعــد، تلاقيهم على طريــق اتحادهم كان مفاجأتهم لأنفســهم كمــا لأعدائهم. القادة الصهاينة ومن ورائهم نظرائهم الأمريكيون راهنوا طويلا على انقسام الفلســطين­يين على أنفسهم، وتنافس فصائل المقاومة على الصدارة والنفوذ.

صحيح أن الفلســطين­يين تأخــروا فــي التلاقي على طريق توحيد الموقف، وتفعيل المقاومة، لكنهم اســتدركوا تقصيرهم وباشــروا التلاحم في وجه الأعداء في الوطن والشتات، مجرد التلاقي، ولاسيما بين «فتح» و»حماس»، أقلق الأعداء واضطرهم إلى إعادة النظر بحساباتهم.

كان بنيامين نتنياهو يتطلع إلى بدء عملية ضمّ مناطق في الضفــة الغربية، بحلول الأول مــن تموز/يوليو، لكن في اليوم نفســه صــدر بيان عن حكومته يقــول إنه عقد اجتماعاً مع كبار المســؤولي­ن في المؤسسة الأمنية، لمناقشة مســألة فرض الســيادة على مناطق الضفــة. من التعهد القاطع بالتنفيذ تريث نتنياهو بســرعة لافتة متحوّلاً إلى مناقشــة ترتيبات الضم. مخطط نتنياهــو للضم تعرّض لانتقادات دولية شديدة، الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والفاتيــك­ان، فضــاً عــن دول كثيرة عربية وإســامية وأجنبيــة قالت إن ضمّ «إســرائيل» مناطق فلســطينية سينتهك القانون الدولي، ويقوّض الاحتمالات )المتضائلة أصلاً( لإقامة دولة فلســطينية مســتقلة قابلــة للحياة، حتى الولايات المتحــدة، حليفة «إســرائيل» وحاضنتها التاريخية، أبدت مداورةً، تحفظاً بشــأن بدء عملية الضم في الأول من يوليو. كبار مسؤوليها السياسيين والأمنيين عقــدوا اجتماعات متتاليــة لتخريج موقــف يحفظ ماء وجه الرئيس المرتبك والغارق، وســط احتــدام معركته الانتخابية، في طوفان من الانتقادات والتشــنيع­ات على مســتوى العالم برمته. في غمرة هذا الحَرج، تهرّب وزير الخارجية مايك بومبيو بالقول، إن واشنطن تعتبر مسألة الضم قراراً يخصّ «إسرائيل».

قبــل تصريــح بومبيــو وبعــده، كان المســؤولو­ن الإســرائي­ليون قد انقســموا حــول مســألة تنفيذ الضم وتداعياته، بعضهم رفضه لأنه ينطــوي بالضرورة على وضع عشــرات آلاف الفلسطينيي­ن تحت ســيادة الكيان الصهيوني، ما يؤدي لاحقاً إلى قيام دولة ثنائية القومية، وذات أكثرية عربية ومســلمة بين سكانها. بعضهم الآخر، وجلّه من أهل اليســار، تخوّف من أن يــؤدي الضمّ ليس إلــى تقويــض يهودية الدولة فحســب، بل إلــى التمييز الشــديد ضد «مواطنيها» من غير اليهود أيضاً، ما يرسّخ صورتهــا كدولة أبارتهايد )تمييز عنصــري( مكروهة من الــدول والشــعوب.ئصحيح أن الضــمّ الآن أرجئ، لكنه لم يُلغَ قــط. كثيرون مــن المراقبين في «إســرائيل» وفي أمريــكا يعتقدون أن كلاًّ من نتنياهــو وترامب مضطر إلى الســير مجدداً في مخطط الضمّ، ولو الجزئي، لاعتبارات شخصية وسياســية. نتنياهو مهجوس بمسألة ملاحقته

جزائياً بتُهَم الفساد والرشوة، ما يستوجب بقاءه رئيساً للحكومة لضمان تبرئته من جهة، ومن جهة أخرى لتعزيز طموحه إلى أن تتخطى سمعته وإنجازاته تراث ديفيد بن غوريون، فيصبح هو «ملك إسرائيل» في تاريخها المعاصر.

ترامب يؤرقه شــبقه المضنــي للفوز بولاية رئاســية ثانية، مــا يدفعه إلى تأمــن تصويت جماعتــن كثيفتي العــدد والنفوذ إلــى جانبه، الإنجيليــ­ن واليهود، وذلك بتجديــد تحبيذه البدء بتنفيذ قــرار الضم. لهذا الغرض، صعّدت جماعــات الإنجيليين ضغوطها علــى ترامب من أجل الدفع قُدُمــاً في مخطط ضم مناطــق الضفة الغربية إلى «إســرائيل». أحد أبرز قياديي هــؤلاء مايك إيفانس قال لصحيفة «يديعوت أحرونوت» 2/7/2020() «إن قدرة الرئيس ترامب على الفوز في انتخابات الرئاسة، ستُحسم بأصوات الإنجيليين، ولن يكون بمقدوره الفوز من دوننا، وأيّ مستشار يحثه على التراجع عن تأييد الضم يتسبّب بإبعاده خــارج البيت الأبيض، ولو كنــتُ مكان نتيناهو لضغطت على ترامب من أجل تنفيــذ الضم قبل انتخابات الرئاسة الامريكية .»

ماذا على الصعيد الفلســطين­ي؟ لم يتضح بعد ما جرى الاتفاق على اعتماده عملياً لمواجهــة قرار الضم، حتى لو كان جزئيــاً، غير أن ما يمكن اســتخلاصه من تصريحات وخطابات ومواقــف قادة فصائل المقاومة المؤيدة لاجتماع قياديي «فتــح» و»حماس» اتفاقهم علــى توحيد الجهود الرامية إلى مقاومة «صفقة القرن » بكل أبعادها وتحدياتها. لن يكشف، بطبيعة الحال، أيٌّ من فصائل المقاومة القرارات الســرية العملانيــ­ة، التي يمكــن أن يكون قــادة «فتح» و»حماس» قــد اتخذوها، منفرديــن أو متحدين، لمواجهة عملية الضمّ ميدانياً، إلاّ أن نبرة القياديين في تصريحاتهم من جهة، وتسريبات أو تخمينات بعضهم من جهة أخرى، توحي بأن ثمة توافقاً على إشعال انتفاضة شعبية مديدة ضــد الاحتلال في الضفــة الغربية، بالإضافــة إلى جميع ساحات الوجود الفلسطيني، بما في ذلك الأراضي المحتلة عام 1948. هل ثمة اتفاق بين كبريات الفصائل الفلسطينية على مواجهة اعتداءات «إســرائيل» بهجوم معاكس على جميع الجبهات في الشــمال والجنوب والشرق، بالاتفاق مع قيادات محور المقاومة؟ لا جواب صريح في هذا المجال، من أيّ قيادي فلســطيني وازن، غير أن مراقبين مقربين من قيادات المقاومة، الفلســطين­ية والعربية، يستبعدون ذلك لأسباب ثلاثة:

*أولهــا لأن فصائل المقاومــة جميعاً منشــغلة داخل أقطارهــا بأزمــات وتحديــات سياســية واقتصاديــ­ة واجتماعيــ­ة معقدة، تجعلها مضطرة إلــى اعتبارها أولى بالاهتمام في الوقت الحاضر.

*ثانيها لأن «إســرائيل» ذاتها تبدو منشغلة بمشكلات داخلية، ليس أقلها اندلاع موجة ثانية من جائحة كورونا، كما هــي قلقة من تحوّل ميزان الردع فــي الصراع إلى كفة المقاومة، لاسيما حزب الله، بعد ثبوت امتلاكه عدداً وفيراً من الصواريخ الدقيقة.

*ثالثها لعدم توافر أوضاع دولية ملائمة لـِ»إسرائيل» لتوسيع رقعة تحديها للمجتمع الدولي، ولأحكام القانون الدولي المتعارضة مع سياســة الضــمّ والتهويد واقتلاع السكان الأصليين.

غير أن هذه الاعتبارات كلها لا تصمد أمام تصميم رئيس أمريكي بالغ العنهجية والتطرف، ويصعبالتنب­ؤ بنزواته وتصرفاته، ورئيس حكومة إسرائيلي مُترع بحب التسلّط والصــدارة، وبرغبة جامحة لتغطيــة ارتكابته الجنائية والهروب من حكم العدالة.

* كاتب لبناني

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom