Al-Quds Al-Arabi

تباين التقديرات في إسرائيل حول أفضل المرشحين في انتخابات الرئاسة الأمريكية … عمليا وفي المنظور القصير والبعيد

- الناصرة ـ«القدس العربي» من وديع عواودة:

هل فعلا هناك تبعات سلبية حقيقية على إسرائيل جراء خســارة الرئيس دونالد ترامب للانتخابات الرئاســية الامريكية وفوز منافســه جو بايدن؟ ألــم تذكر مثل هذه التصريحات قبيل انتخاب مرشــح الحــزب الديمقراطي بــاراك أوباما عــام 2008 وتبــن لاحقا أن السياســيا­ت الأمريكية اســتمرت علــى حالها وبقيت إســرائيل فعليا "البنت المدللة" رغم اختلاف اللهجة في التصريحات؟

ويواصل معهد دراســات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيــب التحذير من فقدان إســرائيل إجماع الأمريكيين بحزبيهم الديمقراطي والجمهوري ومن اتســاع الهوة في المواقف بينها وبين الديمقراطي­ــن. كما يواصل هذا المعهد التحذير من تــردي العلاقات بين إســرائيل وبين جمهور الحزب الديمقراطي من الشــباب ومــع اليهود الأمريكيين أيضا ممن ينظرون بتحفظ لأقوال وأفعال إســرائيل ولهم مواقف مناصرة للقضية الفلسطينية.

وفــي المقابل هنــاك من يرش المــاء البــارد على هذه المخــاوف ويقول إن تغير الرؤســاء لا يغيّر السياســات الأمريكيــ­ة الخارجية ويدللون على ذلــك بالدعوة للنظر للماضي ومعاينته.

ناطقون بلسان نتنياهو

ويؤكد ناطقون بلسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ومعســكره اليميني أنه قد تكــون تداعيات ذات طابع دراماتيكي في حال خسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمصلحة منافســه مرشــح الحزب الديمقراطي جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق. ويرون ان مواقف ترامــب وبايدن حيــال مختلف موضوعات السياســتي­ن الخارجية والأمنيــة تظهر بجلاء أن ثمــة "فجوة كبيرة" بينهما.

ويعتقد محرر موقع "مدار" انطوان شلحت أنه من أبرز الملفات التي يُشــار إليها في هذا الشأن وقد تكون مُرشحة لأن يطالهــا تغيير نتيجة تلك الفجــوة، وهي ملفات أمكن استشــفافه­ا من ســيل المقالات والتصريحات المنشــورة والُمذاعة من طرف أولئك الناطقين، ما يلي: احتمال تقليص ميزانية الأمن الأمريكية، وتراجع الضغوط الُممارسة على النظام الإيراني أو العودة إلى ما توصف بأنها "سياســة الإذعان" التي انتهجتها الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما وتسببت بإبرام الاتفاق النووي في عام 2015 والذي اعتبــر بمثابة عامل محفّز لنظام الملالي أســفر في الوقت عينه عن مسّ الأنظمة العربية الموالية لواشــنطن؛ عدم الاســتمرا­ر في شــنّ حرب على ما تصفه إســرائيل بـ"الإرهاب الإسلامي" والذي تماهت معه إدارة ترامب، في حين امتنعت إدارة أوباما عن استخدام هذه الوصف الذي يخلط بشكل عامد بين الإسلام والإسلاموي­ة.

صفقة القرن

وفيما يخص الشــرق الأوســط والقضية الفلسطينية يقول شــلحت إن هــؤلاء الناطقين يطرحــون احتمالات شــتى، منها أن تلجأ الولايات المتحدة، إذا ما تمت إطاحة ترامب، إلى إعادة بناء تحالفاتها الســابقة في الخارج، ما من شــأنه أن يجعلها تمنح وزناً أكبر لمواقف الأمم المتحدة وقوة عظمى أخرى مثل أوروبا.

ويتابــع "رغم أنهم لا يرجحون أن يقــوم بايدن بإلغاء قــرارات أساســية اتخذها ترامــب، مثل نقل الســفارة الأمريكية من تــل أبيب إلــى القدس، والاعتــرا­ف بضم

إســرائيل لهضبة الجولان، لكنهم يتوقعون بأن يحاول إعادة التوازن إلى حد ما إلى علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل والفلسطيني­ين".

في موازاة ذلك يرجح هــؤلاء أن لا تكون علاقة بايدن ببنيامــن نتنياهو أو أي رئيس حكومة إســرائيلي­ة آخر في مســتوى علاقة ترامب، وكذلك يتوقعون أن يتجاهل بايدن بعض عناصر خطة ترامب للســام )صفقة القرن( ولا ســيما منح ضــوء أخضر لضــم مناطق فــي الضفة الغربية إلى ما تســمى بـ"السيادة الإسرائيلي­ة" مشيرين إلى أنه من الناحية الرسمية لا يزال ملتزماً بحل الدولتين.

يشــار في هــذا الســياق أن الخلافات بــن الرئيس الأمريكــي الســابق أوبامــا ونتنياهو تمحــورت حول موضوعين أساســيين: عملية التســوية بين إســرائيل والفلسطيني­ين، والبرنامج النووي الإيراني. وكان أوباما قــد طالب نتنياهو، في بداية ولايتــه في البيت الأبيض، بتجميد الاســتيطا­ن في الأراضي المحتلــة منذ 1967 كي تتسنى العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن نتنياهو رفض ذلك، بل وكثف البناء الاســتيطا­ني، إلــى درجة توجيه إهانة إلى إدارة أوبامــا، عندما تم الإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في مســتوطنة "رامات شلومو"، في شمال القدس الشرقية، خلال زيارة نائبه بايدن إلى إسرائيل.

النووي الإيراني

وفيما يتعلق بالموضوع النووي الإيراني، شهد العالم كله قبل إبرام الاتفاق النووي ســجالاً حاداً بين نتنياهو وأوباما، فقد لمح نتنياهو إلــى نيته مهاجمة إيران، حتى قبل الانتخابــ­ات الأمريكية في عام 2012 ما أثار توترا في واشنطن. وراحت شخصيات أمريكية من أعلى مستوى، وبينهــا وزير الدفاع ليــون بانيتا، ووزيــرة الخارجية هيلاري كلينتون، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش مارتن ديمبسي، تتوافد إلى إسرائيل من أجل التأكيد أمام نتنياهو، ووزير الدفاع، إيهود باراك، أنه لا يوجد "ضوء أخضر" لمهاجمة إيــران. ووصل الســجال بين الجانبين ذروته عندما رســم نتنياهو، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خطاً أحمــر لأوباما، رفضه الأخير بخطاب علني. كذلك رفض أوباما اســتقبال نتنياهو في البيت الأبيض لأول مرة.

ويوضح شــلحت أنــه ما عــاد خافياً أن توتراً ســاد العلاقات بــن نتنياهو وأوباما خلال ســنوات حكم هذا الأخير، حيث انتخب الرجلان في الفترة نفســها تقريباً )أوباما عــام 2008 ونتنياهو عام 2009( وقد اضطرا إلى العمل معــاً، ولم يخفيا التوتر في المواقف بينهما، وفرض أوبامــا على نتنياهــو قبول "حل الدولتــن" للصراع مع الفلســطين­يين وإن على المســتوى التصريحي )خطاب بار إيلان الأول( وســاهم في تعطيل مخططات استيطان كولونياليـ­ـة في الضفــة الغربيــة، وكان معارضاً لنهج نتنياهو بالنســبة إلى الملف النووي الإيراني، ولرؤيته لأزمة الشــرق الأوســط، وغيرها من قضايا ومسلكيات عبرت عن التوتر بين الرجلــن في المنهج والتصرّف إزاء قضايا متعدّدة.

التعهد بحماية إسرائيل

بيد أنه مع إعادة التذكير بكل هذا ينبه شلحت الى أنه بموازاة كل ما تقدّم، لم يقلّل أوباما من تعهده بحماية أمن إسرائيل ومن التزامه بتفوقها العسكري.

ويســتذكر أنه في هذا الصدد تحديداً أشــير أكثر من مرة إلى أن صفقة المســاعدا­ت الأمريكية لإســرائيل التي أقرت أثناء ولايــة أوباما كانت الأفضل والأكثر ســخاءً. وفــي إحدى هذه المــرات اعترف الخبير الاســترات­يجي الإســرائي­لي يحزقيل درور بأن هــذه الصفقة على المدى البعيــد أهم بكثير من الخطوات التي أقــدم عليها ترامب التي وصفها بأنهــا ذات دلالة رمزية لا أكثــر، على غرار الاعتــراف بالقدس عاصمة لإســرائيل ونقل الســفارة الأمريكيــ­ة إليها، والإقرار بالســيادة الإســرائي­لية على هضبة الجولان، وإعلان وزير خارجيته مايك بومبيو عن كون المســتوطن­ات في الأراضي المحتلة منذ 1967 شرعية ولا تنتهك القانون الدولي.

وفي هذا الســياق يرى الكاتب الصحافي الإسرائيلي البارز حيمو شاليف أن قرارات ترامب التي ظهرت وكأنها مفيدة لاســرائيل، مثل الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران ونقل الســفارة الأمريكية الــى القدس والاعتراف بالســيادة على هضبة الجولان وتشجيعها على التعامل الفظ مع الفلســطين­يين، كل ذلك أضر باسرائيل أكثر مما أفادهــا. ويقول شــاليف في مقال نشــرته "هآرتس " إن ترامب برأي نتنياهو هو جيد لاسرائيل، ليس مجرد جيد، بل الافضل، الذي كان وسيكون أو يمكن أن يكون.

ويلفت الى أن هذا ما يؤمن به معظم الجمهور اليهودي في إســرائيل، وهذا ما يقتنع به العالم، أصدقاء وأعداء على حد ســواء. موضحا ان الرئيس الـ 45 ربما تسبب بضرر كبيــر للمكانة الدوليــة للولايــات المتحدة وهز نظامها وأضــر بمكافحتها لفيروس كورونــا وزرع فيها الخوف والكراهية، لكن مع إســرائيل هــو مئة في المئة، بل حتى ألف في ألــف : التطبيع مع الدول العربية، الذي في مركزه قصة الغرام الســاخنة والمفاجئة بين إسرائيل واتحاد الإمــارات، هو ملخص خالص لــكل الخير الذي يغدقه ترامب على إسرائيل منذ انتخابه. برعاية الجبهة الموحدة ضد ايران وبعد أن تمت إهانة الفلسطينيي­ن وتم دفعهم الى الهامش، وبفضل المؤامرات من وراء الكواليس التي ربما من الأفضل أن لا نعرف عنها الى الأبد، حصلت إســرائيل على ثروة اقتصادية وسياســية بسعر زهيد مقابل التنازل عن الضم الخطير والضار أصلا.

كما يقول غنه خلافا لبادرات حسن نية اخرى مسجلة لصالــح ترامب، يصعب العثور على شــخص يخالف او ينفي فائدة التحالف الخليجي الجديد، باستثناء اليسار الذي يخشى من رد الفلســطين­يين، وأقصى اليمين الذي يخشى من التنازلات. ويقول شــاليف في معرض تبرير رأيه إن نقل الســفارة الأمريكية الــى القدس والاعتراف بسيادة إســرائيل في هضبة الجولان، وصفا في الواقع مثل أجراس المسيح، ولكن مع مرور الوقت صوتها توقف ولم يبق لها أي ذكر.

امريكا تعطس فتصاب إسرائيل بالتهاب رئوي

كما يتســاءل هل إيــران المزدهــرة والمقبولة في ظل قيود الاتفاق أكثر خطرا علىإسرائيل من إيران المخنوقة والغاضبة والمتحررة من قيودها؟

كما يشير ايضا لخطورة تنصل ترامب من اتفاق دولي موقع عليه والشــرخ بين الولايات المتحدة وكتلة الدول الديمقراطي­ة التي تستند إســرائيل على دعمها القيمي،

رغم الانتقاد الموجه لها منذ تأسيسها، معتبرا ان الخطوة أحادية الجانب أضرت بمصداقية وقيادة امريكا المرتبطة به اإسرائيل جدا.

وتابــع "غذا كانت إســرائيل تصــاب بالتهاب رئوي عندما تعطس امريــكا، مثلما قال ليفي اشــكول، فما هو مصيرها عندمــا تكون أمريكا مقســمة داخليا ومحتقرة من الخارج ومؤسساتها مشــلولة ونظامها الديمقراطي في خطر ومهزومــة على يد فيروس ورئيســها الجاهل والمتعالي اصبح مضربا للامثــال؟ مطلوب عمى متعمد، الموجــود لدينا بغزارة، من اجل تجاهــل أن الضرر على إسرائيل هو مباشــر وخطير. ترامب معجب بالأشخاص الديكتاتور­يــن وهو يشــمئز مــن الزعمــاء المنتخبين، ونتنياهو يسير في اعقابه برغبته الذاتية وليس بسبب العمى.

كما يؤكد أن الرئيس الأمريكــي عزز توجهات عدائية في كل العالم، وبدونه من المشــكوك فيه أن نصل الى ما وصلنا إليه.

ويقول إنــه خلافا لكل أســافه، ترامــب لا يهتم ولا ينتقد، وبالتأكيد لا يضغط على إسرائيل من اجل تحسين معاملتها للفلســطين­يين أو من أجل الحفــاظ على حرية الاســرائي­ليين. ويتابع "لو أنه لم يكن رئيسا، مثلا، لكان من المشكوك فيه أن يكون قد ســن قانون القومية، الذي غرس إســفينا بين الدولــة اليهودية والأقليــا­ت فيها" . ويرى على غــرار مراقبين إســرائيلي­ين آخرين أنه لولا ترامب، فعليا ربمــا لما أصبح نتنياهو رئيســا للحكومة في الانتخابات الأخيرة، الصداقة المدهشــة بينهما بدون شــك عززته في أوقاته الصعبة. ترامب تدخل مرتين من أجل إنقاذ حليفــه، المرة الاولى اعترف بالســيادة على هضبة الجــولان قبل لحظة من انتخابات نيســان 2019 . والمرة الثانية كشــف عن "صفقة القرن" قبل دقيقة من فتح صناديق الاقتراع فــي مارس/ آذار 2020 ، وربما أنه اعطــى لنتنياهو الدفعة الاخرى التي ابقته في الحكم من اجل أن يواصــل تخريبه الى أن يتملــص من محاكمته. ويخلص شــاليف للتحذيــر من تبعات اســتمرار حكم ترامب بالتســاؤل: إذا مع اصدقاء مثل هؤلاء من يحتاج الى اعداء؟.

الانتخابات في امريكا ... أرض محروقة

ودون التطــرق للتبعات المحتملة على إســرائيل يرى المعلق في" يديعوت أحرونوت" سيفر بلوتسكير أنه يكاد يكون كل شــيء يفصل بــن ترامب وبايدن: الأســلوب، والمضمــون، والنبرة، والفكرة. تقريبــا، إذ مع ذلك هناك شيء واحد مشــترك يميزهما ويخلق حلفا خفيا بينهما: فهما غير مناســبين لقيادة الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة، فهما كبيران في الســن اكثر مما هو مرغوب فيه. ويفهمــان الواقع حولهما اقل بكثيــر من المتوقع من أناس يدعون الوقوف علــى رأس القوة العظمى الأقوى والأكثر نفوذا. ويتابــع "ليس الأول ولا الثاني مصنوعين من مادة قيادية لازمة لإنقاذ أمريكا من الأزمة" .

وبرأي بلوتسكير فإن بايدن هو بالفعل مرشح سيىء وترامــب بالفعل رئيس ســيىء، ومع ذلــك لا توجد هنا مساواة في رؤية المستقبل. ترامب كرئيس في ولاية ثانية ســيعمق ويوسع الاضرار التي سبق ان الحقها في الوقت الذي يمكن لبايدن كرئيس في ولايــة أولى ان يحتملها "فقط " لانعدام الوســيلة التي تميز حياته السياسية غير اللامعــة. وبالتالي فــان جو بايدن افضــل، ليس بفضل ذاته، ليس بفضل ما هو بــل بفضل ما ليس هو: هو ليس ترامب. هو النقيــض لترامب وبالتأكيــ­د يحتمل انه في الأجواء السياسية السامة لانتخابات أمريكا2020 يكفي هذا لأجل الانتصار.

 ??  ?? دونالد ترامب
دونالد ترامب
 ??  ?? جو بايدن
جو بايدن

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom