Al-Quds Al-Arabi

المغرب: منظمتان دوليتان تثيران الانتباه إلى حدة الفوارق الاجتماعية وحزب معارض: الحكومة منشغلة عن أزمة كورونا بتبادل الاتهامات

توالي الانتقادات الموجهة لمشروع الموازنة العامة 2021

- الرباط ـ «القدس العربي» من الطاهر الطويل:

ما زالت تتوالى ردود فعل الأحزاب السياسية والمنظمــا­ت الأهلية على طريقــة تعامل الحكومة المغربية مع جائحة «كورونا» وكذا من التوجهات الكبــرى التــي تتحكــم فــي مشــروع الموازنة العامة للعــام 2021 وانعكاســا­تها على الظروف الاجتماعيـ­ـة والماديــة للمواطن المغربــي. فإلى جانــب الموقف الجديــد الذي أعــرب عنه حزب «الأصالــة والمعاصــر­ة» المعارض، بــرز موقفان آخران لمنظمتين دوليتين مُمثّلتين في المغرب، هما: « أتاك» المناهضة للعولمة الرأسمالية، و»أوكسفام» المختصة بمحاربة الفقر.

اجتمــع المكتب السياســي لحــزب «الأصالة والمعاصرة» في الرباط، عشــية الثلاثاء، وأصدر بلاغاً تلقت «القــدس العربي» نســخة منه، مما جاء فيــه أن أعضاء المكتب توقفــوا عند مختلف التحديــات الخطيــرة التي تفرضها انعكاســات جائحــة «كورونا» على مختلــف مناحي الحياة، وعلى الأرقام المهولة التي أمست يسجلها المغرب، ســواء في عدد المصابــن، أو في عــدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بهذا الوبــاء؛ مؤكدين على أنه فــي الوقت الــذي كان فيه الشــعب المغربي يأمل من الحكومة بذل مجهود أوفر واســتثنائ­ي لمواجهة هذه الأزمــة، غرقت مكوناتها في خلافات وصراعــات وتبــادل الاتهامــا­ت حــول العملية الانتخابية المقبلة )2021( وهو أمر ـ يضيف البلاغ ـ يوضح بجلاء حجم التفــكك الكبير الذي باتت تعيش على وقعــه الأغلبيــة الحكومية، وحجم العجز الفكري والإبداعــ­ي الذي تعانيه الحكومة في مواجهة أزمة «كوفيد 19» وباقي التحديات.

أما بالنســبة لمشــروع الموازنة العامــة، فأكد «الأصالة والمعاصرة» أن مضمون المشــروع يمثل من جديد حجــة على افتقاد الحكومــة للبوصلة الاقتصاديـ­ـة وللرؤية السياســية، ومــن ثم فهو

يعكس فشــلها الذريع في مواجهة المســتجدا­ت وعلى رأســها تحدي وباء كوفيد 19 إذ في الوقت الذي يمر فيه العالم والمغرب من أزمة استثنائية، بســبب وباء اســتثنائي بلغــت تداعياته جميع مناحي حيــاة المواطنــا­ت والمواطنــ­ن، لم تجد الحكومة أي حرج في تقديم مشــروع قانون مالي عادي لم يخرج عن دائرة توجهات قوانين المالية )الموازنات العامة( الســابقة، حيث الحرص على المحافظة علــى التوازنــا­ت المالية على حســاب القرارات الجريئــة وإعادة ترتيــب الأولويات، وعلى حســاب إبداع الحلول الناجعــة لمواجهة الأزمات، بــل إن الاعتماد على فرضيات وتوقعات مغلوطة لا تراعي واقــع الأزمة يؤكد بالملموس أن هذه الحكومة غير مؤهلة لإدارة قضايا وشــؤون المواطنات والمواطنين، حسب تعبير البلاغ نفسه.

سياسة ليبرالية

ضمــن الإطار نفســه، وجّهت جمعيــة « أتاك المغرب» التي تُعنَى بمناهضة العولمة الرأســمال­ية انتقادات شــديدة للحكومــة المغربيــة، مُعبّرة عــن رفضها جعل جائحة «كورونــا» مطية لإفقار الأغلبية الشــعبية عــن طريق فــرض مزيد من السياسات الليبرالية.

وأصــدرت بياناً على هامش انعقاد مجلســها التنسيقي عن بعد، تحدثت فيه عما أسمته «حجم الدمار الذي أصاب الخدمات العمومية في قطاعات الصحــة والتعليم والمواصلات العامة والســكن وغيرها مــن الخدمات الضروريــة لحياة كريمة، بفعل انعكاســات جائحة «كورونــا» في المغرب. وأوضحت الجمعيــة أن «هذا الخــراب هو نتاج عقود من سياســات التقويم الهيكلي والتقشــف وتفاقم المديونية العمومية واتســاع الفوارق بين الأقلية الأكثر غنى والأغلبية الساحقة الأكثر فقراً» مؤكدة أن الجائحــة أظهرت هول ما أوصلتنا إليه السياســات الليبرالية المتبعــة، وحجم الأضرار الذي ألحقته بالبشرية وبالبيئة.

ولاحظ البيــان، الذي اطلعــت عليه «القدس العربي» أن الجائحة «انتشــرت في الوقت الذي كانــت فيه الهجمــات علــى الحريــات النقابية والمكاسب العمالية في التنظيم النقابي والضمان الاجتماعي جارية على قدم وساق، من أجل تكبيل نضالات الطبقــة العاملة وتســعير التنافس في الأجور لدفعها نحو الحضيض، ســواء داخل كل بلد أو بين البلدان المختلفة».

وأعربــت جمعية « أتــاك» عــن اعتقادها بأن «النظام الاقتصادي السائد في المغرب يعتبر ثمرة مرة للتبعية الهيكليــة للدوائر الامبريالي­ة، حيث تستحوذ المجموعات الرأســمال­ية المحلية بآليات متنوعة على أهــم القطاعات الاقتصادية الحيوية بتعاون وثيق مع مجموعات رأســمالية أجنبية». ولاحظت أن هذه السياسة «نتج عنها الحكم على ثلثي الشعب المغربي بالعيش في ظل هشاشة وفقر دائمين محرومين مــن التغذية الصحية والتغطية الاجتماعية اللائقة فضلاً عن بقائه فريسة للجهل والأمية. بينما تســتحوذ البرجوازية على أقسام الثروة متعاظمة باســتمرار ومســتعملة الحديد والنار لكل مُطالب بإعــادة توزيع للثروة لفائدة المنتجين لها».

وأضاف البيان كذلك أنــه «تُخاض حرب ضد العمــل النقابي وضد كل مَن يفكــر فيه، لجعل كل المناطق تشــبه المناطق الحــرة للتصدير )الحرة للاســتغلا­ل( لضمان تنافســية مقاولات أجنبية ومحلية على حســاب حياة واســتقرار وصحة الشــغيلة التي تعمل في ظروف مادية ونفســية قاسية. بينما تفرض على شغيلة القطاع الفلاحي أجوراً متدنية وظروف اشــتغال بئيسة من أجل تعظيم أرباح الفلاحة التصديرية النهابة للموارد المائية والقاتلة للتنوع الإحيائي والتي تسهم في إفقاد المغرب لسيادته الغذائية ومواردها المائية، وتضع مناطق شاسعة على حافة العطش وتسهم في القضــاء على الواحــات ومواطنهــا... بينما تتعاظم المديونية التي تستعمل في مزيد من إثراء البرجوازيي­ن وتهرّبهم من دفع الضرائب وتماديهم

في توسيع دائرة بذخه».

وقالــت إن «الســلطات لجأت إلى اســتغلال الجائحة لمزيد مــن احتكار الثــروات وتركيزها، بينما يتم تحميل الكادحين ومســتقبل البلد أوزار دفع تكلفة الجائحة عبر لجوء كثيف للاســتدان­ة، مقابل خفض كبيــر للموازنات الموجهة للقطاعات الاجتماعية، المنخفضة أصلاً».

ورأت أن قــوى النضــال العمالي والشــعبي مدعــوة إلــى بلــورة برنامــج عمــل ومنظومة مطالــب قادرة علــى تلبية تطلعات الشــعب في العدالة الاجتماعية والتحــرر من التبعية وإقرار الديمقراطي­ة الفعلية.

وعبرت عــن دعمها الكامل للأُجــراء والعمال المطرودين فــي مختلف مناطق المغــرب وللعمال والعاملات الزراعيين وللأساتذة المفروض عليهم التعاقــد مختلف تنســيقيات التعليــم والصحة والوظيفة العمومية والمجالــس المنتخبة ومجمل النضالات النقابية في البلد.

وجددت رفضها لكل تشــريع يستهدف تكبيل الإضراب العمالي ودعوتهــا لكل الحركة النقابية وكل الأجراء للتعاون من أجل إسقاط هذا المخطط.

العدالة الضريبية

في ســياق متصل، وبالتزامن مع التســريبا­ت التي تتحدث عــن محاولة حكومة العثماني إقرار ضريبة جديدة على الموظفين والأجراء، كشــفت منظمة دوليــة أن العدالة الضريبية هي وســيلة فعالة للحفــاظ علــى التماســك الاجتماعي في المغرب.

وأوضح فرع المغــرب لـ«أوكســفام» (منظمة دولية غير حكومة تعمــل على تخفيف حدة الفقر في العالــم( أن الاقتصاد المغربي يجب أن يتحول لضمــان ولوج الجميــع إلى الخدمــات الصحية والتعليميـ­ـة وغيرها مــن الخدمــات العمومية. وأكــدت أنه يجب علــى الشــركات والأغنياء أن يدفعوا نصيبهم العادل من الضرائب، مما سيمكّن

ـ إلــى حد كبير ـ مــن التقليص مــن الفجوة بين الأغنياء والفقراء وبين النساء والرجال، إذ لو تم اعتماد ضريبة تضامنية على الثروة بمعدل 5 في المئة، لكان الدخل» الذي تم إنتاجه كافياً لمضاعفة إنفاق المغرب للاستجابة لفيروس «كورونا».

وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة «المســاء» عن أسماء بوسلامتی، مســؤولة برنامج الحكامة في «أوكسفام المغرب» قولها إن «العدالة الضريبية هي وســيلة فعالة للحفاظ على التماسك الاجتماعي، إذ تســاعد على تقويم أوجه عدم المســاواة، من خلال تــدارك اختلالات توزيع الثــروة، وتعبئة الموارد اللازمة لتمويل البنية التحتية والخدمات العمومية التي تعود بالنفع على المجتمع بأكمله».

عدم المساواة

وتجــدد «أوكســفام» تأكيدها علــى الحاجة الملحة، في هــذا الوقت الــذي تتفاقــم فيه أزمة الفوارق الاجتماعيـ­ـة في المغرب، إلى توفير المزيد من العدالة والوضوح فــي النظام الضريبي، من خلال جعل الأغنياء والشركات الكبرى يساهمون بشكل أوسع لحماية الفئات الهشة.

وأشــارت المنظمة الدولية إلى أنه تم تســليط الضــوء، مؤخراً، على مؤشــر اعتمدتــه منظمة «أوكســفام» لقياس التزام الدول بالحد من عدم المساواة، ويستند هذا المؤشــر إلى تحليل التزام كل بلد اعتمــاداً على ثلاث ركائــز، أولها الإنفاق الاجتماعي على الخدمات العمومية، مثل التعليم والصحــة والحمايــة الاجتماعية، التــي لها أثر تدريجي وتســهم فــي الحد من مســتويات عدم المســاواة؛ وثانيها فــرض ضرائــب تصاعدية، من خلال زيــادة الضرائب على أغنى الشــركات والأفــراد، من أجل إعــادة توزيع المــوارد داخل المجتمع وضمان تمويل الخدمات العامة ومستوى الأجور، وأخيراً تعزيز حقوق العمال، ولا ســیما بالنسبة للمرأة التي تشــكل رافعة أساسية للحد من عدم المســاواة. وأظهرت النتائــج أن المغرب

يحتــل الرتبة 121 من مجموع 157 بلداً، مســجلاً انخفاضــاً كبيــراً في المؤشــر الفرعــي للإنفاق الاجتماعي الرتبــة )103( والضرائب التصاعدية )الرتبــة 137( وحقــوق العمال )الرتبــة 101.) مضيفــة أنه ليــس من المســتغرب أن نــرى أن السياســات العمومية للحد من عدم المساواة غير كافية وغير فعالة إلى حد كبير ولا تؤثر على جميع مكونات المجتمع بنفس الطريقة، ولا سيما آثارها على السكان الأكثر هشاشة.

ولاحظــت «أوكســفام» أن «كورونا» ســلط الضوء على هشاشة النظام الصحي المغربي الذي كان يعاني بالفعل من عيوب موجودة من قبل، من بينها تمركز 50 في المئة من عدد الأطباء في المغرب في جهتــي «الــدار البيضاء ســطات» و«الرباط القنيطرة» وليــس من قبيل المصادفــة أن هاتين الجهتين تخلقان 47,9 من ثــروة البلاد، ولا يملك المغرب اليوم سوى 7,1 طبيب لكل 10 آلاف نسمة، في حــن أنه من الضــروري أن يعتمد المواطنون على نظامهم الصحي في ظل هاته الجائحة.

ويرى عبد الجليل لعروســي، مسؤول الترافع والحملات في الفرع المغربي لمنظمة «أوكسفام» أن «المغرب لم يكن جاهزاً للتعامل مع هذه الجائحة، فلم تبذل ســلطات البلاد جهــوداً كافية للحد من عدم المســاواة، وبالتالي فــإن المغاربة هم الذين يتحملون نتائج هــذه الأزمة، ومن المؤكد أنه كان باســتطاعت­نا الحفاظ على الكثير مــن الأرواح، سواء كانت تتعلق بالفيروس أم لا».

يذكر أن وزارة الصحة المغربية أعلنت، مســاء أول أمــس الأربعــاء، عن تســجيل 3577 إصابة جديدة بفيروس كورونا المســتجد، و2796 حالة شــفاء، و52 حالة وفاة خلال 24 ســاعة. وبذلك رفعت الحصيلة الجديدة العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكــدة في المغرب إلــى 182 ألف و580 حالة منذ الإعلان عن أول حالة في 2 آذار/ مارس الماضــي، ومجموع حالات الشــفاء التام إلى 151 ألفاً و634 حالة، فيما ارتفع عدد الوفيات إلى 3079 حالة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom