Al-Quds Al-Arabi

انسداد الأفق في المغرب يرسم المآسي في مصائر المهاجرين عبر البحر

- الرباط ـ «القدس العربي» من سعيد المرابط:

الهجرة غيــر النظامية ليســت أرقامًا وإن كانت كالأرقــام لا تنتهي مآســيها، بل هي أســماء لأناس عبروا الحــدود والعباب وتركــوا وراءهم عائلات وأبناء وحيوات محاها الغياب.

شــباب من الحســيمة )شــمال المغــرب( تركوا حياتهم فــي إفريقيا لمحاولة بنــاء حياة جديدة في أوروبا، وهي حلقة من سلسلة قصص وراء الشباب الذين يقفزون في البحر بأمل، ولكن دون الكثير من اليقين، فتلك طريق لها مخرجان: الوصول أو الموت؛ والعديد من تلــك المغامرات تبقــى معلقة بلا أخبار جديدة، ويتعلق الأصدقاء والعائلة بتلابيب الأثير وهم ينتظرون مكالمة أو رسالة.

وتلــك حــال أمة فــي المغــرب، ســئمت حياتها واختارت البحث عن حياة أخرى تشبه الحياة؛ كما هو الحال بالنسبة لعثمان وشــابين آخرين، كانوا ينتظرون في الحسيمة الأمل، وهي مدينة في شمال المغرب، ولكن انتظار الأمل في المغرب يشبه «انتظار غودو» فغــادروا منها في الـ11 من تشــرين الأول/ أكتوبر، ومنذ ذلك الحين - اســتمروا لمدة 10 أيام - لم يُعرف أي شيء عنهم.

يقــول صديــق عثمــان، موضحًا أن الشــابين الآخرين يمكن تسميتهما حمزة ووحيد، غادرا على دراجة مائية، لكــنْ لا يعرف «ما إذا كانا قد وصلا أو غرقا .»

ويقوده اليــأس إلى الاعتقاد بــأن المهاجرين لا ينجون فــي كل مرة، وتأتي الأخبار عادة عن مهاجر متوفى، كما حدث يوم الأربعاء في ســبتة، حيث تم العثور على جثة شاب على شاطئ «لاريبيرا».

وقبل اثني عشــر يومًــا، غادر هؤلاء الشــباب الثلاثة الحســيمة بهــدف الوصول إلى الســاحل الأندلسي، وفق ما قالوه لأصدقائهم، الذين تواصل أحدهم عبر الهاتف مع «القدس العربي.»

ويقول هذا الصديق «إن والديهم في حالة سيئة للغايــة ولم يتلقوا أي معلومــات عنهم » مما يعكس تمامًا ما تعنيه معاناة الأسرة التي لا يعرف ما حدث لأطفالها، هل تمكنوا من عبور البحر بنجاح أم غرقوا بأحلامهم في الطريق؟

عثمان وحمزة ووحيد؛ أبطــال الدراما الجديدة في ميــاه البحر الأبيض المتوســط، التي يرى منها شباب المغرب المســتقبل على بعد عدة كيلومترات، وهــم يتطلعون لحيــاةٍ أفضل، شــباب لا يفكرون فــي التداعيــا­ت التي يمكــن أن تخلفهــا هجرتهم ومخاطراتهـ­ـم، ولا فيمــا يعنيه تعريــض حياتهم للخطر؛ يمعنــون النظر فلا يرون عن الهجرة بديلًا؛ في بلاد تنسد فيها الآفاق بإحكام، خصوصًا في زمن الطوارئ الذي تفرضه جائحة «كورونا».

«إنهم أصدقاؤنا وجيراننا» يشرح صديق عثمان هذا ليرمز إلى أن أولئك الذين اختفوا لديهم أســماء وأنســاب، فهم ليســوا غرقــى ابتلعهــم البحر في الطريــق، أو إن حالفهم الحظ فــي أفضل الحالات، ســيصلون إلى الساحل الآخر، ليشــار إليهم هناك أيضًا كأرقامٍ في إحصاءات الوافدين من المهاجرين.

لا نعرف أي شــيء عنهم حتى الآن، ولا نعرف ما إذا كانــوا بخير أم لا، هل غرقوا في البحر أم وصلوا إلى إسبانيا، يقول الصديق بكلمات حزينة بين التيه والحزن، ويختتم طالبًا المساعدة للعثور على ثلاثة شــبان نقلتهم أحلامهم من إفريقيا إلى أوروبا دون معرفة ما إذا كانوا قادرين على تحقيقها.

هذه الأخبار تعيد إلينا رســم الدراما المنسوجة بــن الحدود، تلــك الدرامــا التي يقــوم ببطولتها الشــباب الذين أجبروا على ترك أرضهم، والتخلي عــن عائلاتهم فــي محاولة لإيجاد فرصــة، فرصة بعيــدة عن بلاد غمرهــا اليأس، ولم يعــد لهم فيها سوى الفراغ.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom