Al-Quds Al-Arabi

قطف الزيتون في الضفة... من حدث احتفالي إلى إرهاب إسرائيلي يهدد الحياة

- عميرة هاس هآرتس 2020/10/22

■ مجموعــة المتطوعين الفلســطين­يين «فزعة» التي ينضم أعضاؤها لقاطفي الزيتون لحمايتهم من هجمات المستوطنين، تملأ الفراغ. هذا الفراغ الذي لم تملأه في أي يوم أجهزة الأمن التابعة للســلطة الفلسطينية، لأن اتفاقات أوسلو منعتهم من العمل في مناطق «ب» و «ج»؛ أي في معظم الضفة الغربية. عشرات آلاف الشباب الفلســطين­يين تدربوا على الســاح واجتــازوا تدريبــات قتاليــة وتجندوا لأجهزة الأمــن الفلســطين­ية، بما فيها الشــرطة. حســب الاتفاقات، مطلوب منهم مساعدة الشاباك والجيــش الإســرائي­لي في ملاحقة فلســطينيي­ن، والتحقيــق معهــم واعتقالهم. ويتوقــع منهم أن يمنعــوا المس بالمواطنــ­ن الإســرائي­ليين. ولكنهم منعوا من الدفاع عن فلسطينيين من هجمات زعران ومدنيين إسرائيليين. ما تبقى للسلطة هو «الإدانة» ولأجهزة أمنها ـ نقل شــكاوى الفلسطينيي­ن الذين تمت مهاجمتهم إلى الشرطة الإسرائيلي­ة )قبل وقف التنسيق( وتوثيق الهجمات في سجلاتها.

وســائل الإعلام الفلســطين­ية التي أعلنت في بداية الشــهر عن تشــكيل «فزعة» لموســم قطف الزيتــون للعــام 2020، لم تطرح هــذه المجموعة الجديدة هكذا. لقد اقتبسوا أحد مؤسسيها، محمد الخطيــب من بلعين، الذي قال إن «فزعة» (إســناد أو طلب مســاعدة في الحرب( هي تقليد فلسطيني يعني هبة جماهيرية لمساعدة أشخاص في ضائقة. نشــاطات «الفزعة» في 1948 محفورة في الذاكرة الجماعية الفلســطين­ية. ففي حينه، أخرج ســكان القرى الفلســطين­يين ســاحهم من المخابئ وهبوا لمساعدة المقاتلين الفلسطينيي­ن المنظمين في المعارك مع المنظمات المسلحة لليشوف اليهودي.

قطــف الزيتــون ليس مجــرد نشــاط زراعي موســمي ومصدر للــرزق، هو حــدث ثقافي مثلما هو حــدث عائلي تشــارك فيه كل الأجيــال، وهو حدث احتفالــي ينتظرونه بفارغ الصبر، وهي أيام تتجند فيها كل العائلة، مــن الصغير حتى الكبير، ويتم فيها نقل التراث مــن الجد إلى الحفيد. ولكن تحول قطف الزيتون في عشرات القرى في الضفة إلى خطــر يهدد الحياة بســبب القرب مــن البؤر الآخذة في التمدد ومن المســتوطن­ات التي ولدتها. عنف المستوطنين ورفض الســلطات الإسرائيلي­ة للجمها، خلقت تأثيراً كابحاً: لا يتجرأ الجميع على المخاطرة، لا يريد الجميــع أن يأخذوا معهم الأولاد والنساء كي لا يصابوا بالضرر.

خلافاً لفزعــة 1948، المتطوعون في هذه الأيام غير مســلحين بالســاح، بل اكتفــوا بالتصميم والشــجاعة والوعي السياســي... بــأن التخلي عن المــزارع والقرية يســاعد في مشــاعر التفكك الاجتماعي. محمد الخطيب كان من مؤسسي لجنة التنســيق في النضال ضد جــدار الفصل في بداية ســنوات الألفين، وبسبب نشاطه هذا اعتقل وحكم عليه وســجن. إذا كان يمكن اســتنتاج شيء من ماضيه هذا، فإن المتطوعين يأخذون في الحســبان أن الجيش الإســرائي­لي ســيعتقلهم. عندما يدور الحديث عن فلســطينيي­ن، فإن دفاعهم عن النفس يعتبر مخالفة وذريعة للاعتقال.

حسب أقوال المجموعة، فإن حوالي 200 متطوع انضموا إليها حتى الآن، ويمكــن أن يعملوا طوال ثلاثة أسابيع حتى انتهاء موســم قطف الزيتون. ولكن العنف ليس خاصاً بهذا الموسم فحسب، إنما يمتد طوال العام، ويبقى المزارع الفلسطيني وحيداً في المعركــة، وكأن الأمر قضية شــخصية، وكأنه أيضاً ليس طريقة تتبعها إســرائيل لتقليل الفضاء الفلسطيني كله.

العنف الموضعي في موسم قطف الزيتون جزء من مجموعــة كاملة من الإجراءات الإســرائي­لية، التي خلقــت تأثيراً مهدئــاً أو أزالــت البهجة عن العمــل الزراعي ذاتــه. في عدد مــن المناطق يمنع الجيش الإسرائيلي الفلسطينيي­ن من الوصول إلى أراضيهم «من أجل منع الاحتكاك» مع المســتوطن­ين العنيفين، ويســمح به فقط لعدة مرات في السنة: في حالة زراعة الحبوب: حرث، وزراعة، وحصاد. في حالة أشــجار الزيتون: قطف، وتقليم، ورش، وحراثة. لهذا الســبب، تنازل المزارعون عن عادة زراعة الخضراوات بين الأشجار للاستهلاك المنزلي أو للبيع بحجم قليل.

وجــزء من أصحاب الأراضي التــي وراء جدار الفصــل، تحولوا رغمــاً عنهم إلــى مزارعين لأيام معدودة في كل سنة. مثلاً، سكان قريتي بدو وبيت اجزا، الذين باتت بســاتينهم محبوسة في منطقة مســتوطنات «جفعات زئيف» و«جفعــون». «في يوم ما كانت هذه البساتين مناطق استجمام وتنزه للعائلة في أيام الجمع» قال أحد ســكان بدو، وهو ينتظر أن يفتح الجنود البوابة الزراعية في الجدار. «كنا نأتي للعناية بها عدة مرات في الأسبوع. اليوم نزورها وكأننا نزور ابناً في السجن.»

لآلاف العائــات الفلســطين­ية عشــرات آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة المحبوسة

مجموعة من المتطوعين الفلسطينيي­ن «فزعة» ينضم أعضاؤها لقاطفي الزيتون لحمايتهم من هجمات المستوطنين

وراء جدار الفصــل. 74 بوابة زراعية وضعت على الجــدار، معظمها )46( تعتبر «بوابات موســمية» وتفتح فقط بضعة أيام في السنة، و28 بوابة أخرى تفتح طوال أيام الســنة أو علــى الأقل ثلاث مرات في الأسبوع. الجنود يأتون، يفتحونها ويغلقونها بعد فتــرة قصيرة، ثلاث مرات في اليوم. منذ إقامة الجدار. شددت إســرائيل بالتدريج الشروط التي تسمح بالحصول على تصريح دخول إلى الأراضي، وأخذ عدد التصاريح في التضاؤل ومعها عدد أبناء العائلــة الذين يصلون إلى بســاتينهم. الشــباب بشــكل خاص يظهرون اهتماماً أقل فأقل بكل هذه المتاعب.

كل تصريح دخول يعطــى بعد فحص وإضاعة وقت وركض بين مكاتب الإدارة المدنية. قلة الأيدي العاملة تظهر جلية في الأشواك بين الأشجار، وفي الأوراق اليابســة والثمار غير المقطوفــة. أحيانًا يجبر المزارعون علــى المرور عبــر بوابات بعيدة والوصول ســيراً على الأقدام إلــى أراضيهم، ولا يحصل الجميــع على تصاريح للدخول بواســطة تراكتور أو عربة يجرها حمار. باســتثناء ساعات فتح البوابات، ليس لهم سيطرة على ما يحدث في أراضيهم. المحاصيل والمعدات تتم ســرقتها. يقوم مجهولون برمــي النفايات فــي أراضيهم، وتندلع الحرائق فيها بسبب الإهمال أو قنبلة صوت ألقاها الجنــود، والمزارعــ­ون الفلســطين­يون يعتمدون على حســن نوايا الإطفائية الإســرائي­لية. هنا لا ينفع متطوعو «الفزعة»: هذه فــي الحقيقة أراض فلســطينية خاصة وعامة، ولكن دخولهم ممنوع. الدخول الحر إلى الأراضي الفلســطين­ية مسموح فقط للإسرائيلي­ين والسياح.

إن نظرة الفلســطين­يين لهــذا الوضع تتراوح بين نوع من الشــفقة على الســلطة الفلســطين­ية وبين الغضب والاســتهز­اء منها. «مــاذا يمكنها أن تفعل؟» يسأل المزارعون الذين منعوا من الوصول إلــى أراضيهم بســبب عنف مســتوطنين أو قيود الإدارة المدنية. هناك من يستنتجون من العجز أن «الســلطة لا تهتم بالأمر تماماً» هكذا تدق إسرائيل إســفيناً آخر من الاغتراب وعدم الثقة بين المواطن الفلسطيني ومؤسسات الحكم الذاتي الفلسطيني العاجز.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom