Al-Quds Al-Arabi

الشارع اللبناني في الذكرى السنوية للمظاهرات: سنواصل

- تسفي برئيل ■ هآرتس 2020/10/22

« نحن جيل 17 أكتوبر» أعلن المتظاهرون الذين خرجوا إلى شوارع بيروت السبت الماضي للاحتفال بمرور سنة على اندلاع المظاهرات العاصفة التي جرت في تشرين الأول 2019. أصيب المئات واعتقلوا منذ ذلك الحــن، واندلعت مواجهات شــديدة بين قوات الأمن ورجــال حزب الله وبين الشــباب المحبطين، وفي نهايتها ســقطت حكومة سعد الحريري وبقي لبنان بــدون حكومة تقــوم بأعمالها بعد أن حاول رئيســا حكومة آخران تشكيل حكومة، دون أن ينجحا في ذلك. اليوم يتوقع أن يكلف رئيس لبنان، ميشيل عون، بتشكيل الحكومة مرشحاً ما زال اســمه مجهولاً، وما زال هناك عدم اتفاق على من يمكن أن ينقذ لبنان من الأزمة السياســية الأكثر صعوبة والتي شهدتها منذ الحرب الأهلية.

حوّل المتظاهرون الذكرى الســنوية إلى يوم لمحاســبة النفس وإجمال الإخفاقات والنجاحات. نشرت عبر الشبكات الاجتماعية ووســائل الإعــام التقليدية مئات المنشــورا­ت والمقالات التي يظهر فيها الإحباط واليأس من إصلاح الدولة، التي يعيش حوالي نصف ســكانها على خط الفقر أو تحته. وكنجاح، أشــار المتصفحون إلى إســقاط حكومة الحريري، وأخوة الاحتجاج التي تجاوزت الطوائف والأديان والأعمار والجنس، والإبداع الفني الذي ازدهر في فترة المظاهرات.

نُظر إلى الســخرية والنــكات التي انتشــرت في فترة المظاهــرا­ت على أنها الســاح المتظاهرين الفعــال. «النكتة حررت النظام من صورته الذاتية وقدسية رموزه» كتب زياد توبة في موقع «درج». «صحيح أنه ليس لدينا في الشــوارع تماثيل لزعماء نســتطيع تحطيمها، لكن النكت حلت محلها». في إحدى النكت التي جاءت من السخرية الحادة للممثل زياد عيتاني، الذي اعتقل في السابق بتهمة التعاون مع إسرائيل، كتب: «المظاهرات وإغلاق الشــوارع هي تلــك التي أدت إلى وقف القطارات في لبنان )في لبنان لا يوجد قطارات( وإلغاء تجربة إطــاق القمر الصناعــي «أرز 3» وتقليــص الإنتاج الإلكتروني اللبنانــي والتصدير إلى اليابــان». بنغمة أكثر جدية، صرخ كاتب المقال جوزيف أبو فضل، على زعيم حزب القوات اللبنانية ســمير جعجع، الذي غرد: «نحن مع الثورة حتى تحقيق أهدافها». «كيــف أصبحتم فجأة مع الثورة، لقد كنتم موجودين في كل حكومات لبنان منذ العام 2005؟».

رسوم كاريكاتوري­ة اســتهزأت بزعماء النخب السياسية ملأت حســابات «تويتر» و«فيسبوك» وعلى الجدران العامة تم رش شعارات «كلن يعني كلن» أي يجب إقصاء كل القيادة وعــدم إبقاء أحد. «أين هو الاقتصاد الــذي افترس توفيرات المواطنــن وأزهق حياتهم، أين هي الخطــة الاقتصادية ومن أفشل تنفيذها؟

أين هي برامج التطوير والاســتثم­ار؟» سأل المتصفحون الذين نشروا في الأســبوع الماضي أفلام فيديو قصيرة على الإنترنت يظهر فيها شــباب وشــابات وطلاب ومحاضرون ومحامــون ومواطنــون عاديــون، الذيــن احتجــوا على مســتقبلهم المدمر وتحدثوا عن نيتهم فــي الهجرة من لبنان. حسب اســتطلاع أجري هذا الشــهر في لبنان، فإن أكثر من 77 فــي المئة من المســتطلع­ين قالوا إنهم بــدأوا في إجراءات الهجرة من الدولة أو أنهم يفحصون بجدية فعل ذلك. هذا هو المعدل الأعلى من بين مواطني الدول العربية. في «فيسبوك» و«تويتر» يريد شــباب معلومات عن خيارات الهجرة، وعن اختبارات اللغة وعن ملاءمة الشــهادات الجامعية للمطالب التي في الخارج. بيانات رسمية تتحدث أيضاً عن أن الطبقة الوســطى تقلصت من 57 في المئة في الســنة الماضية إلى 40 في المئة تقريباً هذه الســنة. هذه هي الطبقة التي من شــأنها تحريك اقتصاد الدولة، وهي آخذة في الاختفاء.

الذكــرى الســنوية للمظاهرات اســتغلها الرئيس عون للحصول على القليل من الرأس مال السياسي، وأن يتحاسب مع منتقديه والقيادة «المسؤولة عن الضرر الذي أصاب لبنان طوال عشرات السنين، والتي ما زال جزء منها يسيطر ويعمل مثلما في السابق».

في الخطاب الذي ألقــاه، صرخ بـ «الزعماء الذين أطلقوا شــعارات واعدة، لكنهــا فارغة من المضمــون. كانت وعوداً مســمومة لم ير فيها الشعب اللبناني أي إنجاز، وعوداً قضت على الحاضر والمستقبل وعلى استقرارنا.

لم يكن هذا هو الخطاب الــذي توقعته حركة الاحتجاج، التي يرى قادتها في الرئيس عون المتهم الرئيســي بالأزمة. « كان هذا تعبيراً عن جبن عون، وعجــزه وعدم أهميته» كتب أحد المتصفحين في حســابه على «تويتر» فوراً بعد الخطاب. توقع لبنان ســماع أقوال حاســمة أكثر يعلن فيها على الأقل عن المرشح لرئاسة الحكومة، لكنه اكتفى بمقولة عامة تقول: «سأواصل التشــاور ولن أضع فيتو على أحد». من هنا يمكن الفهم بأن سعد الحريري الذي طرح ترشحه من جديد لتولي هــذه المهمة، غير مرفــوض في نظره، رغم الخلاف الشــديد الذي وقــع بينه وبين صهر عون، جبران باســيل، الذي كان وزير الخارجية في الحكومة السابقة للحريري، وكان من بين العوامل الأساسية التي أدت إلى استقالته.

ولكن أيضاً إذا ألقى الرئيس مهمة تشــكيل الحكومة على الحريــري، فمن المتوقــع أن يواجه نفــس الصعوبات التي رافقت أســافه الذين فشلوا. هل ستكون هذه حكومة خبراء أم حكومة علــى قاعدة طائفيــة، مثلما كانــت كل حكومات الماضي؟

هل ســيكون حزب الله شــريكاً فيها بصورة مباشــرة أم بواسطة مندوبين «خبراء» سيرسلهم من طرفه؟ هل سيكون بامكان رئيــس الحكومة اختيار وتعيــن وزراء كما يريد أم سيكون خاضعاً لإملاءات؟ حسب تجربة الماضي، فإن عملية تشكيل الحكومة تستمر أحياناً أشهراً طويلة، فترة زمنية غير متوفــرة الآن للبنان. هي ملزمة بعــرض حكومة متفق عليها خلال فترة زمنية قصيرة كي تســتطيع البدء في تسلم أموال المســاعدا­ت التي وعدت بها، بما في ذلك قروض من صندوق النقد الدولي وإجراء إصلاح اقتصادي يبرر إعطاء القروض.

كل تأخير ســيكلف لبنان عشرات ملايين الدولارات يومياً بســبب شــل ميناء بيروت الذي دمر في الانفجــار في آب، وقتل فيه حوالي 200 شــخص، وبقي نحو 300 ألف شخص بلا مأوى، والفوائــد على القروض التي لم يتم تســديدها، وتنضم إلى الدين العام الضخم الذي قدر بأكثر من 100 مليار دولار، وبتقليص شديد في احتياطي العملة الصعبة وتجميد الاســتيرا­د وتقليص دراماتيكي للإنتاج بســبب عدم القدرة على استيراد المواد الخام، والدين المتراكم للعمال في القطاع العام الذين تأخرت رواتبهم منذ أشهر.

فــي الذكــرى الســنوية للمظاهــرا­ت خرجــت حركات الاحتجاج تحمل رايــة جديدة، «ســنواصل»؛ أي يتوقع أن تشتعل الشوارع من جديد. ولكن يبدو أن، مثلما هو الأمر في إسرائيل، حركات الاحتجاج تعرف ماذا تريد، لكنها لا تعرف كيف تبرز القيادة الجديــدة. نجحت الاحتجاجات في لبنان في إسقاط حكومات، ولكن في كل مرة وجدت نفسها في أزمة أعمق ومع النخب نفسها التي أنبتت جذوراً سميكة في مراكز القوة والمال، والتي لم يعد بالإمكان اجتثاثها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom