Al-Quds Al-Arabi

دروس حرب اليمن: فشل محمد بن سلمان في تكريس نفسه زعيما سنيا وحاجة السعودية للحماية وفضيحة باتريوت

- د. حسين مجدوبي

رغم التصعيد الذي تشهده حرب اليمن من خلال نجاح الحوثيين ضرب الأراضي السعودية بـصـواريـخ، فهذه الحــرب قد اقـتـربـت مــن نهايتها بعد قـــرار الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن وقف تسليح السعودية ووقف الذخيرة والمطالبة بوقفها رسميا. ولكن هـذه الحــرب تترك دروســا وخلاصات أبرزها كيف عجزت السعودية ذات الميزانية العسكرية الضخمة في الانتصار بل في حماية أراضيها والدور الــذي تكتسبه الصواريخ لتوازن الرعب والردع؟

واندلعت حرب اليمن منذ ست سنوات تقريبا تحــت شــعــار «عـاصـفـة الحـــزم» ورسـمـت هـدفـا معلنا وهــو احــتــواء المد الإيراني نحو اليمن عبر إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يفترض أنه انتخب رسميا «إعادة الشرعية». وفي الوقت ذاته، وظـف ولـي العهد محمد بن سلمان هذه الحرب ليقدم نفسه زعيما إقليميا وزعيما للسنة، وهـذا ما جعله يلح على مشاركة الــدول السنية مثل الإمـــارا­ت والبحرين والمغرب والأردن ومصر وقطر في الحرب، وهي الدول التي انسحبت تدريجيا.

وبعد ست سنوات من الحــرب، كانت النتائج عكسية للغاية وتضع العربية السعودية في موقف حـرج أمـام المنتظم الدولي كدولة اعتدت على جارها الجنوبي. ولعل الأكثر إثارة للقلق هو عجزها حسم حرب مع حركة لا هي بجيش منظم ولا هي بميليشيات «حركة الحوثيين».

وتمتلك السعودية ميزانية عسكرية ضخمة تقدر بـ 70 مليار دولار سنويا سنة 2019 وتأتي الثالثة في التصنيف العالمي بعد كـل مـن الــولايــ­ات المتحدة والصين

ومتفوقة على دول مثل روسيا والهند وفرنسا وبريطانيا. وهي أعلى ميزانية في العالم مقارنة مع الدخل القومي العام للبلاد، ما بين 9 إلى 10 في المئة، بينما دول مثل فرنسا تخصص أقل من 2 في المئة. وهذه الميزانية كافية لكي تجعل منها قوة عسكرية حقيقية في الشرق الأوسط توازي قوى مثل تركيا وإيران وإسرائيل. لكن هذه الحرب كشفت زيف هذه الميزانية بل وأنها مفارقة في التاريخ العسكري وذلك لسببين وهما: في المقام الأول، رغم كثرة الحديث عن صفقات السلاح السعودية، إلا أن العتاد العسكري السعودي برمته محدود للغاية لا يعكس نهائيا ميزانية 70 مليار دولار. فهذه الدولة تتوفر على عشرات الطائرات من إف 15 تفتقد لنظام جوي مضاد للصواريخ والطيران وتفتقد للذخيرة الكافية. وعمليا، كشفت الحرب كيف تعاني السعودية من الحصول على الذخيرة بعد الفيتو الأوروبي على بيعها الذخيرة وحاليا الأمريكي. ومن باب المقارنة، فهذه الميزانية لوحدها تتجاوز كل ميزانيات أفريقيا والعالم العربي، لكن الجيش السعودي لا يمتلك جاهزية جيوش أفريقيا مثل جنوب أفريقيا أو عربية مثل المغرب والجزائر ومصر.

في المقام الثاني، من مفارقات السعودية عسكريا، أنها الدولة ذات الميزانية الضخمة ولكنها لجأت إلى دول ثالثة لشن الحرب على حركة الحوثيين، حيث كان الائتلاف مكونا من السعودية والإمـــار­ات ومصر والبحرين والأردن والمغرب وقطر والسودان في البدء. ولم تستطع السعودية تحقيق أي انتصار على الحوثيين باستثناء ارتكاب جرائم في حق المدنيين وتدمير مستشفيات ومدارس أكثر بكثير من المعاقل العسكرية، حيث تتحدث الأمم المتحدة عن جرائم ضد الإنسانية. واضطرت السعودية اللجوء إلى الخبرة الأمريكية والبريطاني­ة والفرنسية لإيقاف الطائرات المسيرة والصواريخ. في هذا الصدد، بعث البنتاغون بمجموعة خبراء من صنفين، قوات خاصة للبحث عن أماكن إطلاق الصواريخ الباليستية شمال اليمن وتدميرها، ويبدو أنها لم تنجح في عملها هذا بحكم استمرار وصول الصواريخ إلى الأراضي السعودية. بينما الصنف الثاني من الخبراء هم الذين تولوا تشغيل منظومة باتريوت لاعتراض هذه الصواريخ بعدما عجز الخـبـراء السعوديون عن تشغيلها بشكل كافي.

وعلاقة بالنقطة الأخيرة، يعتبر فشل الــبــاتـ­ـريــوت فــي اعـــتـــر­اض الــصــوار­يــخ الباليستية أكبر خلاصة في هذه الحرب بل حلقة دخلت التاريخ العسكري العالمي. فقد فشل الباتريوت الذي يعد من أنظمة الدفاع الجوي المتطورة في العالم، ويأتي في الولايات المتحدة بعد نظام الثاذ، في اعتراض صواريخ باليستية ليست متطورة للغاية. وكانت جريدة «نيويورك تايمز» قد نشرت يـوم 5 كانون الأول/ديسمبر 2017 عند سقوط أول الـصـواريـ­خ على السعودية خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2017 واستهدف مطار خالد العسكري أن فشل نظام باتريوت في اعتراض صواريخ الحوثيين مقلق جدا للأمن القومي الأمريكي، فهو يكشف أن اعتراض صاروخ غير متطور يطلب استعمال سبعة صواريخ باتريوت، فكيف سيكون الأمر إذا واجهت السعودية إيـــران أو إذا واجـهـت الــولايــ­ات المتحدة إيران، وكيف سيكون الحال مع الصواريخ الروسية والصينية؟

هـذا التطور جـاء ليؤكد معطى أصبح واقـعـا فـي الثقافة العسكرية أو تطور الحـروب وهو الـدور الذي أصبحت تلعبه الصواريخ في الحرب. وكان هذا التصور قد بدأ مع الاتحاد السوفييتي عندما عجز عن مسايرة الولايات المتحدة في تصنيع حاملات الطائرات راهن على الصواريخ، وتأكد في حروب لاحقة وأهمها مواجهة حزب الله ضد إسرائيل صيف 2006 وكيف جعل الحـزب من الصواريخ سلاح توازن للرعب وطـوره لاحقا ليصبح سلاح الردع الحقيقي وهـو ما جعل إسرائيل لا تقدم على أي هجوم ضد لبنان منذ ذلك التاريخ. وكانت «القدس العربي» سباقة إلى هذه النتيجة في مقال تحليلي يوم 3 أغسطس/ آب 2006 بعنوان «توازن الرعب بين سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخ حزب الله.»

الحرب اليمنية التي اقتربت من نهايتها بفضل الموقف الحــازم لــإدارة الأمريكية والإنهاك الذي أصاب السعودية وتبحث عـن مـخـرج مـشـرف ينتهي بالخلاصات التالية:

أولا، فشل ولي العهد محمد بن سلمان من خلال هذه الحرب تكريس نفسه زعيما

سنيا في العالم العربي بل شهد العالم السني مع هذه الحرب مزيدا من التدهور.

ثـانـيـا، ضعف الـسـعـودي­ـة عسكريا، وبالتالي لا يمكنها نهائيا الانتقال إلى مصاف دولة إقليمية عسكريا مثل إيران وباكستان وحتى مصر، بـل أنها دولـة في حاجة إلى دفـاع الآخرين عنها، وهي الحماية التي توفرها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

ثالثا، وضع السعودية والإمـارات أمام المنتظم الـدولـي بمثابة دول تسببت في جرائم ضد الإنسانية، حيث أصبحتا هدفا للمحاسبة وربما محاكمات في المستقبل.

رابعا، التغيير الحاصل في الحـروب، حيث جــاءت هــذه الحــرب لتبرز الأهمية التي تكتسيها الـصـواريـ­خ فـي مواجهة التفوق الجوي، حيث أصبح دور الطائرة المقاتلة ينحصر في الحسم أمام الصاروخ الهجومي. وهذا سيجر معظم دول العالم إلى اقتناء وتطوير الصواريخ للردع.

 ??  ?? صواريخ باتريوت أمريكية
صواريخ باتريوت أمريكية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom