Al-Quds Al-Arabi

شرطي عراقي يمتلك مكتبة تزيد على 17 ألف كتاب وتضم مخطوطات ومجلات نادرة

- علي لفتة سعيد

لم يكن الشرطي الذي اقتنى أول كتاب له عام 1976 يعلم انه سيكون بداية مفاتيح اقتناء الكتب التي تتحول لديه إلى هواية ترتبط بالاطلاع والمعرفة التي فتحت له أبوابا عديدة في الأدب والفلسفة والدين والتاريخ والجغرافية وكل علوم الحياة المختلفة الـتـي تتضمنها الكتب سـواء الخارجة من المطابع الحديثة أو القديمة رغـم ميله وعشقه لتحتوي مكتبته على الكتب القديمة. ولم يكن يعلم أن اسمه ابراهيم الشيباني سيتداول من خلال الكتبيين الذين ما أن يـرون قامته حتى ينادونه لكي يقتني منهم كتابا قديما حصلوا عليه فيتحول الاسم إلى ابراهيم الكتبي وهو الشرطي الذي أمضى في هذه الوظيفة أكثر من 35 عاما ليكون واحدا من أشهر الكتبيين في محافظة كربلاء بين الأدبــاء والمثقفين وبين أشهر من يقتني الكتب في العراق.

ابراهيم الشيباني أو الكتبي، حول ثلاث غرف من داره المكونة من خمس غرف إلى مكتبة عامرة تضم أكثر من 17 ألف كتاب ومـئـات المجــات وعـشـرات المخطوطات التاريخية. وتحول هو إلى خبير كتب، ما جعل الكثير من الباحثين يسمون مكتبته «المكتبة العامة .»

يقول الكتبي إن «أول كتاب كان دينيا

فقهيا لا أعرف فحواه، وكنت أريد معرفة ما يمكن ان يمنحني الفقه من المعرفة بالحياة والكون والعلاقة مع السماء». ولأن القراءة تبدأ بلحظة قدر ان يكون الكتاب الأول حاملا لتلك الجاذبية التي تمنح التركيبات الجزيئية للعقل ان تبقى أسيرة الحرف والكلمات والكتب وتتحول بعدها حتى إلى رائحة الكتب ذاتها، فقد تحولت العملية من بحث في اتجاه واحد إلى البحث عن أي كتاب من أجـل استكناه المعرفة من كل جوانبها. «حتى تحولت غرف البيت إلى أكداس من الكتب ورحت احتضنها بدلا من أولادي وصرت معروفا في دائرتي كوني الشرطي المثقف ومـعـروف بين الأدبــاء والمثقفين بأني الذي يعشق الكتب وربما يفوق عشقي لها عشق الأدباء أنفسهم.» ويضيف أنــه اشـتـرى قطعة أرض في أطـراف كربلاء ليبني عليها بيتا واسعا فيه غرف كثيرة من أجل أن تحتوي كميات الكتب التي تضاف لها آلاف المجـات والدوريات التي صدرت ليس في العراق فحسل، بل في أغلب الدول العربية وهي بين 20 ألف إلى 25 ألف مجلة ودوريــة. ويشير إلى ان «أول شخصية تعرفت عليها وزاد من ولعي وعشقي للكتب كان الشيخ علي الاحسائي صاحب مكتبة المنتظر وهذا الرجل يتعامل مع دور ومكتبات بلاد الشام ومصر، وأتذكر كتابا اشتريته منه هو تفسير القرآن». وهو ما يوضح ان البداية كانت حب القراءة التي أعدها بشكل كبير مكملا للوعي والثقافة «البدايات الأولى أيضا كانت وجود شيخ جامع أذهب معه ليستخرج كتبه القديمة وقد انبهرت بها وكان يقرأ لنا منها قصص الأولياء وتاريخ الإســـام والحـكـايـ­ات وسـيـرة الرسول )ص( ومن حاصل هذه البدايات تحولت إلى عملية البحث عن الكتاب وصرت أحب شراء الكتب بل انها تحولت إلى ما يشبه المرض .»

فحص الورق ومعرفة المصادر

يشير إلى ان وظيفته الحكومية كشرطي أمـن أعطته ميزة الـقـدرة على استنباط العمل المهني ومحبته، وربما هناك علاقة ما بين العمل الأمني والكتبي لمعرفة المصادر ومعرفة الكتاب الأصـلـي مـن المـــزور أو سرقته در نشر وطبعته من جديد، و»هذه جـاءت من التجربة والمعايشة اليومية، حيث بإمكاني ملامسة الــورق ومعرفة عمره خاصة وإن هناك أكثر من 50 نوعا من الــورق في صناعة الكتاب». ويقول أيضا «في زمن الحصار الذي استمر أكثر من 13 عاما لم أتوقف عن شـراء الكتب والبحث عنها بين المحافظات العراقية وبل أوصي من يزور الدول العربية ليقتني لي كتابا من سوريا ومصر ولبنان والأردن.

لذا مكتبتي تضم الكثير من الأجناس ولكن أكثرها تاريخية وأدبية ومنها الروايات العالمية والعربية والعراقية وكذلك كتب الفلسفة والمسرح والقصة والجغرافية والدين وعلم النفس والكيمياء والفيزياء.» ويشير إلى ان تواجده بين الكتب المختلفة حـولـه إلـــى مـصـدر لأكــاديمـ­ـيــن وطلبة الدراسات العليا والمهتمين بالشأن الثقافي وحتى كتاب الصحف الذين يحتاجون إلى مصادر لمقالاتهم. فأغلب «أصحاب الأطروحة والرسائل يلجؤون لي لأدلهم على الكتب التي تنفعهم في موضوعاتهم التي يرومون مناقشتها.»

مخطوطات قديمة

حين تنظر إلى المكتبة تجده قد أرشفها بحسب الجنس والتاريخ. فالكتب القديمة لها أرفف تصل إلى سقف الغرفة ولديه كما يقول «من المخطوطات القديمة أكثر من 22 ترجع إلى أكثر من 500 سنة أغلبها تاريخية وفلكية، وعندي نسخة قرآن كريم عمرها 400 عام وهو بخط إيراني للخطاط نعمة الله التبريزي وأيضا لدي نسخة من القرآن الكريم عمرها 250 سنة وكذلك توجد مخطوطات لابد من التحقيق فيها وإعـــادة طباعتها، ولــدي دوريــات وأغلب أعداد مجلة المقتطف المصرية 1892 العدد الأول والـهـال من عددها الأول 1892 والوقائع العراقية وجريدة الزوراء من القرن التاسع عشر، كما لدي أربعة آلاف كتاب مطبوعات في القرن التاسع عشر من أمهات الكتب ومجلات عثمانية صـــادرة فـي مصر واسطنبول والشام والعراق. أما المجلات الأخرى فهي مجلات المجمع العلمي العراقي والمجمع العلمي السوري والمجمع العلمي المصري ومجلة سومر النادرة والمورد والعربي الكويتية والفيصل ومجلات أخرى كثيرة لا يسعني ذكرها». ويلفت الكتبي بحسرة وهو يقول «لا أعرف أين ستذهب كتبي بعد رحيلي عن الدنيا خاصة وانها تكلفني الكثير، فقد خصصت ما بين 200 إلى 250 ألف دينار شهريا لشراء الكتب». منوها إلى انه قبل أن يكون شرطيا كان قارئا وان القراءة لا علاقة لها بالوظيفة، فالإنسان ابن البيئة «وأنـا ابن بيئة عراقية تحب الكتاب وقد عايشت المثقفين والأدباء» مختتما حديثه انه يفتخر ان مكتبته ربما هي أكبر بكثير حتى من مكتبات الجامعات الحكومية والأهلية وحتى المكتبات العامة وهي «ربما تكون من بعد رحيلي ثروة لأولادي وأحفادي إذا ما فكروا ببيعها». لكن المهم كما يؤكد «ان حياتي مع الكتب يطول ذكرها وان شاء الله سيكون لها صفحات في المذكرات التي أكتبها».

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom