Al-Quds Al-Arabi

الجزائر: لماذا انتهت صناعة تجميع السيارات إلى إخفاق تام دفع السلطات لإعادة النظر في مشروع علقت عليه أكبر الآمال؟

-

■ الجزائر - أف ب:أغلقت مصانع ســيارات وسُــجن مالكوهــا وطُــرد آلاف العمــال منهــا، وتحوّل مشــروع بناء مصانع لتجميع الســيارات فــي الجزائر والــذي كان يفتــرض أن يصبح فخر الاقتصــاد الجزائــري، إلــى إخفاق تــام، ما أجبر السلطات على إعادة النظر في المشروع برمته.

وفــي الشــهر الماضي قــال فرحات آيــت علي، وزيــر الصناعة في «الحكومة تســتعد لإحياء هذه الصناعة على أســس متينة تخرج عن الممارســا­ت السابقة».

وبســبب التجاوزات والاختلاسـ­ـات والفساد، انهــار مشــروع إنتاج ســيارات بوســم «صُنع في الجزائــر» الذي بــدأ في العام 2012، بشــراكة بين شــركة «رينــو» الفرنســية والحكومــة الجزائرية أثمــرت فــي العــام 2014 عــن إنشــاء أول مصنع لإنتاج السيارات بالقرب من وهران )شمال غرب( ثاني أكبر مدينة في البلاد.

وتبــع ذلــك إنشــاء ورشــات تجميــع أخــرى، عندمــا أجبــرت الســلطات وكلاء الســيارات على إنتاج بعــض القطع محلياً من خلال شــراكات مع العلامات التجارية الأجنبية.

وبعد «رينــو» الفرنســية، افتتحــت «هيونداي موتور» الكورية الجنوبية و»فولكسفاغن» الألمانية مصانــع فــي تيارت وغليزان )شــمال غــرب( في العامين 2016 و2017.

وتحــوّل القطاع إلــى أولوية بالنســبة للجزائر التــي كانــت تســعى لتقليــص وارداتهــا وتنويع اقتصادها في مواجهة تراجع عائدات النفط الذي يشكل مصدر أكثر من 90 من العملات الأجنبية.

ولكن في ربيع العام 2017، وجد القطاع نفســه في خضم جدل شــعبي كبير انتقل إلى الحكومة.

وشــجبت الســلطات «واردات مُقنَّعة» لســيارات جاهــزة، وأرســلت لجنــة تحقيــق إلــى شــركة «هيونداي» بعد نشــر صور علــى مواقع التواصل الاجتماعــ­ي لنمــاذج مســتوردة لســيارات شــبه كاملة، لا ينقصها سوى تركيب العجلات.

في نهاية يوليو/تموز 2017، قرر وزير الصناعة الأســبق، محجــوب بــدة المســجون الآن لــدوره فــي القضيــة، وقــف أي مشــروع جديــد لتجميع السيارات.

ويرجع هذا الفشــل الذريع بشكل أساسي إلى النظــام المعتمــد «أس.كــي.دي» الــذي يتمثل في اســتيراد الســيارة في أجزاء مُجمَّعة مسبقًا، يتم تركيبها في الموقع. وفتح ذلــك الطريق لتجاوزات مثــل الاســتيرا­د «الُمقنَّــع» وتحويل غيــر قانوني للأمــوال نحو الخارج، وتضخيم فواتير اســتيراد السيارات ثم سعرها في السوق.

وبعد اســتقالة الرئيــس عبد العزيــز بوتفليقة في أبريل/نيســان 2019 وإدانة العديد من رؤساء مصانع التجميع بالســجن، وعــد الرئيس الجديد عبــد المجيد تبــون بإصــاح القطــاع الذي شــابه الفســاد. وغــداة انتخابــه فــي ديســمبر/كانون الأول 2019، شــجب «بعض المشاريع التي لا يمكن وصفها بصناعة لأنها ببساطة استيراد ومُقنَّع».

ونتيجــة لذلــك، تم حظر اســتيراد قطــع الغيار لمصانع التجميع. كان هذا القرار بمثابة القشة التي قصمت ظهــر البعير بالنســبة إلى هــذه الصناعة الفتية التي تواجه أصلاً مشــاكل كبيرة منذ سجن جميــع مُلّاكها تقريبًــا في إطار تحقيقــات أجريت بعد تنحي بوتفليقة.

فــي ديســمبر/كانون الأول ،2019 أوقفــت «فولكســفاغ­ن» إنتاجهــا إلــى أجــل غير مســمى

بســبب نقص قطع الغيار وتســريح 700 عامل. ثم فــي مايو/أيــار 2020، قامــت الشــركة الجزائرية التابعــة لشــركة «كيــا» الكوريــة الجنوبيــة بغلق مصنع التجميع، ما أدى إلى طرد 1200 عامل.

وكانــت فضيحــة مصانــع تجميع الســيارات محور أول محاكمة فساد كبرى في عهد بوتفليقة، انتهــت بســجن رئيســي وزراء ســابقين )أحمــد أويحيــى وعبد المالك ســال( ووزيرين ســابقين للصناعة ورجال أعمال مثل محيي الدين طحكوت «هيونداي» أو مراد عولمي «فولكسفاغن» .

وظهر خلال المحاكمة أن هذه الشركات حصلت علــى امتيــازات تفضيليــة مثل عدم دفــع ضرائب ورســوم جمركية، علــى الرغم من عــدم احترامها كُرّاسة الشروط إلاّ نادراً.

واعتمدت الحكومة في أغســطس/آب كُرّاســة شــروط جديدة تنص خصوصاً على نسبة إدماج )كمية الأجــزاء المصنعة محلياً( تبــدأ بـ 30% عند انطلاق التشغيل.

ويــرى الخبيــر الاقتصــاد­ي مراد ســعدي أنه «مــن الوهــم الادعاء بتأســيس صناعة ســيارات دون خبــرة». ويقول مــراد، الذي يتابــع عن قرب سوق السيارات بالجزائر، أن فشل تجربة تجميع الســيارات بشــكل رئيســي تعود إلى عدم وجود صناعة مُرافِقة حقيقيــة قادرة على إمداد المصانع بأجــزاء مصنوعة في الجزائــر، وتحقيق الإدماج الذي تطلبه الحكومة.

ومؤخراً تحــدّث وزير الصناعــة، الذي تعرّض لانتقــادا­ت بســبب التأخيــر فــي وضــع كُرّاســة الشــروط، عــن «محادثــات مــع ألمــان ومتعاملين عالميين آخرين لإطلاق صناعة حقيقية للســيارات الســياحية وســيارات نقل البضائــع». لكن، حتى الآن، لم يتقدم أي مصنع.

وفــي المغــرب العربــي، راهــن المغــرب أيضــاً علــى صناعــة الســيارات، المحــور الإســترات­يجي

لاقتصــاده، بعدمــا أصبحــت القطــاع الأول فــي الصــادرات فــي البــاد. وبفضــل الامتيــاز­ات الضريبيــة والجمركيــ­ة، اســتطاع المغــرب جلــب اســتثمارا­ت ضخمة عبــر إقامة مصنــع مجموعة «رينو/نيســان» (عامي 2012 و2019( ومنافستها «بيجو» في 2019 .

 ??  ?? مصنع «رينو» لتجميع السيارات قرب مدينة وهران الجزائرية، والذي تم إغلاقه
مصنع «رينو» لتجميع السيارات قرب مدينة وهران الجزائرية، والذي تم إغلاقه

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom