Al-Quds Al-Arabi

الصندوق القومي وتوسيع المستوطنات: إسرائيل... بين استفزاز بايدن وانتظار هاتف البيت الأبيض

- ألون بنكاس هآرتس 2021/2/14

■ على مدى 36 سنة كسيناتور و8 سنوات كنائب للرئيس وثلاثة أســابيع كرئيــس للولايات المتحدة، لــم يكن بايدن بحاجة إلى الصندوق القومي لإســرائيل )الكيرن كييمت(. ربما وضع يوماً ما قطعة نقد قيمتها 25 ســنتاً في الصندوق الأزرق في مدرسته بمدينة ســكرنتون في بنسلفانيا، حيث تربى هنــاك؛ وربما قبل ســنوات ألقى خطاباً فــي احتفال ما للصندوق القومي لإســرائيل في الولايــات المتحدة، في نيويورك أو في واشنطن، لكنه لم يعتقد بأن قرار الصندوق القومي سيقتضي رداً من إدارته.

يدور الحديث عن اقتراح للصنــدوق القومي للدفع قدماً بقرار )الذي يحتــاج إلى مصادقة ســتُناقش اليوم(، الذي يســمح له بشــراء أراض لتوسيع المســتوطن­ات في الضفة الغربيــة، لا ســيما في محيــط «غوش عصيون» وشــارع التفافي القدس وجنوب جبل الخليل، لصالح «توطين يهود» وفي إطار «إنقــاذ الأرض». الحركة الإصلاحيــ­ة في أمريكا ضد، والجناح الليبرالي ليهود الولايــات المتحدة ضد، لكن الصندوق القومي مصمم، جاء هــذا في أعقاب مصادقة على البناء منحتها الحكومة كاستجابة لـ «التكاثر الطبيعي» في المستوطنات.

يبدو أن الأمــر يتعلق بالصندوق القومي وليس بحكومة إســرائيل، ويبدو أنها خطوة تعتبر استفزازاً غير ضروري يندمج مع قضايا أخرى تبدو غير ذات صلة: الصفقة النووية مع إيــران، والقرار الأول لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي بتطبيــق الولاية القضائيــة على الضفة الغربية وشــرقي القدس وقطاع غــزة، ومثلث علاقات إســرائيل – الولايات المتحدة – الصين.

نشر المتحدث بلسان وزارة الخارجية، نيد برايس، بيان تنديد وتحذير: «من الضروري الامتناع عن القيام بخطوات أحادية الجانب تزيد التوتر وتقــوض محاولة التوصل إلى حل الدولتين. هذا يشــمل الضم وبناء المســتوطن­ات وهدم البيــوت ودفع رواتــب للإرهابيين». من المعــروف أن الأمر يتعلق ببيــان لمتحدث هو بيان فني في صياغته، بأســلوب قديم مــن التســعيني­ات وحتــى 2017. لــو أرادت الإدارة الأمريكية، لا سيما وزير الخارجية انتوني بلينكن، أن يعمل

من ذلك قضية لرد بنفسه من فوق المنصة وبالصيغة التي يريدها. كان هذا تحذيراً وتذكيراً لإسرائيل.

بعد يوم من ذلك، الجمعة، ســئلت المتحدثة بلســان البيت الأبيض، جان ســاكي، ســؤالاً بســيطاً جداً: هل إســرائيل والســعودي­ة حليفتان مهمتان؟ كانت الإجابة «كليشيهاً» ثابتاً خلال ســنوات كثيرة. كل متدرب تخرج من الكلية أول أمس وحصل على وظيفة جزئية في تصوير المســتندا­ت وتحضير القهوة في مكتب المتحدث بلســان البيت الأبيض يعرف كيف يدير لســانه دون أن يتلعثم: «إسرائيل )أو السعودية( هي حليفة مهمة، لدينا مصالح مشتركة، الحرب ومكافحة الإرهاب ستستمران من خلال تعاون وثيــق، العلاقات وطيدة والتــزام أمريكا بالدفاع عنها لا يشوبه شك».

بدلاً من ذلك، ردت ســاكي بشــكل ضبابــي ومتعرج ومحرج: «هناك عمليات متواصلة. في الأســبوع الماضي صودق على اجتماع داخلي للحكومة لمناقشة عدة قضايا تتعلق بالشــرق الأوســط... يجب إعطاء هذه العمليات الوقت كي تتبلور قبل طرح ما الذي ستكون عليه مقاربتنا للأمن القومي... أفترض أن الرئيس بايدن ســيتحدث مع رئيس الحكومة )نتنياهو( في الوقت القريب القادم».

عفواً، يا سيدة ســاكي، هل هذه «عمليات متواصلة»؟ ما الــذي يجب أن «يتبلور»؟ كيــف ترتبط هذه العمليات بهذا الســؤال؟ في نهاية المطاف، تبــدو الخلافات حول السياســات مســموح بها ومقبولة بين الحلفاء، لماذا هذا التهرب غير اللائق من سؤال أساسي جداً؟

مثلما في حالة نيد برايس، يمكن حل هذه الأمور كرد غير ملزم من قبل المتحدثة. بعد كل شيء، هي لا تحدد السياسات، وســيعطيها الرئيس ووزير الخارجيــة الإجابات الموثوقة. ليس من صلاحية المتحدثة بلســان البيــت الأبيض أن تقرر وتعلن عن دولة معينة بأنها «حليفة».

ولكن وظيفة المتحدثة بلســان البيت الأبيض والمتحدث بلســان وزارة الخارجية الأمريكية هي أمور جدية، وعملية طويلــة من الإعداد والدراســة واختيــار الكلمات بحرص، ومصادقــة ترافق أي رد كهــذا مبادر إليه، حتــى لو ظهرت كأنها كليشــيه ممل لا يتضمن دراما سياسية. وإذا تم ضبط المتحدث وهو غير مســتعد، أو أن حساســية الإجابة عالية، فإن المتحدث يصد السؤال أو يشرح بتهذيب: ليس لهذا الأمر اجتمعنا اليوم.

من ناحية سياســية جوهرية، تشــير إجابات المتحدثة بلســان البيت الأبيض والمتحدث بلســان وزارة الخارجية إلى منحــى أكثر أهميــة من ذلك: عــدم الاهتمام. الشــرق الأوســط ليس من أولويات الإدارة في هذه المرحلة. وإذا لم تحدث أحداث تفرض الشــرق الأوسط على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، فسيســتمر الوضع أيضاً في المستقبل. وعملية شطب الشــرق الأوسط من قمة الأولويات والمصالح الأمريكية لم تبدأ أمس أو مع بايدن، هذه عملية استراتيجية متعــددة الأبعــاد والتفســير­ات، وتتميــز بفــك الارتباط التدريجي للولايات المتحدة عن المنطقة.

بعد ثلاثة أسابيع على ولاية الإدارة الأمريكية، في دوائر السياسة الخارجية والإعلام التي تتناول هذه المواضيع، بدأ

يســمع انتقاد حول «بطء الإدارة» إزاء السرعة والتصميم والقــوة التي تعمل بها الإدارة في الســاحة الداخلية – فيما يتعلق بوبــاء كورونا والصحــة العامة ورزمــة الطوارئ للاقتصاد )1.9 تريليون دولار(. وبالنظر إلى التصميم الذي وقع فيه بايدن على سلســلة من المراســيم حول عدة قضايا مثــل البيئة والهجــرة وحقوق المثليين، فإن الســؤال الذي يطرح هو ما ســبب التردد في السياسة الخارجية؟ الاتفاق النووي مع إيران، والعلاقات مع الصين ومع روسيا وكوبا – هذا انتقاد مبكر ومزعج، وسيتحول إلى انتقاد مشروع إذا لم يحدث أي تحرك مهم خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر القادمة. سيكون هناك منتقدون يقولون إن الإجابات تدل على جمود في التفكير وعــدم الإبداعية، ونص ينبع من القصور الذاتي بدلاً من السياسة وعودة إلى النماذج السابقة.

نموذج «حل الدولتــن»؟ حقاً؟ هل فحصتم وضع العلاقة بين إسرائيل والفلسطيني­ين؟ هل حللتم احتمالية تطبيق هذا النمــوذج؟ إمكانية تطبيقه؟ ولكنه انتقاد يضيع الأســاس: الشرق الأوسط بشكل عام، وعلاقات إسرائيل - السعودية، والنــزاع الإســرائي­لي – الفلســطين­ي، والكيان المســتقل المسمى «العملية السياســية»، كل ذلك ليس على رأس سلم أولويــات الولايات المتحدة. ثمة مواضيع ستشــغل الإدارة الأمريكية في الأشــهر القريبة القادمة، وهي الاتفاق النووي مــع إيران، والأكثر دقة خطة عودة أمريــكا إلى إطار الاتفاق ودرجة وشكل تدخل الصين في الشرق الأوسط. في حدوده الجيوسياسـ­ـية الموســعة، من جيبوتي ومــروراً بالخليج الفارسي وانتهاء بإيران نفسها.

هــذه المواضيع تقتضي تدخلاً أمريكيــاً، ويأتي عليها رد أمريكي في حالة واحدة فقط، عندما تتحدى إسرائيل الوضع القائم أو تحتك بمصلحة أمريكية. هذا ما حدث مع الصندوق القومي ومع بناء المستوطنات، الذي يقول نتنياهو أنه يدفع به قدماً، وهذا ما يحدث عندما يحذر رئيس الأركان، الجنرال افيف كوخافــي، الولايات المتحدة بــأن لا تعود إلى الاتفاق النووي أو إلى اتفاق محســن يشبه الاتفاق الأصلي. لم يكن قرار الصندوق القومي ليحرك آلية ردود أمريكية، على الأكثر إدانــة خفيفة لا قيمة فعلية لها. إســرائيل والفلســطي­نيون يواصلون القيام بخطــوات تعقد الواقع وتمنع الحل؟ هنيئاً لهم. هــم من يتحملون المســؤولي­ة. ولكن قصــة الصندوق القومــي تندمج مع عــدد من بؤر توتر فــي مواضيع يحتاج الأمر فيها إلى تعاون أمين وهادئ، مثل: محاولة إســرائيلي­ة علنية للتدخل في بلورة سياســة أمريكية بالنسبة للاتفاق النووي مــع إيران، وقــرار محكمة الجنايــات الدولية بأن التحقيق مع إسرائيل بتهمة «جرائم حرب» في قطاع غزة في عملية الجرف الصامد، مسموح حسب الاختصاص القضائي والصلاحيات المعطاة للمحكمة، وعلاقات إسرائيل – الصين في عدد من المواضيع، وفوق كل ذلك يجب أن نضيف ملحمة «المكالمة الهاتفية التي لم تحدث» بين بايدن ونتنياهو.

إذا لم يعرف بايدن حتى أول أمس ماذا يعني «الصندوق القومي»، فإن هذه المنظمة حولت نفســها إلى مصدر إزعاج للأجندة الرئاسية وباحتمالية عالية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom