Al-Quds Al-Arabi

بعد «تلميحات» بلينكن: هذا ما تنبهت له إسرائيل بخصوص الجولان

- نداف شرغاي إسرائيل اليوم 2021/2/14

■ أثــار وزير الخارجيــة الأمريكي أنتونــي بلينكن قلق الكثيريــن إذ ألمح قبل بضعة أيام إلى أن مســألة الســيادة الإســرائي­لية على الجولان لا تزال مفتوحة، ولكن الحقيقة هــي أن بلينكن صنع معنــا معروفاً كبيراً حــن وضع مرآة أمامنــا. دون أن يقول هذا صراحة، كشــف بلينكن خاصرة إسرائيل الرخوة في الجولان: الاستيطان قليل.

إن مســتقبل الجولان، الذي يحتســب بلينكــن قيمته الأمنية لنا فقط، لن يحســم بالمواثيق والبيانات السياسية لرؤســاء عاطفين كترامب، ولا بتصريحات متحفظة لوزراء خارجية أمريكيين من مدرســة أوباما وبايــدن. ومثلما في القــدس وفي أجزاء مــن المناطق، سيحســم الصراع هناك بفضل كتلة الاســتيطا­ن اليهودي، فالاستيطان في الجولان هو الذي ســيصنع الفرق وليس الكلام. غيــر أن حكومات إســرائيل على أجيالها، بما فيها حكومــات نتنياهو، أهملت الفعل الاستيطاني هناك.

الجولان الذي اســتوطن فيه اليهود منــذ الأزل، وليس فيه أي مشــكلة ديمغرافية وضروري جداً لأمن الدولة، بقي هزيلاً للســكان اليهود وأصبح تفويتاً لفرصة اســتيطاني­ة وصهيونية. على مدى 53 ســنة، غرسنا فيه 25 ألف يهودي فقط، «حصاد» استيطاني هزيل بشكل محزن: أقل من 10 في المئة مما في مناطق القــدس المحررة؛ وأقل من 5 في المئة مما في أقاليم يهودا والسامرة. في «غوش بنيامين» فقط يعيش اليوم عدد من الســكان اليهود أكبر بأربعة أضعاف مما في الجولان، وفي «غوش ارئيل الكنــا» – ثلاثة أضعاف. حتى لو شبهنا وتيرة النمو الســكانية في الجولان بوتيرة النمو في مدن المحيط في إســرائيل، يبرز الفــرق جلياً. في الفترة الزمنيــة التي وطنت فيها إســرائيل في الجــولان 25 ألف نســمة، فإن مدناً كـ»نهاريا» و»كريات غات» نمت كل منهما بنحو 23 ألف نسمة. وفي «إيلات» نما السكان بنحو 40 ألف

نسمة.

أصبح الجولان، رغم الاســتيطا­ن الفاخر ولكن الضيق، جزءاً من الحاضر الإســرائي­لي خصوصاً بســبب مشاهده، ومشــاريع الســياحة والزراعة التي فيه، وبالطبع التاريخ اليهودي وأهميته الأمنية. جذور الوعي لدينا هناك ليســت مزحة؛ فالكثيرون يــرون في الجولان جــزءاً من تكوينهم الإســرائي­لي، ولكــن طالما لم يــزرع فيه اســتيطان مكثف بمئات آلاف السكان، واستيطان يشطب عن جدول الأعمال كل حديث عن تســليمه في المســتقبل لســوريا، سيأتي في المســتقبل سياسيون أجانب آخرون ليشرحوا لنا ما شرحه لنا بلينكن قبل بضعة أيــام: الجولان في هذه اللحظة ليس على جدول الأعمال، ولكن في المستقبل، عندما يتغير الوضع في سوريا، ســيتعين عليكم العودة للحديث مع السوريين على مستقبل الجولان.

لنا في الجــولان جــذور تاريخية فاخــرة، وهي كفيلة في مخلفات البطولة والممالــك اليهودية، من عهد داود عبر عهد البيت الثاني، ومعركة البطولــة في «جملا» وفي فترة التلمــود. كمــا أن تاريخه فــي الأجيال الأخيــرة يعمل في صالحنا: فالجولان سُــلم للانتداب الفرنســي، وفقاً لاتفاق التقســيم الاستعماري، وســوريا التي اســتقلت في 1946 حازته )0.5 في المئة من أراضيها( لعقدين فقط.

إن دكتاتوريي دمشق جعلوه خشبة قفزاً في محاولاتهم لاحتلال إســرائيل وتصفيتها. قصفوا البلدات الإسرائيلي­ة على طول الحدود، ومسوا بصيادي بحيرة طبريا، وحاولوا تحويل مياههــا وحولوا حياة الإســرائي­ليين في ســفوح الجــولان إلى جحيم على نمط غلاف غــزة. في حرب الأيام الستة، احتل الجولان في حرب وقائية عادلة، وضمه بيغن في 1981. فشلنا عندما لم نتمكن من خلق كتلة استيطانية لا مرد لها هناك. لم يفت الأوان بعد.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom