Al-Quds Al-Arabi

النائب عيّاش زمّال: تونس تعيش أزمة حكم وأخلاق ومحاولة سحب الثقة من الرئيس مزايدة سياسية

«الحكومة فشلت في التعامل مع أزمة كورونا... ووجود الغنوشي على رأس البرلمان أثار قضايا أيديولوجية»

- تونس – «القدس العربي» من حسن سلمان:

قال عيّاشــي زمّال، النائب عــن الكتلة الوطنية ورئيــس لجنة الصحة والشــؤون الاجتماعية في البرلمان التونســي، إن تونس تعيــش اليوم أزمة حكــم وأخلاق، مشــيراً إلى أن النظام السياســي الهجين ســاهم في تفتيت الســلطة. كما اعتبر أن غياب المحكمة الدســتوري­ة يعتبــر مصدر الخلاف القائم حالياً بين الرئاسات الثلاث.

وقال إن الدعوة التي أطلقتها أطراف سياســية لســحب الثقة من الرئيس قيس ســعيّد تدحل في باب المزايدات السياســية، وخاصة أنها تستهدف رئيساً شــرعياً ومنتخباً. كما اعتبر أن وجود راشد الغنوشــي على رأس البرلمان تمّ استغلاله من قبل أطراف سياسية لتصفية حســابات قديمة وإثارة قضايا أيديولوجية.

وقــال النائب عيّاشــي زمّال في حــوار خاص مع «القدس العربــي»: «المصدر الرئيســي للأزمة السياسية في البلاد هو غياب المحكمة الدستورية، وهي الآلية الديمقراطي­ة الضرورية لفض النزاعات التــي قد تطرأ في كل نظــام ديمقراطي. ثمة تداخل في مهــام الرئاســات الثــاث. فرئيــس البرلمان يتدخل في السياســة الخارجية وهــي من صميم صلاحيات رئيــس الجمهورية، ورأينــا انحيازه لطرف في الصراع الليبي وقربه من بعض الأحلاف الإقليمية بداعي «الدبلوماسي­ة البرلمانية» ورئيس الجمهوريــ­ة ينــازع البرلمان صلاحياتــه الرقابية على الحكومة ويرفض الاعتــراف بولايته، بل ولا يتعامــل أصلاً مع مكوناته ولا يتــرك الفرصة دون ترذيــل دوره واتهامــه بالفســاد وينتصب محل الســلطة القضائية. وثمة تداخــل في الصلاحيات بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ورأينا ذلك في التحوير الوزاري الأخير .»

وأضــاف: «الحقيقــة أن الأزمة هــي أيضاً أزمة منظومة حكــم، ففي تونــس ثمة نظام سياســي هجين، تم فيه تفتيت الســلطة. نتفهم رغبة المجلس التأسيســي عند كتابة الدســتور في التخوف من عودة الاســتبدا­د، لكنه أنتج لنا نظاماً لا يحكم فيه أحد ولا يترك غيــره يحكم. هي أزمــة حكم وأزمة أخلاق سياســية وأزمة ثقة. المنظومة السياســية في تونس هرمت بســرعة ولا بد من إعادة التفكير في تجديدهــا. هذا التنازع يأتــي في لحظة صعبة تعيشــها تونس والمفــروض أن تُغلّب الرئاســات الثلاث المصلحــة الوطنية العليــا وأن يتنازل كل رئيس عن بعض من «كبريائه» حماية لأمن تونس وشعبها .»

وحول الخلاف القائم حــول التعديل الوزاري الأخيــر، قل زمــال: «الســبب الرئيســي -مثلما أشــرت- هو نظام الحكم. والقانــون الانتخابي. فالانتخابـ­ـات لا تنتج أغلبيــات واضحة يمكنها أن تحكم بل تُنتج تفكّكاً وتشــتّتاً. وليس ثمة ضوابط وشروط للترشح للانتخابات، لذلك فإن التوازنات السياســية مختلة. كما أن نظام الحكم مســؤول، عــاوة علــى أن أغلــب الفاعلين السياســيي­ن لا يتمثلون القيم الديمقراطي­ة. ثمة استبطان لنزعات اســتبدادي­ة ورغبــات في الإقصاء وعــدم القبول

بالخصوم».

وأضــاف: «كان علــى رئيس الحكومــة تعميق التشــاور مع الجميع قبــل الإقدام علــى التحوير الــوزاري، فتغييــر أحد عشــر وزيراً بعــد أربعة أشــهر فقط هو اعتراف بإســاءة اختيار الوزراء. كمــا أن رئيس الدولة خلط بين الذاتي الشــخصي والموضوعــ­ي. فهــو مطالب باحترام قــرار رئيس الحكومة والبرلمان والانضباط لأحكام الدســتور. فليــس مهماً أن لا يكون راضيــاً على وزراء فالدور الرقابي هــو للبرلمان. أعتقد أنــه كان يمكن تجنب تعمــق الأزمــة ببعض التفهــم والتعقــل وتجنّب التصريحات النارية».

وفيمــا يتعلق بتمســك الرئيــس بالإجراءات البروتوكول­ية حول التعديــل الوزاري، قال زمال: «وضع تونس الصحــي والاقتصادي والاجتماعي لا يحتمل حقيقة هذا الترف الشكلاني الدستوري. ثمة غرق في التفاصيل وبحث عــن المناكفات، مما يعمق الانقســام ويفاقم الأزمة. رئيس الجمهورية له ميل «خفي» للنظام الرئاسي. ويلبس جبة أستاذ القانون في الجامعة وهــو يصلح «أوراق الطلبة». هو رئيس والقاعدة تقول: «جلب المنافع مقدم على درء المفاسد».

كما اعتبــر، في الســياق، أنه مــن حق رئيس الحكومة استشــارة المحكمة الإدارية حول التعديل الأخير، ولكنه اعتبر أن استشــارة المحكمة في هذا التوقيت يعتبــر «تأجيجاً للازمــة وليس حلاً لها. فرأسا الســلطة التنفيذية محكوم عليهما بالحوار وبالتوافــ­ق، ليس من أجلهما بل من أجل الشــعب التونسي وسير دواليب الدولة».

واعتبــر زمــال أن الرئيــس قيس ســعيد هو «شــخصية نزيهة ومســتقيمة، ولا أحد يشكك في ذلك. لكن انتظارات التونســيي­ن منــه أكبر من ذلك بكثير. فبعد ســنة من حكمه، الانتظــار­اتُ ما زالت هي نفسُــها، وننتظر منه مبادرات تشريعية وفتح قنــوات تواصل مع الأحــزاب والبرلمــا­ن. الجميع مســؤولون عن الوضــع الحالــي وخاصة رئيس الجمهورية فهو الذي جاء بالســيد إلياس الفخفاخ وســقطت حكومته بعد أشــهر بتهمة الفســاد، ثم اقترح هشــام المشيشــي الذي دخل بنا بعد أربعة أشهر في أزمة خانقة .»

وأضــاف: «بعــد ســنة مــن حكمه لــم يتقدم بمبادرات تشــريعية ولم يقم بدوره كمظلة توحد كل التونســيي­ن، مهما كانــت انتماءاتهم الحزبية، والقضاء وحده هو من يُحدّد الفاسدين. نرجو من الرئيس أن يقوم بتنشيط السياسة الخارجية لفكّ عزلة كبيرة تعانيها تونس في علاقاتها الخارجية .»

وكانت أطراف سياســية عدة لمحت إلى احتمال تقــديم عريضة لســحب الثقة من الرئيس ســعيد داخل البرلمان، إلا أن زمال يعتبر أن مثل هذا النوع من الدعوات «يدخل في باب المزايدات السياســية. فقيس سعيد رئيس شــرعي ومنتخب. قد نختلف في تقييم أدائه، لكن غياب محكمة دســتورية يمنع أي إجراء ضده. علاوة على أن ذلك يدفع إلى المزيد من تأجيج نار الأزمة، ويعقد الأمور أكثر.»

وفيما يتعلق بأداء حكومة هشــام المشيشــي، قال زمــال: «ثمة مجهــودات جبــارة بذلها الإطار الطبي وشــبه الطبــي وإطارات الصحــة لتجاوز الأزمة. الحكومة بذلــت مجهودات كبيرة في تأهيل المستشفيات وإحداث مستشفيات ميدانية وتوفير أسرة الإنعاش والأوكســي­جين، إلا أن عدم انطلاق حملات التطعيم في تونس رغم انطلاقها في الدول الشبيهة بها، هو علامة على عدم نجاعة السياسات الحكومية في التعامل مــع الوباء. الوضع الصحي الراهن فاقــم الأزمــة الاقتصاديـ­ـة والاجتماعي­ة أيضاً. أكثر من عشرين ألف مؤسسة أغلقت أبوابها وسرحت عمالها .»

وأضــاف: «على الحكومة الذهاب إلى المشــاكل الحقيقيــة، مواجهــة الأزمــة عبــر الشــروع في الإصلاحــا­ت الكبــرى. وإعــادة عجلــة الإنتاج والاقتصاد للدوران. إصلاح المؤسســات العمومية ومقاومــة التداين وتفعيل الشــراكة بين القطاعين العام والخاص. عليها أن تحل المشــاكل العقارية، وأن تعيد بنــاء الثقة في تونس لاســتعادة مناخ مُحفّز للاستثمار الداخلي والخارجي .»

على صعيد آخــر، اعتبر زمال أن وجود راشــد الغنوشي على رأس البرلمان «كان سبباً للتوتر. تمّ استغلاله لتصفية حســابات قديمة وإثارة قضايا أيديولوجية. الغنوشــي ينتمي إلى جيل آخر. كان يمكنه أن ينســحب بعد سنة أولى صعبة. لقد وجد نفســه في وضعية صعبة وأمام صراعات برلمانية حادّة. وسحب الثقة أمر قانوني ومن صميم العمل الديمقراطي. خصوم الغنوشي غير متفقين إلا على معاداته. وأعتقد أن مبادرة الغنوشــي بالانسحاب من رئاسة البرلمان من شأنه أن يُهدّئ الوضع وهي خطوة إيجابية، فيها إعلاء للمصلحة الوطنية.»

وفــي تقييمه للحــراك الاجتماعــ­ي الحالي في تونس، قال زمــال: «لم يتوقف الحراك منذ عشــر ســنوات. هذي مــن تجليــات الديمقراطي­ة. نحن نحيي شباب تونس ونسانده في كل تحركاته. فمن غير المقبول سيطرة معارك أيديولوجية انتهت منذ زمان على المشهد السياسي. الكلمة اليوم للشباب، وعلينا أن نســتمع إلى صوتــه الغاضب. علينا أن نعمل على خلق جيل سياسي جديد أكثر واقعية واع بمشاكل الشباب وتطلعاته ويتوجّه إلى المستقبل. لا يجب سجن الشباب في أحقاد الماضي.»

وتابع بقوله: «الُمقاربة الأمنية لن تحُلّ المشــكل. علينا أن نستثمر في شــباب تونس الذي أثبت أنه مُبــدع إذا توفّرت له الفُرصة. أدعو شــباب تونس إلى أن يخرج من الســلبية وأن يُبادر عملاً بشعار المرحلة «شباب يحلم، شباب يُبادر، تونس تُقلع.»

 ??  ?? النائب عيّاش زمّال
النائب عيّاش زمّال

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom