Al-Quds Al-Arabi

لكونه براغماتياً وبعيداً عن نتنياهو... كيف يجتاز «ميرتس» سيناريو الرعب ويجند أصوات العرب التي يحتاجها؟

- أمنون هراري

■ إن موعد إغلاق قوائم الكنيست، وهو تاريخ اعتباطي كمــا يبدو، تحول خــال الحملات الانتخابيـ­ـة الأخيرة إلى لحظة مصيرية. وهذا ما حدث أيضــاً هذه المرة، خاصة فيما يتعلق بحزب العمل وحــزب «ميرتس». بعد انتخاب ميراف ميخائيلي حصــل حزب العمل المضروب على اســتطلاعا­ت مشجعة منحته 7 – 8 مقاعد، وتسببت برفع نسبة التوقعات في الحزب وانخفاض في مستوى الاستعداد لتكرار الانضمام لـ»ميرتــس»، الذي منع في 2020 شــطب أحــد الحزبين أو كليهما. وغياب الحزب سيؤدي إلى تحقق سيناريو الرعب.

الاســتطلا­عات المشــجعة والمتعاطفة مــع ميخائيلي قد تنقلب، لكن المحصلــة النهائية تقول إنه منــذ اللحظة التي اجتزنا فيها الهدف، يجب عدم التراجع: سيضطر «ميرتس» و»العمل» إلى التنافس بشــكل منفصل وبقوائم تعدّ في نظر الجمهور متشــابهة. ومع جمهور صغير من المصوتين أصلاً، سيكون عليه الانقسام بينهما لمنع اختفاء أحدهما. وإذا كانت فرصة «العمل» أكبــر بفضل ميخائيلي فعلــى «ميرتس» أن يبحث لنفســه عن طريق أخرى كي يبقى فوق نسبة الحسم. جميع الدلائل تشــير إلى أن هذا الطريق يمر في شوارع كفر قاسم والطيرة وقرى المثلث.

لا يوجد لـ»ميرتس» أي خيار: خزان الأصوات اليساري – الليبرالي في المركز وفي الشارون يفضل أصلاً في الجولات الانتخابية الأخيرة الانحراف نحو خيارات «اســتراتيج­ية»

مثل «يوجد مســتقبل» أو حتى «أمل جديد» لجدعون ساعر. والآخرون يفضلون، حســب الاســتطلا­عات، الخيار الأكثر نضارة وهو حزب العمل.

نظرة خاطفة إلى الاســتطلا­عات تبين أن «ميرتس»يجد صعوبة في اجتياز نســبة الحســم بارتــكازه على قاعدته الكلاسيكية: في استطلاع «كان 11» الذي أجري في الأسبوع الماضي، وجد صعوبة وفشــًا في اجتياز نســبة الحســم. لذلــك، يوجه الحزب أنظاره نحو الجمهــور العربي. وخاب أمل المصوتين من الانقســام في القائمة المشتركة. وإذا كانوا يغازلون احتماليــة التصويت لحــزب صهيوني مثل حزب الليكــود، يمكــن الافتــراض أن بإمكانهم الاكتفــاء بحزب صهيوني مثل حزب «ميرتس».

اســتثمر الحزب في وضع مرشــحين عربيــن في أماكن مضمونــة، مثل غيــداء ريناوي زعبــي في المــكان الرابع، وعيســاوي فريج في المكان الخامس، 40 في المئة من الأماكن المضمونة، ويأملون بأن 40 في المئة من المصوتين سيكونون من العرب بالتساوق.

لن تكــون هذه المــرة الأولى التــي يتوجــه فيها حزب «ميرتــس» للناخبين العــرب لإنقاذ حياته. فــي انتخابات نيسان 2019، المعروفة في إسرائيل بـ «الانتخابات الأولى»، اســتثمر “ميرتس” فــي حملة مكثفة في الجمهــور العربي بقيادة فريج، التي أثمرت له نتائج غير سيئة. كانت الذروة في يــوم الانتخابات، فقد اتخذت رئيســة الحزب في حينه تمــار زيندبرغ، القرار السياســي الأكثر أهميــة في حياتها السياســية، وبالتأكيد الأكثر أهمية بالنســبة لها كرئيســة

للحزب. «أنــا في فترة الانتخابات أكــون دائماً موجودة في صناديق الاقتراع في تل أبيــب»، قالت زيندبرغ، التي تحتل الآن المكان 2 في قائمة «ميرتس». «اليوم بدأت بصندوق كبير في مركز المدينة، وشــعرت من كل من تحدثت معهم بنفســي بالانجرار المجنــون نحو «أزرق أبيض». أشــخاص صوتوا لـ”ميرتس” طوال حياتهم نظــروا بخجل في عيني وقالوا بأنهم دائماً صوتوا لـ”ميرتس”، لكن في هذه المرة يجب أن نقصي نتنياهو. عائلات انقسمت وأزواج قسموا التصويت فيمــا بينهــم، حينها ثار لــدي الخوف. لا يهم كيف نشــرح بصورة منطقية، وكيف تدفق جمهورنا نحو «أزرق ابيض.»

إن مــزاج زيندبــرغ كان واضحاً أيضاً فــي أعين فريج: «أجلس في المقر »، اســتعاد عضو الكنيست السابق ، «وأحث الجمهور علــى الذهاب للانتخاب. وفجأة جــاءت زيندبرغ وقالت لي: عيســاوي، الوضــع غير جيد. ســألتها ما الذي تقصــده. فوضعنــا ممتاز في الوســط العربي». شــرحت زيندبرغ لفريــج بأن الوضع في معاقــل «ميرتس» في المدن الكبيرة صعب. فقال لها: «اسمعي، سنذهب لإحضار 30 ألف صوت أو 40 ألفاً». البيانات فاجأت زيندبرغ.

إن الاندمــاج بين جــو التخلي عن الحزب فــي تل أبيب وتفاؤل فريــج والتقارير حول نســبة التصويت المنخفضة للمصوتــن العرب جعلتها تتخذ قراراً مــن النوع الذي يميز بنيامين نتنياهو، وهو تشــخيص الفرصــة لتغيير الاتجاه والانقضاض عليها بكامل القوة.

بعــد الظهيرة، اللحظــات الأكثر توتراً وحســماً للحملة السياسية، أخذت نفســها وفريج وكبار شخصيات القيادة

واندفعت من تل أبيب ونقلت النشــاط إلى كفر قاسم، مدينة فريــج. «وصلنا إلى كفر قاســم، وبدأنا بالتجــول وإخراج الناس من البيوت للتصويت، واحداً واحداً»، قالت زيندبرغ. «عندما وصلنا إلــى الصناديق، بدأت بالامتــاء. فقد بدأت تتشكل طوابير وارتفعت نسبة التصويت ببضع نسب مئوية جيدة .»

«لقد كانت فــي وضع لا أتمناه لأعدائي. هذه مســؤولية ثقيلــة جداً، أن تكــون رئيس حزب عمره ثلاثين ســنة وقد يشــطب»، قال عيســاوي فريج. «ولكن عندما تجولنا على الأرض وشاهدنا الضجة قرب الصناديق، لاحظت هدوءها.» نجح رهان زيندبرغ، ليس في المشــاعر فحســب؛ فقد حصل «ميرتس» في كفر قاسم على 39 في المئة من الأصوات في تلك الانتخابات، أكثر من أي حزب آخــر، وتقريباً ثلاثة أضعاف نسبة التأييد له في الانتخابات السابقة في العام 2015.

في الطيــرة قفز الحزب مــن 2.8 في المئة مــن الأصوات فــي 2015 إلى 24 بالمئة في نيســان 2019. وفــي الفريديس ســجلت قفزة من 8 في المئة إلى 29 في المئة. بالإجمال، حصل “ميرتــس” على 50 ألف صوت عربي فــي تلك الانتخابات. ومن أجل الإثبات، كان بعيداً بـ 16 ألف صوت عن الســقوط إلى ما تحت نسبة الحســم. رهان زيندبرغ نجح، المصوتون العرب أنقذوا “ميرتس”.

لـ”ميرتس” تذكــرة جذابة أمام الناخــب العربي هذه المرة أيضاً. فمن جهــة، بعيد عن نتنياهو وليس له شــريك مثل «راعــم»، ومن جهة أخــرى، خلافاً للقائمة المشــتركة، يستطيع أن يقدم للناخبين العرب بالخطوط العريضة خياراً

براغماتياً غير سيء. ولكن من أجل أن ينجح في الوصول إلى الهدف يجب عليه أن يبدأ العمل الآن.

رغم أســطورة يوم الانتخابات فــي 2019 يؤكد زيندبرغ وفريج أنه لو تمت مضاعفة مبلغ الرهان في يوم الانتخابات، إلا أن الحــزب يضع الرهان على الجمهــور العربي . «لاحظنا جاذبية “ميرتــس” وقدرته فــي الجمهــور العربي خلال الحملة»، قالــت زيندبرغ، وأضافت: «لقــد عملنا في القرى، وضعنا حملــة باللغة العربية، واهتممنا طــوال الوقت بأن بهذه الحملــة أيديولوجياً وسياســياً أيضــاً». إذا لم يضع «ميرتــس» كل ثقله في المجتمع العربي فلــن تكون له البنية التحتيــة التي تمكنه مــن تحقيق الإنجاز الــذي حققته في انتخابات نيســان 2019. وحســب تقديرات اســتطلاعا­ت دقيقة، فإن نســبة تأييد الحزب في أوساط المصوتين العرب الآن هــي 15 – 20 ألف صوت. وهو رقــم أقل بكثير من الـ 50 ألف صــوت التي حصل عليها في ذاك اليوم المشــهود. وهو يحتــاج هذه المرة إلى أكثر من 50 ألف صوت عربي من ليبقى على قيد الحياة.

هــذا الرهان يمكن أن يكلفه أصواتاً فــي معاقله في المدن الكبيرة والكيبوتسـ­ـات والموشــاف­ات، التي ستحصل على حضور أقل من قبل المرشــحين البارزين وعلى ميزانيات أقل للدعايــة. ولكن عــدد الأصوات التي بقيت لديــه هناك غير معروفة ليأخذهــا. القرار الصحيح لنيتســان هوروفيتس يبدو واضحاً.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom