Al-Quds Al-Arabi

منتقدة فيلم «جنين جنين»: هكذا تنظر إسرائيل إلى حرية التعبير

- المحامي اوريئيل لين

■ إن القصة الطويلــة الأليمة التي جرت بــن فيلم «جنين جنــن» وجهــاز القضــاء الإســرائي­لي يجب ألا تســقط عن جــدول الأعمال العام قبل أن نعرف كيف نســتخلص الدروس الصحيحة. وسأقول رأيي على الفور: قرار القاضية في محكمة اللد المركزية، هليت سيلش، التي منعت بث الفيلم في إسرائيل، هو فشــل جهاز القضاء في فهم حدود حريــة التعبير. ويعود هذا الفشــل في أصله إلى قرار المحكمــة العليا 11/11/2003 في التمــاس رقم 316/03، الذي ســمح بمواصلة بــث فيلم «جنين جنــن» دون أي قيد أو شــرط رغم قرار مجلــس رقابة الأفلام منع بثه. أخضعــت محكمة العدل العليا في ذاك القرار كل القيم والتوازنات القائمة في نظامنا الديمقراطي لقيمة عليا واحدة: حريــة التعبير. وعرضت حرية التعبير كحق أســاس مطلق لا يجــب المس به، حتى لو تضمن الكــذب والتحريض. لا نحتاج المحاكم لتقول لنا إن حرية تعبير الفرد تشكل أساساً في نظامنا الديمقراطي، ولكننا نحتاج بالفعل إلى معرفة ما هو المسموح به وما هو الممنوع في مجتمــع ديمقراطي يعمل تحت حماية حرية التعبير.

وفقاً لقــرارات قضائية وكجزء من كرامة الإنســان، نتبنى حرية التعبير كحق أســاس بصفته جــزءاً لا يتجزأ من نظامنا الديمقراطـ­ـي؛ ولكنه ليس حقــاً مطلقاً وفقــاً لأي من القوانين الأساس في دولة إســرائيل. وفي حقيقة الأمر، لا توجد حقوق أســاس مطلقة؛ فلا يمكن إلغاء الحقوق الأســاس، ولكن يمكن المس بها وفقاً للمعايير في القانون الأســاس: كرامة الإنســان وحريته.

لا يجب لحق أساس للفرد أن يسحق قيماً لأمة كاملة أو يمس بمصالحها الأساســية العادلة. وحرية التعبير ليســت حرية الكذب، وليست حرية التحريض ضد الدولة أو جيشها من خلال بنية من الحقائق الكاذبة، وهي ليست الحرية في ظل استخدام

ســرقة العقل وعرض الحقائق الزائفة، لتشويه القيم الأساس للجيش الإســرائي­لي. وعليه، فقد فشــلت هيئــة القضاة في التماس ‪/03. 316‬فقد اخترقوا الحدود الشرعية لحرية التعبير وجعلوها حرية علــى قاعدة من الأساســات الكاذبة، وللمس بالجيش الإســرائي­لي، وبقيمه الأساس وبجنود الاحتياط فيه ممن كانوا مشاركين شخصياً في الدخول إلى جنين. في حقيقة الأمر، قدست «العليا» حرية التعبير كحرية الكذب، بقولها: «في إطار حرية التعبير لا يفحــص إذا كان التعبير حقيقة أم كذبة، إذ إن رفــع الحماية عن التعبير الكاذب يمنح الســلطات القوة لاســتيضاح الحقيقة مــن الكذب ». وهكذا في ظــل عرض فيلم وثائقي في طبيعته يفترض أن يكشف الحقائق، زورت حقائق وزورت صورة الجيش الاسرائيلي والدولة. وكما قيل في قرار المحكمة المركزية في اللد، هو تزوير جرى بسوء نية.

أضافت المحكمة العليا اقتباســًا بريئاً ومهدئاً وغير واقعي من كتاب ألن درشــوفيتس بأن «مع تعبير سيئ وأشوه وضار يجب التصدي بالتعبير الجيد والمحسن، والموثوق والحقيقي،» وكأننا نعيش في بلاد العجائب. كل مــن له صلة بعالم الواقع يعرف أن ليس من الســهل تطهير نفس الإنسان بكلمات جميلة بعد صب السم.

إن المحكمة العليا جعلت الحق الأساس الرامي إلى السماح للإنســان بإبداء رأيــه دون خــوف أداة لمنح حماية شــاملة بمهاجمة دولة اســرائيل وجيشــها على أســاس مــن الكذب، وعرض جنودها كسطاة وقتلة.

على مدى 19 سنة كان جنود الاحتياط مضطرين إلى تحمل تشهيرات شخصية دون حماية من جهاز القانون. يخيل لي أننا ملزمون بأن نشــكر قاضية المحكمة المركزية هليت سيلش التي وضعت حداً لفشــل جهاز القضاء، كما أن شكراً خاصاً موصولاً للمحاميــن نافوت تلســور وتل شــبيرا، اللذين مثــا المقدم احتياط نيسيم مغناجي، بتطوع في محكمة التشهير.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom