Al-Quds Al-Arabi

العلاقات الصينية الأمريكية في ظل إدارة بايدن

- إسلام فريحات ٭

مع فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، انطلقــت العديــد من التوقعات التي تنظر في الشــكل الذي ســوف تنتهجــه الإدارة الجديدة للتعامل مع الملفات الخارجية التي أوصل الرئيــس المنتهيــة ولايتــه دونالد ترامــب، معظمها لطريق الفشــل الموصــد، ومــن ذلك شــكل العلاقــة الجديــد مع الصــن والحزب الشيوعي.

كبح جماح المارد

وهنا ســوف نبين الأطر الرئيسية التي ســوف تحدد شكل هذه العلاقــة بعــد أن وصلت إلى تدهور وفقدان للثقة غير مســبوق منذ أربعــة عقــود، وهــذا يأتي ضمــن إدراك حقيقــة العلاقــة الصينية الأمريكيــ­ة الاســتثنا­ئية والتــي تشــكلت تاريخيــا علــى أســاس الخصومة والشراكة.

يبدو جليا أن سياســة الولايات المتحدة بغض النظر عن اختلاف الوجوه في البيت الأبيض تسعى وبكل قوتها إلى كبح جماح المارد الصيني وثورتــه الاقتصادية فــي العالم، التي أصبــح من المتوقع مؤخــرا أن تتفوق في الحجم على الاقتصــاد الأمريكي بحلول عام 2028، أي أســرع بســنتين عمــا كان متوقعا في الســابق، وهذا هو العنوان الرئيســي والأهم الذي يحدد ملامح هذه العلاقة، ما يعني أن الإدارة الجديــدة ســتتابع الحــرب التجاريــة مــع الصين ضمن استراتيجية مختلفة نوعا ما.

الاتحاد الأوروبي

إن من غير المتوقع أن يقوم بايدن بتخفيض التعريفات الجمركية علــى البضائــع الصينيــة في الفتــرة القصيــرة الأولى مــن حكمه للبــاد، بالرغم مــن أنها أثبتت عــدم وجود النتيجــة المطلوبة، ولن يزيل القيود عن الشــركات الصينية مثل هواوي، بل ســيتجه لدعم الاســتثما­ر الأمريكي الداخلي والحث على الانتــاج المحلي الذي قد يعوضه مستقبلا عن استيراد الكثير من المنتجات الصينية، ويدفعه للمنافســة في المجــالات الحيوية والــذكاء الاصطناعي وشــبكات 5جــي، وذلك بعد الانتهاء من جائحة كورونــا وآثارها الكارثية في البلاد، وهي القضية الأولى والأهم، وعلى الصعيد الدولي ســوف يتجه للبحث عن شــراكات جديدة بين الدول الآســيوية التي باتت معتمدة على التجارة مع الصين بل وشكلت أكبر كتلة تجارية عالمية مــن 15 دولة بقيــادة الأخيرة، تســتحوذ فيه هذه الكتلــة على ثلث الأنشطة الاقتصادية في العالم.

ومــن جهــة اخــرى فإن جــو بايــدن ســيحاول إيجاد مــكان ما للشــراكة مع الاتحــاد الأوروبي فــي مواجهة الصــن، بالرغم من الاتفاق الأوروبي الصيني المبدئي واسع النطاق الذي توصلتا إليه حول الاســتثما­رات، والتي بدأت مباحثاته منذ ســبعة سنين، ذلك بالإضافــة إلى التوجهــات الفردية لدوله، حيث تربــط العديد منها اتفاقيات تجارية مع بكين تبدو جلية في بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، والاتفاق الصيني الإيطالي بشأن طريق الحرير والاستثمار­ات في الموانئ.

نمو الناتج المحلي

أما فيما يخص الشكل السياســي، فإن واشنطن ستدفع وبقوة نحو الســلطة الأخلاقية للتأكيد على انتهاكات حقوق الإنسان في التبت وشــينجيان­غ وهونغ كونغ، وســوف تحافظ علــى مواقفها الحديديــة من تايــوان والاســتمر­ار بتزويدها بوســائل الدفاع عن نفسها، وهو ما أكده الرئيس الجديد، وأن دعوة المبعوثة التايوانية بشكل رسمي لأول مرة منذ عقود لحضور حفل التنصيب هو إشارة واضحة على تمســك الولايات المتحدة بمواقفها تجاه الجزيرة، مما سيبقي على التوترات بين أمريكا والصين في بحر الصين الجنوبي - بالرغــم من أنه ليس أولوية - خصوصا بعد التعزيز العســكري الأمريكي هناك بعد ايام من تنصيب جو بايدن.

ولكــن تتابع أولويات بايــدن الاقتصادية ســابقة الذكر في ظل اقتصــاد صيني ســريع التنامي ينتعش فيه اليــوان بعد نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنســبة 2.7 في المئة خلال سنة 2020 في وقت كانت فيــه اقتصادات دول العالم تســجل انحدارات مدمرة، هو فــي الحقيقة تحدٍ يرافقه عامل الوقت الذي ســيجعل من المهمة أكثــر صعوبة، ما يؤكد احتمالية توجه البيت الأبيض إلى نهج أكثر احتواء وأقل حدة وعلى مســتوى أعلى من التنظيم واتباع سياسة محافظة على توازن القوى، وستكون طريق الديموقراط­ي إلى بكين اكثر عقلانية وأقل عدائية من الرئيس الســابق، سيساعده في ذلك عودة واشــنطن لاتفــاق باريس للمنــاخ ومنظمة الصحــة العالمية، بالإضافة لتعاونها المحتمل مع بكين في قضايا أخرى، مثل القضاء على جائحة كورونا، والحد من انتشــار الاسلحة النووية، ما يوفر مســاحة أعلى مــن التمثيل الدبلوماسـ­ـي بــن البلديــن، يقابله من الجهــة الأخرى اهتمام صيني بالتعاون الثنائي، وهو ما أكده وزير الخارجيــة «وانــغ أي ان» بالإضافــة إلى تخفيض حــدة التنافس، حيــث أنه يؤكد أن بلاده لــن تنافس من أجل الهيمنــة مع الترحيب بقرارت بايدن الجديدة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom