حماس في ورطة... ما الحل؟
موافقــة حمــاس علــى الانتخابات أدخلتهــا فــي ورطة، ودفعــت القضية الفلســطينية برمتها نحو مأزق جديد، فضلا عن أن هذه الموافقــة جرَّت حركة فتح أيضا إلى ورطة مماثلة، وأصبح كل المنقســمين يتجهون إلى الخســارة بدلاً مــن التوافق، وأغلبُ الظن أن المســتفيد الوحيد من هذه الانتخابات هو تيار محمد دحلان، وأن هذه الانتخابات تجري بضغوط من دول عربية تدعم وتمول هذا التيار.
وإذا تمت هــذه الانتخابــات فعلا وشــاركت فيها حركة حمــاس، فهذا يعنــي أن الحركة ســتكون قــد ارتكبت رابع أخطائهــا الاســتراتيجية، إذ أن من يــدرس تاريخ الحركة ومســارها منذ التأســيس عام 1987 وحتــى الآن، يجد أنها ارتكبت ثلاثة أخطاء اســتراتيجية بالغة الخطورة، يتوجب التوقف عندها ودراســتها والتراجع عما يمكن التراجع عنه منها.
*الخطأ الأول، المشــاركة في انتخابات عام 2006، وبهذه الانتخابات تحولت حماس إلى العمل السياسي داخل سلطة تحت الاحتلال، وهي الســلطة التي نتجت عن اتفاق أوسلو، الذي ترفضه حمــاس أصلاً، ولا تعترف به، فضلاً عن أن فوز حماس بالانتخابات ومشــاركتها بالسلطة، أشعر حركة فتح بالتهديد، وأشــعل صراعــا لا مبرر له بــن الجانبين، وأدى بالفلسطينيين إلى الانقسام الكبير، والسنوات العجاف التي تلت هذه الانتخابات.
*الخطأ الاستراتيجي الثاني، الخروج من سوريا وتوتير العلاقات مــع إيران وحزب الله، وهو خطــأ مازالت الحركة تدفع ثمنه منذ عام 2012 حتــى الآن، إذ يومها كررت حماس خطأ منظمة التحرير في لبنان، حيث انزلقت إلى شأن داخلي لا علاقة لها به، وســرعان ما بدأت تدفع الثمن. وبالمناســبة فأحــد نتائج هذا الخطأ هو قرار المشــاركة فــي الانتخابات الحالية، إذ أن أحد مبرراتها، أن الدول الحليفة للحركة حالياً تريد منها «تجديد شرعيتها».
* الخطأ الاستراتيجي الثالث، إصدار «الوثيقة السياسية» سنة 2017، التي جاءت بعد أقل من عامين على سلسلة لقاءات سرية، جمعت بين قيادة الحركة ومبعوث «الرباعية الدولية» توني بلير، وهي لقاءات لم تكشــف تفاصيلها لا الحركة ولا بلير نفســه، ولا تزال حتى الآن طي الكتمان، وكشــفت عنها جريدة «التايمز» البريطانية في أغسطس 2015.
*تتجــه حماس حالياً إلــى ارتكاب الخطــأ الرابع وهو، المشــاركة في انتخابات 2021 )إذا حدثت الانتخابات أصلاً( وهذه ســتكون محطة فارقــة تضاف إلى المحطــات الثلاث الســابقة، التي غيرت المسار السياســي للحركة، فضلاً عن أن الانتخابــات المقبلة قد تكون الخطــأ الأكبر، وقد تؤثر في مستقبل القضية الفلسطينية برمتها، خاصة أنها من الممكن أن توسع دائرة الانقسام داخل حركة فتح أيضاً، فتقوم بتقسيم المقســم وتفتيت المفتت، بدلاً من تحقيــق المصالحة والوحدة الوطنية وإعادة البوصلة إلى المواجهة الأصلية مع الاحتلال.
أما سؤال )ما الحل الآن؟( الذي يطرحه البعض، فالجواب عليــه كبير وبالغ التعقيد وفيه الكثيــر من التفصيلات، لكن الوصفة التالية جزء مهم من الحل:
أولاً: علــى حمــاس ســحب موافقتها علــى الانتخابات والعودة إلى حركة فتح من أجــل تحقيق المصالحة الوطنية الشــاملة، وليــس إجــراء الانتخابــات، إذ أن الانتخابات ســتؤدي إلى تعميق الانقسام على المستوى الوطني وزيادة الخلافــات داخل الفصائل، وأغلب الظــن أن الرئيس عباس سيُلغي الدعوة للانتخابات في هذه الحالة.
ثانياً: على حماس أن تتوقف عن سياســة «لا حساب ولا ثواب ولا عقاب» داخل الحركة، وهذا يعني ضرورة محاسبة مرتكبي الأخطاء ومراجعة السياســات السابقة، والاعتراف بالأخطاء التي تم ارتكابها والتراجع عما يمكن التراجع عنه.
ثالثاً: تنظيــم مؤتمر عــام لحركة حمــاس ينعقد خارج فلسطين، ويحضره ممثلون عن الداخل والخارج والأسرى، علــى أن ينعقد المؤتمر على قاعــدة أن الحركة لم تعد تنظيماً ســرياً، وعليــه تتم الاســتعانة فيــه بخبــراء ومختصين وأكاديميين وشخصيات وطنية عامة، لإجراء عملية مراجعة شاملة في مسار الحركة، والبحث في المآلات التي وصلت لها، ووضع خطة مستقبلية لإنهاء الانقسام ومواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الحركة والشعب الفلسطيني.
وخلاصة القول، إن الشعب الفلسطيني ليس بحاجة أصلا لانتخابــات، كما أن الانتخابات لا علاقــة لها بالمصالحة، ولا يمكن أن تؤدي إلى إنهاء الانقســام، بل ستؤدي إلى تعميقه، فضلاً عن أن السيناريوهات والاحتمالات كافة، التي ستنتهي لها هذه الانتخابات ســتؤدي بحركة حماس إلى الخســارة المؤكدة، ولذلك فان حماس تورطت بالموافقة، وورطت حركة فتح والشــعب الفلسطيني معها ويجب أن تتراجع قبل فوات الأوان.