Al-Quds Al-Arabi

أمريكا وإسرائيل والتعايش النووي الإيراني

- *خبير عسكري أردني

باختصار إســرائيل لا تمتلــك القدرة العســكرية لضــرب المنشــآت النووية الإيرانيــ­ة، وتحتاج إلى عبور أجواء دول عربية، كالســعودي­ة والأردن اللتين لن تســمحا لها بذلك. كما أنها لا تمتلك الذخائر الخاصة لضرب هذه المنشــآت الموجودة في قلب وباطن الجبال المحصنة، ويحتاج تدميرها إلى مئات الطلعات الجوية، وهو ما يعرفه بكل تأكيد جنرالات الحرب الإسرائيلي­ون.

أمريكا أيضاً لن تجازف بضرب إيران، وما نشــاهده الآن من إرسالها طائرات بي 52 ونشــر قواتها في منطقة البحر الأحمر، لم يردع أي شيء، ولكن عندما نشاهد أربع إلى خمس حاملات طائرات في المنطقة، نتوقع عملاً ما، وإذا حدث ســيقود المنطقة إلى حرب شــاملة. هنالك خط رفيع يفصل بين النووي السلمي الإيرانــي، والوصول إلى الســاح النووي، وفي حالة فشــل المفاوضات فإن إيران ستفاجئ العالم بسلاحها النووي وتحقق بذلك الردع النووي النهائي المانع لأي تهديد، سواء كان تقليدياً أو نوويــاً، إضافة إلــى أن صواريخها المؤهلــة لحمل رؤوس نووية، قــادرة حاليا على أن تغطي جزءاً مــن أوروبا، ولديها البنيــة التحتية لتطويــر هذه الصواريخ حتــى تصبح عابرة للقارات في المستقبل.

القدرات الإيرانية ســتقلب المنطقة رأســاً علــى عقب، ولن يكون أمام إســرائيل إلا التعايش النــووي معها، نتيجة للردع المتبادل والتدمير الشــامل المؤكد بين الطرفين، وستعكس هذه المعادلة نوعاً من الاســتقرا­ر في المنطقة، وسيعزز مكانة إيران السياسية والعســكري­ة ونفوذها، وقد تعلمت إيران الدرس من تعامل العالم مع كوريا الشــمالية بكل لطف واحترام، لامتلاكها الرؤوس النووية والصواريخ البالستية. هذا التعايش ستكون له بشــكل عام تداعيات وتأثيرات في الــدول العربية وملفات المنطقة الأمنية الجيوسياسي­ة، من اتفاقية إبراهام إلى القضية الفلسطينية واليمن، وضم إسرائيل للقيادة المركزية الأمريكية، إضافة إلى ســباق التســلح في المنطقة، خاصة الحصول على الأسلحة النووية. فهل سنشــاهد تحركاً عربياً لردع الطرفين؟ يبدو أن مــن الصعب حلّ جميــع القضايا العالقــة بين أمريكا وإيــران باتفاقيــة واحــدة، كالصواريخ البالســتي­ة وحقوق الإنســان والنفوذ الإيراني في المنطقة والإرهاب. فالصواريخ الإيرانيــ­ة تعتبرهــا طهــران دفاعها الــرادع الاســترات­يجي، وتعتبرها مســألة وجودية لــن تتخلى عنها، وســتكون أكثر تشــدداً إزاءها من المفاوضات السابقة.. وستتحمل إيران معها قائمة متطلبات عند التفاوض بهذا الخصوص، منها عدم تسليح دول الخليــج بالأســلحة الحديثة، وتحديــد وتقليص النفوذ الأمريكي وقواعده بالمنطقة، وتقليص إمداد إسرائيل بالأسلحة والذخائر المتطورة. لهذا المسار يبدو الأفضل لأمريكا العودة إلى خطة العمل المشتركة 2015 وستخرج بذلك أقوى، وتحافظ على نفوذها ومصالحها وشــركاءها في المنطقــة، بحيث تتم مراقبة المنشــآت النووية من خلال أعمال التفتيش المســتمرة للهيئة الذرية الدولية، التي نجحت بذلك سابقا، وكانت إيران ملتزمة ببنود الخطة المشــتركة، قبل انسحاب ترامب من الاتفاقية. كما أن إيران لن تســمح في 21 فبراير المقبل لأعضاء الهيئة الذرية بزيارة هذه المنشآت، وســتزيد من عملية التخصيب، في حالة عدم التوصل إلى اتفاقية الخطة المشتركة.

ما يطرح حالياً من قبل أمريــكا وإيران حول معادلة الالتزام مقابل الالتزام، يبــدو أن الطرفين لن يتراجعا عنه بدون مقابل. وينتظر كل طرف الآخر لاتخاذ الخطــوة الأولى، ومن المفيد أن تتبع أمريكا الدبلوماسـ­ـية الهادئة، وتتفادى سياســة حصرية «العصــا» والخطوط الحمر، فــا بد أن يكــون هنالك نوع من سياسة «الجزرة» كدوافع تشجيعية لإيران، ومن خلال خطوات تدريجيــة، مثل رفع بعــض العقوبات عنها جزئيــاً، وأن تقوم إيران بالــرد بالمثل، كتخفيض دعمها للميليشــي­ات في مناطق نفوذها، وهذا الشيء غير مكلف للطرفين ويمكن البدء به فوراً.

ما يطرح حالياً من قبل أمريكا وإيران حول معادلة الالتزام مقابل الالتزام، يبدو أن الطرفين لن يتراجعا عنه بدون مقابل

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom