Al-Quds Al-Arabi

كم من الأحلام تُقتل في الجزائر! وشعوذة على مواقع التواصل الاجتماعي

- مريم بوزيد سبابو ٭ ٭ كاتبة من الجزائر

تلاشــت أحلام نصيرة بكوش في أن تتخرج وتحســن مــن وضع أهلها، بعد موتها بطريقة بشــعة في الحي الجامعي. وها هو الموت ذاته يؤجل فرح الأمومة للصحافية سلمى حنك في جريدة «الخبر» اليومية، التي توفيت بعد أن رزقت بمولودة منذ أيام فقط بعد مضاعفات صحية بعد الولادة.

كان زوج الفقيدة الصحافي شــفيق خواص قد نشــر عبر حســابه على الفيســبوك طلبات بالدعــاء لزوجته المريضــة جدا بعد الــولادة، وكتب: «دعاؤكم لزوجتي بالشفاء في ســجود صلواتكم ربي يجازيكم...هي تهذي في الانعاش...شفاؤك ولطفك يا ربي العظيم».

الخبــر الذي صدم الإعلاميــ­ن والجزائريي­ن، وتناقلتــه مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المختلفة.

كانت المرحومة ســلمى مختصة فــي قضايا المجتمع ونالــت عدة جوائز صحافيــة، منها نجمة إعــام الصحافة المكتوبة لعــام 2015. وكذلك توجت بالجائزة نفســها في طبعتها الرابعة عام 2010. اشتغلت الفقيدة أكثر من 15 سنة في جريدة «الخبر» وكانت توقع مقالاتها باسم «سلمى حراز» وتزوجت من الصحافي شفيق خواص في العام 2017.

وبعد خمس ســنوات من الإنتظار أنجبت ابنتها «نور». لكنها غادرت إلى دار البقاء قبل أن تعيش تجربــة الأمومة وتتواصل مع ابنتها عناقا وتقبيلا. هكذا تفتك مضاعفات الولادة بالنســاء في كل يــوم بعد كل إنجازات الطب. الله يرحمك سلمى.

مريم بونداوي والأحلام المغدورة

كانت كنــدا حلمهــا لتكمل دراســتها، وتحقــق أحلامها، لكنهــا غدرت بالرصــاص. مــريم ذات 16 ربيعا. جاءت من قريتهــا الصغيرة في «إمولا» مدينــة بجاية، لكنها ســتعود جثة هامــدة بعدما خرجت لشــراء الخبز أو الحلوى في حي معروف في مونتريال «ســان ليونار» حي ســكني تجاري كندي تقطنه شــعوب من مختلف الجنسيات، وليس غيتو يقطنه مهمشون، حيث تكثر الجرائم كما قد يتخيل البعض.

رصاصــات لم تكن تقصدها، لكنه قدرها. موتهــا فجع أخواتها هناك وكل الجالية الجزائريــ­ة. كان الله في عون والديها وأهلها ممن ينتظرونها لتعود جثة هامدة.

كانت أختهــا تبكي، من خلال فيديــو تأبيني لها، تطلب مــن والديها أن يسامحوها، لأنها رجعت لهما في الصندوق وأنها كانت أمانة عندهم.

فيديوهات عديدة لأفــراد الجالية الجزائرية في كنــدا، تطالب بتوقيف الإشاعات في مثل هذه الظروف العصيبة، التي تمر بها أسر الضحايا. دعوها ترقد بسلام خارج الإشــاعات التي تطالها وتكرار الأسئلة التي لا معنى لها )لماذا خرجت على الساعة السادســة مساء؟(. لا أحد في مأمن من الحوادث والمكتــوب، ولو بقي الإنســان حبيس بيتــه، كما عبر أحدهــم ممن طالب الجزائريين بالتكتل واقتحام العمل السياســي لتصبح لهم كلمة مســموعة وتأثيــر في اتخاذ القرارات وحل مشــاكل الجالية الجزائريــ­ة، التي تتزايد هناك. وكلما كثر العدد كثرت المشــاكل، والتي تســتدعي تكاتفا وتضامنا مع أهل الضحايا وليس لوما وتجريحا.

مريم الصغيرة، تشــاء الأقدار أن تحضر تأبينها أستاذة اللغة الفرنسية، التي درســتها في المرحلة المتوسطة، والتي سافرت منذ شــهرين إلى كندا. ســمعت الخبر الصاعق في الصبــاح الباكر وأن الفتاة التي توفيت ليســت ســوى مريم، التي ودعتها منذ عامين وقامت بإســداء بعــض النصائح لها وحضنتها بقوة بعدما أفصحت لها عن رغبتها في الدراسة هناك، بينما كانت تعتقد المدرسة بأنها ربما ستسافر بسبب الزواج. الله يرحمها ويلهم والديها جميل الصبر.

الشعوذة في مواقع التواصل

في كل مرة تنشــر صور نســاء ورجــال وحتى أطفال عليها خربشــات وثقوب. كما تنشر دمى وطلاســم مرمية بجوار قبور وغيرها من الأماكن. لا يرغب المــرء في معرفة محتواها، لأنها صور توقــف العقل وتقلق الحواس. لكن الأمر زاد عن حده بعد ما ينشر من اعترافات لمشعوذين ومشعوذات، وما أكثرهم. نعم نعيش زمن تعطيل العقل، زمن تنتشر فيه الشعوذة على أوسع نطاق. شعوذة المؤسسات والمسؤولين والإدارات. ومختلف الفضاءات التي يعتقد أنها تبني الفكر والعقلانية. لكنها «شعوذة خمسة نجوم». بينما تركت للبسطاء شعوذة «على قدهم» حتى يظهروا في صورة الهمج السذج!

من يســيئون لسمعة المؤسسات والبلاد ويخربون البيوت والأسر أيضا. تناقلت وسائل الإعلام المكتوبة ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي «يوم القبض على مشــعوذ في منطقة مســتغانم» حيث تمكنت مصالح الدرك من توقيفه وبحوزته طلاســم وعقاقير ومصحفان مدنسان. كما تمكنت مصالح الدرك من العثور على الكتب والنسخ الخاصة بالشعوذة والسحر وكمية من أتربة القبور وحبر أسود للكتابة، وهيكل الضربان الجاف. وتم العثور أيضا على عقاقير ومساحيق، كمادة القطران، ومسك جامد ومجهز للسحر وصور امرأة وابنتين، إضافة إلى 37 حرزا )تمائم( وقصاصات تحمل أسماء وأرقام هواتف الزبائن والضحايا الذين بلغ عددهم 50 ضحية.

كما عثر في حوزة «المشعوذ» عائدات مالية بالعملات الأجنبة والوطنية، حسب المصدر الأول «النهار» الخبر الذي تناقلته المواقع الأخرى.

وفي الجنوب الشــرقي، في غرداية مواطنون يطالبون بتجريم السحر. تنقل لنا قناة «الشروق» صور أشــخاص يحفرون، ويعلق الصحافي قائلا: «لا ينقب على كنز مفقود أو ذهب ضائــع. وينطق المنقب مرددا: «لا حول ولا قوة إلا بالله». هذا ما عثر عليه هنا في إحدى مقابر ولاية غرداية.

يضيــف المنقب، وهو يحمل المصحف: «وماذا مكتــوب عليه، محمد النبي ابنــي وصهري. هذا الســاحر عليه لعنة الله(. ومن خــال حملات تنظيف للمقابر تلك التي يقــوم بها متطوعون في صفة دوريــة، كثيرا ما تصادفهم طلاسم وأدوات تستعمل في السحر والشعوذة.

وصرح الشــيخ «أبو كنان» إمام في غرداية لكاميرا «الشروق»: «ما نعثر عليه في مقابرنا من أنواع السحر والشعوذة يندى له الجبين، أنواع السحر الأسود، كسحر الحيوانات وسحر التمريض وسحر الصور».

بينما صرح أحد المتطوعين، وكلهم من الكهول أو الشيوخ، أن من يقومون بمثل هذه الأفعال من «طُلْبة» والنســاء اللائي يأتين هنا للســحر لو نقبض على إحداهــن لقطعنا ذراعها». بينما صرح متطوع آخر أن من يقومون بهذه الأفعال من لا يخافون الله.

متطــوع ثالث قال إنهم هنا متطوعون في هذا العمل في ســبيل الله، وكل خميس يقومون بحملة تطهير المقابر في ولاية غرداية. ويوم السبت يقومون بالتطوع في مقابر أخرى في متليلي أو بورقلة أو حتى ولاية البيّض. كما رفع هؤلاء مطالب إلى وزير العدل بســن قوانين ردعية لمعاقبة السحرة وتجريم السحر.

وجاء على لســان الإمام: «أريد أن أوجه رســالة إلى وزيــر العدل: ماذا تنتظرون من أجل تطبيق قوانين ردعية وصارمة ضد السحرة والمشعوذين؟

وينهي صحافي «الشــروق» قائلا: «ليســت المرة الأولــى، التي يتم فيها العثور على صور رجال ونســاء وبقايا حيوانات وكتب وطلاسم في المقابر لاستعمالها في السحر والتفريق بين الناس».

هكذا تنتقل حمى الشعوذة إلى الفيسبوك وتصبح صور النساء والأطفال، لــدى الكثيرين ممنوعــة من العرض والنشــر إلا في حــدود إخفاء الوجه بـ»إيموجات» تموه الوجوه ولا تظهر ســوى الأبدان خوفا من اســتعماله­ا في أســاليب الإيذاء والتعطيل. السحر ظاهرة تمس كل المجتمعات والفئات، ســواء من يقول بالعقل أو غيرهم، لأنها ظاهرة اجتماعية تخترق المجتمعات والثقافات. وكما يختلف الســحر يختلف مســتهلكوه وزبائنه ومسيروه. هناك سحر وشعوذة شعبية وسحر وشعوذة «في أي بي»!

ماذا لو عطل الســحر الحروب والكراهية والعنف، لو دعا للحب والخير والأمان؟!

كم نحن في حاجة لهذا «السحر الساحر».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom