Al-Quds Al-Arabi

سياسات أمريكا تجاه سوريا وأكرادها

- مهند الكاطع ٭ ٭ باحث في التاريخ الاجتماعي والسياسي من سوريا

ليس الســوري وحده من يترقب مواقــف الإدارة الأمريكية الجديدة اليوم، فالعالم كله يهتم وينتظر ما سيصدر عن هذه الإدارة تجاه مختلف القضايا، لكن السوري اليوم هو الحلقة الأضعف، إذ أنه لا يمتلك من يدافع عن مصالحه وحقوقه، وكل ما بقي من وطنه هو دولة فاشلة دون سيادة ومناطق نفوذ لجيوش وميليشيات وأمراء حرب، أما أمريكا فهي «ليست في عجلة من أمرها فيمــا يتعلق بالوضع الراهن في ســوريا» كما صرح المبعوث الأمريكي الســابق إلى مناطق شمالي وشــرقي سوريا السفير ويليام روبــاك، فإدارة جو بايدن الآن حســب روباك هــي «أمام فرصة لمراجعة السياسة الأمريكية في سوريا.»

إطالة أمد الصراع

الواقع أن السياســية الأمريكية تجاه سوريا لم تتبدل منذ سنة 2013، فأمريكا لا تســعى لإيجاد حل في ســوريا منذ عهد أوباما والتي كان جو بايدن فيها يشــغل منصب نائب الرئيس، بل كانت سياستها تتجه نحو احتــواء ما يحدث في ســوريا، وإطالة أمــد الصراع في ســوريا وعدم الاكتراث بمستقبل الســوريين وما تبقى من أوطانهم، وبقي الوضع على ما هو عليه في حقبة ترامب، والشــيء الوحيد الــذي تبدل ربما في عهد ترامب، هو سعي ترامب من الحد من النفوذ الإيراني والروسي، لكن ليس للحد الذي يشــكل فيه تغييراً في موازين القوى تجــاه ثنائية المعارضة والنظام.

الدول الغربية التــي مالت إلى تصديق دعاية النظــام، وتخويفه لها من شــبح الجماعات المســلحة الراديكالي­ة من خلال ربطها بما يحدث في ســوريا، بدأت تحذو حذو أمريكا منذ ســنة 2013 تحديداً، وابتعدت عن ســبل إيجاد دعم حقيقي لحل عادل يمكّن الشــعب الســوري من تحقيق أهدافه في دولــة مدنية تعددية ديمقراطية، وهي ذاتها الشــعارات التي ترفعها الــدول الغربيــة وتزعم أنهــا تدعمها، وعوضاً عــن ذلك صمت المجتمع الدولي وبشكل خاص الدول الغربية عن جميع الجرائم والمجازر الوحشــية الفظيعة التي ارتكبها نظام الأســد باستخدام جميع الأسلحة المحرمة دوليــًا، بما في ذلــك الســاح الكيميائي، ناهيــك عن الحصار والتجويع اللذين يهدفان للقضاء على الحراك الشــعبي المناهض لسلطة النظام، ومن نافل القول أن المجتمع الدولي كان يستطيع بشكل جماعي أو بإجراءات من بعض الدول الكبرى الفاعلة، بإيقاف ما يتعرض له الشعب السوري، لو كانت لتلك الدول مصلحة في ذلك.

لا دولة كردية في الشمال

يبدو أن المناوشــا­ت الأخيرة بين عناصر تابعــة للنظام وأخرى تابعة لقســد في محافظة الحســكة، كانت تمثل بالونات اختبار لإدارة بايدن، مدفوعة من قبل قســد بحماس للإدارة الجديدة، والاعتقاد أن بايدن من أنصارهــم، وربما وعلى عكس ترامب، يطوّر شــكل العلاقة مع قســد من مســألة دعم عســكري مؤقت «وتكتيكي» إلى علاقة تأخذ طابعاً سياسياً يعترف من خلاله الأمريكان سياسياً بإدارة وسيطرة قسد، وربما هذا ما دفــع ويليام روباك للخروج عن صمته، ليقــول وبوضوح ما أكدته مراراً الولايات المتحــدة الأمريكية لهم، «إن الأوضاع في هــذه المنطقة تختلف عن إقليم كردســتان العراق، وأنه لا يدعم قيام دولة كردية في ســوريا» وموضحاً شــكل العلاقة والتحالف بين أمريكا وقســد وأنه «جاء لهزيمة تنظيم «الدولة» وقال: «قدمنا بعض المســاعدا­ت لدعم حياة الســوريين هناك، وســاعدنا المجالس المحلية التابعة للإدارة الذاتية لتحسين عملها، وقدمنا مساعدات عسكرية لتعزيز دور قسد ضد تنظيم «الدولة»، وليس للسيطرة على شمال شرقي سوريا..»

والواقع أن ما قاله روباك هو تماماً ما قلناه كذلك نحن الســوريين لكافة الأطراف الكردية في ســوريا في عدة مناسبات من استحالة قيام أي كيان خاص للأكراد في ســوريا حتى لو توفر لهم دعم كل دول العالم. فالمســألة

في ســوريا مختلفة تماماً. ما قلناه للأكراد، وما قالــه روباك كذلك، تعرفه جميع القوى والأحزاب الكردية جيداً، فهي تعلم أن واقع الأكراد في سـوريا مختلف عن واقع أكراد العراق، ففي سوريا لا توجد قضية كردية من الناحية السياسية أو التاريخـية، ولا يمكن خـــلق قضـية بهذا الحـجم من العدم، كما لا توجد حتى مقومـات ديموغرافية لدعم مـثل هذا التوجـه، فالتواجد الكردي في سـوريا محدود في ثلاث بقع سورية منفصلة جغرافياً، وبعكس الدعاية التــي يتم خلالها ومنذ بــدء الثورة اســتخدام مصطلح «مناطق كردية» لا يشـــكل الوجود الكردي في أي من مناطق وجودهم في الشريط الحدودي المحـاذي لتركيا كثافة سكانية تسمح لنا بالحديث عن مناطق أو أقاليم كردية، إلا في حدود قرى ونواحي معـينة.

مستقبل «قسد»

بل أكثر من ذلك، يشير روباك إلى مسائل بديهية في السياسة الأمريكية الخارجية، والمعروفة أنها لا تخضع عادةً لمزاج الإدارة هذه أو تلك، وبعيداً عن الدعايات الانتخابية، فهناك هامش لكل إدارة أمريكية جديدة يعطيها الحق للقيام بمهام وإنجاز سياســات يجب أن تكون بالضرورة متوافقة تماماً مع السياســة الأمريكية العامة والخارجيــ­ة، لذلك في علاقة أمريكا مــع دولة مهمة مثل تركيا، لا يجب أن نتوقع تبدلات جذرية وســريعة في العلاقــات الثنائية الممتدة لعقود، ومن هنا يؤكد روباك أن الأمور الأخرى التي قام بها الجانب الأمريكي وخاصة المبعوث السابق لسوريا، جيمس جيفري، هو التحدث لتركيا لشــرح نيات واشنطن شــرق الفرات، وفي هذا الإطار قال روباك: «إن نصائحنا لقســد دائماً كانت استمرار العلاقة مع أمريكا والتحالف في الحرب ضد تنظيم «الدولة» وتوفير الأمن شمال شــرقي سوريا وإجراءات بناء ثقة وعدم القيام بأي استفزاز لتركيا، مثل بناء دولة أو اســتعمال أيديولوجية معينة أو رموز أوجلانية» في إشارة إلى زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان.

في منتصف تشــرين الأول- أكتوبر ســنة 2015 قامــت قوات حماية الشــعب الكردية بتغيير اسمها ليصبح قوات سوريا الديمقراطي­ة )قسد( واتضــح أن ذلك كان بنــاء على أمر مــن الأمريكان آنذاك، هــذا ما أكده الجنرال الأمريكــي رايموند توماس في تصريحات أدلى بها ســنة 2017 خلال «منتدى أسبن للأمن» في ولاية كولورادو الأمريكية، وأضاف: «قلنا لهم بالحرف: عليكم تغيير اســمكم. ماذا تودون أن يكون اسمكم بخلاف وحدات حماية الشــعب؟ وفي غضون يوم أعلنوا أن اسمهم أصبح قوات سوريا الديمقراطي­ة.. رأيت في استخدام كلمة «الديمقراطي­ة» لفتة رائعة. أعطتهم بعــض المصداقية». لكــن على أرض الواقع الجميــع كان يعرف علاقة هذه القوات بحزب العمال الكردســتا­ني «الأجنبي» وكذلك علاقتها وتعاونها العسكري مع النظام، و بقيت دون مصداقية ودون اعتراف من قبل جميع الفرقاء السوريين.

مستقبل «قسد» اليوم وفقاً لجميع المعطيات الدولية ومواقف الأطراق الإقليمية الفاعلة والمحلية مرتبط بشــكل أساســي بملف الحل السياسي الشــامل في ســوريا والانتقال السياســي للســلطة، والحل السياسي مرتبط بتوافقات إقليميــة ودولية، وخاصة بين الأطراف الدولية الفاعلة في ســوريا، حول العديد من الملفات التي لها علاقة مباشرة في الخريطة السورية، أو الملفات الأخرى التي لا علاقة لسوريا بها، لكن يتم التفاوض حولها باســتخدام النفوذ والتدخلات في سوريا كورقة تفاوضية في تلك الملفات. ومجرد البدء بأي خطوة حل سياســي، ســينتهي دور «قســد» الوظيفي في سوريا، وستنتهي كل الإدارات المؤقتة لها في المنطقة، وأبعد من ذلك، لن يكون هناك أي دور لقسد بشكلها الحالي وعلاقتها العضوية الراهنة بالعمال الكردســتا­ني في المســتقبل السياسي السوري، بل وقد تكون قيادات قسد الحالية عرضة للملاحقة القانونية في جرائم حرب تم ارتكابها وتوثيقها من قبل منظمة العفو الدولية وهيومن راتيس ووتش، شــأنها بذلك شــأن النظام والميليشــ­يات الإيرانية وحــزب الله وجبهة النصرة وحتى بعض فصائل المعارضة المسلحة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom