Al-Quds Al-Arabi

قصف أربيل: إنْ كانت طهران لا تدري فتلك مصيبة

-

■ استأنفت مجموعات من الميليشيات الشيعية في العراق اســتهداف القوات الأمريكية المتمركزة فــي قاعدة التحالــف الدولي المجــاورة لمطار أربيل عاصمة إقليم كردستان، وهذا هو التصعيد الثاني بعد جولة أولى في أيلول/ ســبتمبر الماضي طالت القاعــدة ذاتهــا. غيــر أنّ ثلاثة صواريــخ فقط، من أصــل 14 صاروخــاً، أصابــت أهدافهــا الأمريكية فقتلــت متقاعداً من غير الجنســية الأمريكية، وأما بقية الصواريخ فقد سقطت في محيط المطار القديم وأحياء سكنية داخل المدينة.

هنا مكمن الخطورة والفارق النوعي عن الضربة الصاروخية الســابقة، إذْ أن صواريخ الميليشــي­ات تستهدف هذه المرة إقليم كردستان وبعض سكانه ممن لا حول لهم ولا طول في بقاء القوات الأمريكية أو في جلائها الــذي تزعم الميليشــي­ات أنه الهدف الأول من وراء أعمال القصف. وإذا كان التنســيق ضعيفاً أو حتى شــبه مفقود بــن الإدارة المركزية العراقيــة وســلطات الإقليــم المختلفة، السياســية والعسكرية والأمنية والاقتصادي­ة، فإن استئناف الضربــات الصاروخيــ­ة لا يعمق الهــوة بين بغداد وأربيل على مســتويات حكومية وإدارية فحسب، بل يخلــق المزيد من التوتــر والاحتقان على صعيد العلاقات الشعبية بين الفئات الشيعية والكرد على وجه الخصوص.

صحيح أن مجموعة ميليشيا مغمورة تطلق على ذاتها تســمية «ســرايا أولياء الدم» هي التي تبنت عملية القصف الأخيرة، إلا أن الأسلوب والمعطيات اللوجســتي­ة المقترنــة بالتنفيذ ونوعيــة الصواريخ المســتخدم­ة تشــير بوضوح إلى أن الجهــات التي ســبق أن اســتهدفت المصالح الأمريكية في الكثير مــن المواقــع داخــل العــراق هــي ذاتهــا صاحبــة المسؤولية عن استهداف مطار أربيل، سواء بصفة

مباشرة وتحت قناع الميليشيا الجديدة المغمورة، أو على نحو غير مباشــر انطوى على الدعم والإسناد والإرشاد.

ولا يخفى أن استهداف إقليم كردستان في هذا التوقيت بالذات مرتبط بوقائع محلية مثل العملية العسكرية التركية في الإقليم ولجوء حزب العمال الكردســتا­ني إلى تصفية 13 أســيراً تركيا في أحد الكهــوف العراقية، وهــو كذلك ليــس منفصلاً عن ســياقات إقليميــة تتواصــل خلالها أجواء الشــد والجــذب بين إيــران والولايــا­ت المتحــدة وغالبية رعاة الاتفاق الدولي حول برنامج طهران النووي. وكان لافتاً أن جهات حكومية إيرانية ســارعت إلى إدانة قصــف مطار أربيــل ونفت أي صلــة لها في التحريــض على تنفيــذه، الأمر الذي يمكــن قراءته أيضاً طبقاً للقاعدة الشهيرة: إنْ كنتَ لا تدري فتلك مصيبة/ أو كنت تدري فالمصيبة أعظم.

فمــن الثابــت والمعــروف أن الغالبية الســاحقة من الميليشيات الشــيعية في العراق تناصر طهران وتتبــع أوامر الحرس الثــوري الإيراني، مباشــرة عبــر قيــادات «الحشــد الشــعبي» أو فــي حالات أخرى نادرة عبر مبادرات فردية تتماهى على نحو وثيق مع خدمــة المصالح الإيرانيــ­ة. وبالتالي فإن معرفة طهران المســبقة بعملية قصــف أهداف في كردستان وعدم التدخل للحيلولة دون تنفيذها هو مصيبــة أولى، لا تقلّ عنها دلالة أن تكون ميليشــيا حديثة النشــأة قد قامت بالتنفيــذ دون علم طهران وإعلام رجالها في العراق.

ومن الواضــح أن تغريدة الرئيس العراقي برهم صالــح حول الواقعــة، وحديثه عــن معركة الدولة والســيادة ضد الإرهاب والخارجــن عن القانون، هي إشــارة قوية يُــراد منها عبور الحــدود وإبلاغ أهل الحل والربط في الإقليم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom