Al-Quds Al-Arabi

حجاج نصار ٭

- ٭ كاتب من مصر

للحياة ليلاقي مصيره أيا كان، ومن هنا يمكن أن نطرح سؤال هل غرق شــخص ما على ســفينة وسط البحر، يمكن أن يؤدي إلى دمار العالم؟

يمكن ذلك ولا يمكــن، ويتوقف ذلك علــى ارتباطات هذا الشــخص في العالم، فيمكن أن يقود موته إلى قيام حــرب عالمية، كما كان فــي إرهاصات الحــرب العالمية الأولى. وثنائية موســى/الخضر في التــراث العربي، كانت تتحرك على نمطين مختلفين، نمط المنطق البسيط القائم على الأسباب المباشرة والنتائج المباشرة، ونمط آخر لعدم الارتبــاط بين الأســباب والنتائج، وللوهلة الأولى يُظهر السلوك العشــوائي­ة، ولكن عندما توفرت المعلومات، أصبح النمط مفهومــا وإن كان غير مألوف. وأيضا تبنــي أيديولوجيا معينة، وتفســير العالم على هداها، ورد كل شــيء إليها، يمثل جاذبا غريبا وتشوها للرؤية في آن واحد، فما ذلك ســوى حلقة تغذية مرتدة في الاتجــاه نفســه، متكــررة، وإذا كان يدعمها تبني أفراد كثر للفكرة نفســها، فسنشــاهد مصيرا يؤدي إلى الانفصال عــن الرؤيــة المتوازنة للواقــع، وعدم قبول الآخــر، بل يمتــد إلى أبعد مــن ذلك، فنمــوذج مركزية الأرض في العصور الوســطى يمثل تأطيرا جاذبا يشد إلى مداره كل مخالف ويســتبيحه ويقضي عليه، وهذا العقل منتشر حول العالم وفي عالمنا العربي بشكل أكبر، فينبئ عن كســل وعور في الرؤية كامنة في داخله، مثل انحدار كرة واستقرارها على ســفح جبل، كما أنها دلل علــى الخروج من ســير العالم نحو الاكتشــاف بمنهج علمي واضح وقائم على الســؤال وليس تجريمه، ولكن يسبق هذا كله ســؤال حول الظروف الأولية التي أدت إلي تشــكل مثل ذلك العقل وســلوكه، والنقاط الحرجه والحساســة لأي طفيف، بل يمكن ان يتســع الســؤال ليشــمل أي ظرف مهما كان حقيرا وغير مرئي، ففرضية حركة الشــيء فى ظل ثبات العوامــل الأخرى أصبحت فارغــة، لأنها لا تتحقــق إلا في نظام مغلــق مثل تحقق قانون العرض والطلب في الاقتصاد على سلعة واحدة، مع ثبات العوامل الأخرى، فيؤدي ذلك إلى أن اللاخطية هي القانون وليس العكس، اي أن الاســتثنا­ء هو الذي ينظم الحياة والكون وليس القاعدة.

وتفضي النهاية إلى أن فضاء كلمة الفوضى يثير كثيرا من المعاني التي تشكل مدارات من الاضطراب واللانظام واللاخطية، وكثيرا من الدوائر التي تتفرع إلى أشــكال غير متوقعة، ولكن داخل إطار وفضاء محدد، وهو معنى يتخيله العقل في شكل إنســان ينزلق على رسم بياني معقد من الانحدارات والارتفاعا­ت، المتشابكة والمتشعبة واللانهائي­ة، وغير متوقعة المسار والمصير إلى ما لانهاية، إنســان تتقاذفه الأمواج بين قممها وقيعانها، يقع في يد ديناميكيات تنفلت بشراسة إلى تكرار وتوالد غير منته، يمرّ من نقاط عدم استقرار إلى أخرى، مثل كرة موضوعة على رأس هرم، تندفع بقوة إلى احتمالات مصيرها غير المتوقع، يحدوها الأمل في أن الأشياء البسيطة يمكن أن تحدث فروقا كبيرة ومصائر مختلفة، وكأن في المجهول يكمن سر الحياة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom