Al-Quds Al-Arabi

«فايننشال تايمز»: صمت بايدن تجاه قادة المنطقة ... تلاعب بالأعصاب أم محاولة لتصويب العلاقات؟

-

قال ديفيد غاردنر في صحيفة «فايننشــال تايمز» إن كلاماً مشاكســاً كثيراً ســيق في معرض تأخر الرئيــس الأمريكي جوزيــف بايدن عن الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي مكالمة عادة ما يقوم بها الرؤســاء الأمريكيون حالة توليهم السلطة ويؤكدون فيها التزامهم دعم حليفتهم إسرائيل.

لكــن الإدارة الحالية على خلاف الإدارات الســابقة مارســت صمتاً بشــأن الشرق الأوسط. وقال غاردنر إن مشكلة نتنياهو هي أن الرئيس السابق دونالد ترامب غمره وبشكل مسرف بهداياه وسياساته المتعلقة بالشرق الأوسط والتي اســتجابت لكل قائمة الأماني التي طلبها اليمين المتطرف. وحتى في ظل إدارة باراك أوباما، شــعر نتنياهو بثقة جعلته يطلب جلســة مشــتركة في الكونغرس عــام 2015 ويخاطب أعضاءه محاولاً التصدي لإنجاز أوباما الرئيســي في السياســة الخارجية وهي الاتفاقية النووية مع إيران. وقام ترامب بإلغاء الصفقة في 2018، ولكن بايدن يحاول اليوم استعادتها.

ويواجه نتنياهو انتخابات جديدة ومعها ملاحقات في قضايا فساد. وفي العام الماضي نشرت حملته الانتخابية صورة له إلى جانب ترامب والتي لم يحذفها من حسابه على تويتر إلا الشهر الماضي. ومع أن سجل بايدن في الدفاع عن إســرائيل لا تشوبه أي شائبة إلا أنه يحاول على ما يظهر إرسال رسائل. ويشعر الناخب الإسرائيلي بالحساسية من قادتهم الذين يقفون على الجانب الخطأ في الولايات المتحدة، وهو عامل مهم في هزيمة نتنياهو فــي 1999 وتلتها فترة من خمس فترات في الحكم، حيث أصبح أطول رئيس وزراء يتولى الحكم منذ ديفيد بن غوريون.

ويرى الكاتب أن المكالمة ســتتم لكن البيت الأبيض يستخدم الصمت كجزء مــن عملية إعــادة تقييــم علاقاته مع حكام الشــرق الأوســط المســتبدي­ن. وعدم الحديث هــي طريقة غير تقليدية في الدبلوماسـ­ـية ولكن لها استخداماته­ا. فحتى هذا الوقت لم يتحدث بايدن مع محمد بن سلمان، ولي العهد الســعودي. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن بايدن سيتحدث مباشرة مع الملك سلمان وليس ولي العهد. كما لم يتصل بايــدن مع رجب طيب اردوغان الحليف في الناتو. ولم يتلق عبد الفتاح السيسي رئيس مصر مكالمة بعد.

وكانــت محادثات ترامب غير المرتبة والقائمــة على البعد التعاقدي أحياناً تترك آثــارًا غير متوقعة. فقد أدى الانســحاب الأمريكي الجزئي في تشــرين الأول/أكتوبر 2019 إلى التوغل التركي في شــمال شــرقي ســوريا. وبعد محادثات ترامب في قمة الرياض في أيار/مايو 2017 قام قادة الإمارات والســعودي­ة ومصر بفرض حصار على قطر والذي دعمه ترامب بداية قبل أن يقنعه وزيرا الدفاع والخارجية بالتراجع عن موقفه وذكروه بأن أمريكا لديها 12 ألف جندي في قاعدة العديد في قطر.

ويرى الكاتب أن معاملة بايدن الصامتة تأتي على رأس مجموعة من الإجراءات القوية مثل تعليق صفقات السلاح إلى السعودية والإمارات هي دفعة مرحب بها لسلوك حذر. ففي الشهر الماضي تم رفع الحصار عن قطر فيما نظر إليها علــى أنها عرض تم تحضيره وتقديمه لفريق بايدن. وقام السعوديون بتخفيض معدلات انتاج النفط لمساعدة شركات النفط الصخري الأمريكية. وفي الأســبوع الماضي أفرجوا عن سراح الناشطة لجــن الهذلول التي اعتقلت وتعرضت للتعذيــب والانتهاك لدفاعها عن حق المرأة بقيادة الســيارة. وأظهر اردوغان بعد سلســلة من المغامرات الإقليمية وجهاً براغماتياً. وعقدت تركيا في الشــهر الماضي أول اجتماع مباشــر لها مع اليونان ومنذ خمسة أعوام في محاولة لتخفيف العاصفة المتراكمة فوق شــرق المتوســط والخلافات المتعلقة بالحــدود البحرية ومصادر الغاز الطبيعية.

ودعمت تركيا اللاعب الرئيس في الحرب الليبية الحكومة الانتقالية الجديدة التي انتخبت لكي توحد البلاد. ومن بين المشــاكل الكثيرة التي تواجه أنقرة مع واشنطن هي منظومة الدفاع الصاروخي الروسي إس400. وعبرت تركيا حتــى في هذا الموضوع الرئيســي عن رغبة بتقديم تنازلات. وربما كانت التحركات العقلانية تعبيراً عن أجواء حذرة. وقال فريق بايدن إن وقت الشــيكات المفتوحة للمستبدين قد انتهى. ويشمل هــذا ديكتاتور ترامــب المفضل، أي السيســي. ووعد بايــدن بمراجعة العلاقات مع السعودية التي منحها ترامب صكاً مفتوحاً وحتى بعد تقرير المخابرات الأمريكية )ســي آي إيه( الذي أكد أن عمليــة قتل الصحافي جمال خاشــقجي لم تكن لتتم دون موافقة من محمد بن سلمان. ولم يعد سياج الحماية الذي وفره ترامب لاردوغان في واشنطن موجودًا.

ويشــير الكاتب إلى الشــكوك التي تثار في المنطقة حول المدى الذي ســتذهب فيه الإدارة وتخاطر بزعزعة تحالفاتها التقليدية. وقد تراجع التأثيــر الأمريكي من التدخل الأمريكي الكارثــي في العراق تحت إدارة جورج دبليو بوش إلــى تردد باراك أوباما في التدخل في ســوريا إلى سياســات ترامب المتقلبــة. وخلقت أمريــكا فراغاً ملأتــه وإن بطريقة فوضوية روســيا وإيران وتركيا والســعودي­ة والإمــارا­ت. وبناء على هــذا الواقع فمن الصعوبة بمكان تخيل قيــام إدارة بايدن بتحويل هذه الإشارات إلى إعادة ضبط في العلاقات والتحالفات.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom