Al-Quds Al-Arabi

أبطال فيلم «الموريتاني» لـ«القدس العربي»: يقلب النظرة الهوليوودي­ة للعرب والمسلمين

- لوس أنجليس - «القدس العربي» من حسام عاصي:

عقب ضربات الحادي عشــر من ســبتمبر/ أيلول عام 2001، أعلنــت الولايــات المتحدة الحرب علــى الإرهاب وتحديداً ضد تنظيم «القاعــدة» الذي نفذ تلك الضربات. فجابت وكالة الاستخبارا­ت الأمريكية )سي آي إي( دول العالم بحثاً عن جميع من يشــتبه بعلاقتة بالتنظيم، كما اعتقلــت أو اختطفت العديد منهــم ونقلتهم الى معتقلات ســرية في دول عربية، حيث استخدمت وسائل التعذيب الشــائعة هناك فــي التحقيق معهم، قبــل أن تنقلهم الى الوجهة الأخيرة، قاعدة عســكرية في خليج غوانتانامو الكوبي، حيث زجتهم في معتقل بُني خصيصا لهم هناك، واستمرت في التحقيق معهم وتعذيبهم.

قصة أحد هــؤلاء المعتقلين وهو مهنــدس الاتصالات الموريتانـ­ـي محمــدو ولــد صلاحــي، يطرحهــا فيلم هوليــوودي جديد، تفتتح أحداثه في نوفمبر/تشــرين الثاني عام 2001 عندما تختطف الســلطات الموريتاني­ة صلاحي من بيته وتســلمه للاســتخبا­رات الأمريكية، التي تنقلــه إلى غوانتنامــ­و، حيث يتــم التحقيق معه عن نشــاطه في تنظيم القاعدة، متهمة إياه بالتخطيط لضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وعندما ينكر التهم الموجهة إليه، يستخدم جهاز «سي آي إي» أساليب تعذيب مروعــة، كإيهامه بالغرق، وتهديــده بالقتل أو باغتيال أمه، والإذلال الجنسي، والحرمان من النوم، إلى أن يعترف بكل التهم.

الفيلــم يســتند على كتــاب ولد صلاحــي «يوميات غوانتانامـ­ـو» الذي كتبــه بينما كان معتقــاً عام 2005 ونُشــر عام 2015 ليصبح أحد أكثر الكتب مبيعاً، ما لفت انتباه المخرج الإســكتلن­دي، كيفين ماكدونالد، المعروف بإخراج أفلام وثائقية ودرامية مثل «يوم في ســبتمبر» الفائز بالأوســكا­ر، بالإضافة إلى «لمس الفــراغ» و»آخر ملوك اسكتلندا» و»ويتني».

قصة إنسانية

وفي حديث مع ماكدونالد عبــر خدمة زوم، قال لي إن غايته لم تكن صنع فيلم سياسي، بل طرح قصة إنسانية. «عندما قابلت محمــدو، فوجئت به كثيــرًا. لأنه رجل لم تنكسر شــوكته، حتى بعد أن قضى 14 عاما في السجن، دون أن توجه إليه أي تهم. إنه رجل لم ينســكر حتى بعد تعرضه لأقصى ضروب التعذيــب التي تخطر على بالك، وهو في الحقيقة يتمتع بروح مرحة، وهذا مثير للاهتمام حقاً. لديه حنان إنساني عظيم وذكاء شديد. إنه شخص غير عــادي وكان يجب صنع فيلم عنه في أية حال. ولكنه أيضاً وســيلة لنا للتقصي بشــأن غوانتانامو وما حدث هناك .»

إلا أن هنــاك العديــد مــن الأفــام التي ســبرت ذلك الموضوع، مثل «التقرير» و«النائب» و«ترحيل» و«تاكسي إلى الجانب المظلــم» و«الطريق إلــى غوانتانامو» و«30 دقيقة بعد منتصف الليل» التي كشــفت عن خفايا الحرب الأمريكية علــى الإرهاب وافتقارها للشــرعية القانونية والقيم الأخلاقية، لا ســيما في ما يخص إخضاع المشتبه بهم للتعذيب.

«تدور تلك الأفلام حول شخصيات أمريكية وتظهر صور الضحايا على شــكل ومضات من جثث أناس مجردين من إنسانيتهم ولا تعرف من هم » يعلق المخرج . «لا توجد أفلام عن غوانتانامو أو حتى عن سائر الحرب على الإرهاب من وجهة نظر المسلمين والتي أضفت طابعاً إنسانياً على مثل هذه الشخصية وجعلتها في قلب الأمور».

لأداء دور ولد صلاحي، اختــار ماكدونالد نجماً عربياً عالميــاً لامعاً وهو الممثــل الفرنســي - الجزائري الأصل طاهر رحيم، الذي شــارك في فيلمه «النســر» عام 2009 بعد أن سطع نجمه في الفيلم الفرنسي «نبي» الذي رُشح للأوسكار عام 2008 ونال عنه جائزة السيزار الفرنسية.

ومنذ ذلك الحــن قام ببطولــة أفلام أبــرز المخرجين العالميين، علــى غرار فيلــم الإيراني أصغر فرهادي «الماضي» وفيلم التركي الألماني فاتح أكــن «القطع» وملحمة جون جاك انــود «الذهب الأســود» لكنــه رفــض الأدوار الهوليوودي­ة، لأنها كانت نمطية، إلى أن أقنعه عميل «أف بــي آي» اللبنانــي الأصل علي صوفان بتجسيده في مسلسل «برج في الأفق » عام 2018 .

ومنذ ذلك الحين شــارك في بطولة عدد من المشــاريع الهوليوودي­ة مثل فيلــم «مــاري ماغدالين» ومسلســل «نتفليكــس» مــن إخــراج داميــان

شــازيل «ذي ايــدي» ومؤخــراً قام ببطولة مسلسل «نتفلكس» آخر وهو «الثعبان».

طرح من منظور مسلم

وقد وافــق على تجســيد دور محمدو بعدمــا أكد له ماكدونالد أن ســيطرحه من منظور مسلم. «قصة الفيلم جذبتني لأنها ليســت نمطية» يوضــح رحيم في حديث معي عبر «زووم» مــن بيته في باريس. «يعني إذا أخذت هذه القصة ووضعتها في ســياق آخر فستعمل الطريقة نفســها. إذا تحدثنا عــن الطريقة التي يتــم بها تصوير الشــخصيات العربية فــإن إظهارها بصورة إنســانية يعتبر طريقة جديــدة عموماً، وهذا يتجــاوز حقيقة أن محمدو بــريء أو مذنب حتى لو كنت أعتقد أنه بريء في هذه الحالة. هذا إبراز وجــه مختلف عنا. ومن المهم جدا أن نظهــر للجمهور ما نراه نحن علــى أرض الواقع ومن لدينا في عائلاتنا. لهذا أبهرني هذا الدور. وعندما التقيت بمحمدو شعرت أن لدي مسؤولية كبيرة لأداء دوره على الشاشة لأن هذه قصة حياته وليست مجرد فيلم».

اتهام المخابــرا­ت الأمريكية ولد صلاحي بالانتســا­ب لتنظيم القاعدة لم يأت من فراغ، فقد بايع التنظيم بداية التســعيني­ات وتدرب مع عناصره في أفغانستان، أثناء حرب التنظيم المدعوم حينها من الإستخبارا­ت الأمريكية ضد حكومة نجيب الله الشيوعية. ورغم أن ولد صلاحي ترك أفغانســتا­ن بعد ســقوط النظام عام 1992 لكنه ظل على تواصل مع ابــن عمه أبو حفــص الموريتاني، الذي كان أحد المقربين من أسامة بن لادن، وآوى أعضاء الخلية التي نفذت ضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ليلة واحدة في شــقته في ألمانيا. لكنه ينكر أنه كان على علم بمخططاتهم.

«أنا لا أعرف تماماً أنه لم يفعل شيئا ولا أدعي في الفيلم أنه بريء » يعلق ماكدونالد . «ما أقوله هو أنه سُــجن لمدة 14 عاما، دون محاكمة ولــم يكن هناك دليل على أنه فعل أي شــيء على الإطلاق مع أن الحكومة الأمريكية أنفقت الملايين من الــدولارا­ت في محاولتها لجمــع الأدلة ضده

وفشلت. لذلك هذا أقرب ما يكون الى البراءة. الأمريكيون يتفاخرون بمبادئهم الدســتوري­ة، التي تقول إنه بريء حتى تثبت إدانته، لكنهم فشلوا بالالتزام بتلك المبادىء، التي تملي عدم زج الناس في السجون دون محاكمتهم».

ممارســات الحكومة الأمريكية في غوانتانامو أثارت الجدل في الولايات المتحدة وأشــعلت استنكار جمعيات حقــوق الإنســان ضدهــا، ما جــذب اهتمــام المحامية الأمريكية، نانســي هولاندر، التي قررت أن ترفع دعوى ضد الحكومة. ومن أجل تحقيــق ذلك، كان عليها أن تجد موكلاً من المعتقلين، وذلك لم يكن سهلا لأن «سي آي إي» كان ينكر وجود المعتقلين. فانتظرت حتى طلب منها محام فرنســي، وهو إيمانويل انتيت أخذ قضية ولد صلاحي. وبعد موافقة شركتها، انطلقت إلى غوانتانامو لمقابلته.

وسائل التعذيب وخرق القانون

«لم أكن أعرف عن محمدو شــيئا قبل أن ذهبت لرؤيته في غوانتانامو» تقول هولاندر في مقابلة عبر زوم. « كنت قد كتبت له رسالة ولم أكن أعرف إذا كان قد تلقاها بالفعل أم لا حينها .»

وتطالب هولاندر الســلطات بمحاكمــة ولد صلاحي وتقديم الأدلة ضده إذا أرادت أن تبقيه في السجن. فتعين الســلطات مدع، يدعى ســتيوارت كاوتــش، الذي يقرر المطالبة بحكم الإعدام ضد صلاحي. بينما تقوم هولاندر بالدفاع عنه مجانا مع أنها لم تكن واثقة من براءته.

«أنا محامية دفاع جنائية ودائما ما أمثل أناســا ليسوا أبرياء» تقول هولاندر. «إنهم متهمون وعلى الحكومة أن تثبت التهم بما لا يدع مجالا للشك أنهم غير مذنبين».

لكن الإرهاب ليست مجرد جريمة وخاصة التورط في ضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، التي تعتبر أكبر اعتداء على الولايات المتحدة منــذ قصف اليابان لبيرل

هاربــر في جزر هــاواي بداية الحرب العالميــة الثانية. لهذا فإن الدفــاع عن أحد المتهمــن بالتخطيط لها يعتبر خيانة في نظر الكثير من الأمريكيين. لكن رغم التحديات والعداء الذي تواجهه هولاندر من السلطات، التي تكوّم جبلا عارماً من العقبات أمامها لكي تفشل مهمتها، الا أنها تستمر في مطالبة الحكومة بتقديم أدلة ضد وكيلها.

وجذبت هولاندر بعض المعجبين المشاهير، من ضمنهم النجمة الهوليوودي­ــة الحائزة على جائزتي أوســكار، جودي فوستر، التي عادت للتمثيل بعد غياب دام خمسة أعوام من أجل تجسيدها في الفيلم.

«هي أمرأة غير عادية وشخص يعد بطلاً بالنسبة لنا» تقول فوستر في لقاء عبر زوم. «هي شخص قرر أن يجعل عمل حياته يتمحور حول الدفاع عن الدســتور والدفاع عن سيادة القانون. وهذا يعني أنها بصفتها محامية دفاع دافعت عــن الكثير من المذنبين، ما فــرض عليه أن توجد لنفسها نوعاً من الدرع العاطفي كي لا تقترب كثيراً، حتى لا تشعر بالحزن مراراً وتكراراً.

ومع ذلك، غيّر محمدو نظرتها للعالم تماماً في النهاية. كان هــذا صحيحاً جــداً في قصة نانســي. لكن بالطبع، أجرينا بعض التعديلات واخترت إبراز أجزاء معينة من شخصيتها وربما إخفاء أجزاء أخرى.»

بداية، يبدو واضحاً أن هولاندر ليســت معنية بتبرئة ولد صلاحي وأن غايتها هي تطبيق القانون بشأن تقديم أدلة تبرر حجزه، ما يثير غضبــه، مصراً على أنه بريء وأن عليهــا أن تصدقــه إذا أرادت أن تمثلــه. ومن خلال التعرف عليه، تدريجياً تثق به وتصدقه. ولحسن حظها، المدعي العام كاوتــش أيضاً يؤمن بالدســتور الأمريكي وســيادة القانون، إذ يرفض الأدلة التي يقدمها «سي آي إي» بعد أن يكتشف أنها حصلت عليها بوسائل التعذيب ويرفض تمثيل الحكومة في المحكمة.

لكــن رغم أمر القاضــي الســلطات الأمريكية بإطلاق ســراح ولد صلاحي عام 2010 لعدم وجود أدلة ضده إلا أنها أبقته معتقلاً في غوانتانامو حتى عام 2016. وما زال ممنوعاً من السفر خارج بلده موريتانيا.

«عندما تذهــب إلى المحكمة، عليهــم إدانتك بما لا يدع مجالا للشــك» يقول ولد صلاحي في حديث عبر زوم من بلده فــي موريتانيا. «لكن في حالتــي، هم لا يحتاجون ذلك. كل ما كان على الحكومة الأمريكية قوله هو: يحتمل

جداً أن يكون رجلا سيئاً. لكن لم يتمكنوا حتى من إثبات أنني شخص سيئ على الأرجح».

في الفيلم، خصم ولد صلاحي هي السلطات الأمريكية، التي تتصرف بصــورة لا أخلاقية وغير قانونية، بينما لا يُذكر دور الســلطات الموريتاني­ة فــي اختطافه من بيته وتســليمه لدولة أخــرى دون إعلام عائلتــه وأهله عما حدث له. ولم يعرف ذووه عن مصيره إلى أن ذُكر اســمه في تقرير تلفزيوني ألماني عن معتقل غوانتانامو.

«هــذا فعل مخز ومخجل للغايــة» يعلق ولد صلاحي. «أن ينتهك بلدك دستوره وينتهك القانون الدولي بحقك. هذه جرائم ضد الإنســاني­ة لا تسقط بمرور الزمن. لكني اخترت أن أغفر لبلدي وللولايات المتحدة».

الشخصيات الأمريكية المعادية

مــع أن الفيلم لا يبرئ ولد صلاحي إلا أنه يقلب معادلة الأفلام الهوليوودي­ة الســائدة، إذ يقدمه كإنســان مرح ومتســامح ومحب ومثقف ولطيف المعشــر، بينما يقدم الشــخصيات الأمريكية المعادية له كشخصيات غاضبة وناقمة ومتطرفة ولا أخلاقية.

وهذه مخاطــرة من قبل ماكدونالــ­د، علماً أن المخرج العريق ريدلي سكوت واجه استنكاراً لاذعاً من المحافظين في الولايات المتحدة عام 2006 عندمــا قلب تلك المعادلة الهوليوودي­ــة وجعل مــن الزعيم المســلم، صلاح الدين الأيوبي، أســمى قيماً وأخلاقاً مــن خصومه الصليبيين، الذين يبدون كأشرار بشعين.

«أعتقد أن ذلــك مثير للجدل» يضحك ماكدونالد، الذي أصر على اختيار نجوم بارزين مثل فوســتر والبريطاني بنديكــت كامبرباتــ­ش من أجل تســهيل قبــول طرحه للجمهور الأمريكــي. «كنت أفكر بأن هذا الأمر ســيكون صعبــاً للغاية بالنســبة لبعــض أفراد الجمهــور. لهذا فوستر وكومبرباتش شــاركوا فيه لأنهما أرادا أن يكونا بديلاً للجمهور بطريقة ما. إنهما ســبيل الدخول إلى هذا الفيلم والتعرف من خلالهما على هذه الشــخصية. وهما ممثلان بلا غــرور. فقد كانــا يصنعان فيلمــاً في خدمة هذه الشــخصية، من أجــل تقديمه إلى أعــرض جمهور ممكــن، لأنه لا مغزى مــن صنع فيلم عن شــخصية مثل هذه إذا لم يشاهده ســوى أقلية ضئيلة من الليبراليي­ن، الذين يشــاهدون مثل هذه الأفــام. فلقد أردت أن أصنع فيلمــاً يذهب لرؤيتــه معجبو جودي فوســتر ومعجبو بنديكــت كومبرباتــ­ش مهما كانت اتجاههم السياســية وهذا هو الأمــل الذي أتوخاه». نــال الموريتاني إعجاب النقــاد، الذين أشــادوا باخراجــه وأداءات ممثيله مثل رحيم وفوستر، اللذيْن رُشــحا مؤخرا لجوائز الغولدن غلوب في فئات أفضل أداء. وبينما يترقب صانعو الفيلم ونجومه فرص منافسته على الجوائز العالمية، يترقبون كذلك اســتقبال الجمهور الأمريكي للفيلم ومدى تعاطفهم مع طرح ماكدونالد لشخصية ولد صلاحي، الذي ما زالت حكومتهم تعتبره إرهابيا.

 ??  ?? جودي فوستر
شايلين وودلي
جودي فوستر شايلين وودلي
 ??  ?? بوستر الفيلم
بوستر الفيلم
 ??  ?? طاهر رحيم
طاهر رحيم
 ??  ?? بنديكت كومبرباتش
بنديكت كومبرباتش

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom