Al-Quds Al-Arabi

مساعدة نتنياهو الإنسانية للسوريين!

- *كاتب فلسطيني

تداولت وســائل الإعلام الإسرائيلي­ة خبراً عن اجتماع طارئ عقدته الحكومة الإســرائي­لية مســاء الثلاثاء الأخير، على خلفية ما قيل إنه طلب إسرائيلي من روسيا، بأن تتوسط لها لتقديم مساعدات إنسانية للسوريين النازحين في شمال ســوريا، ومُنع نشرُ تفاصيل حول الموضوع، باعتباره موضوعاً أمنياً حساساً.

عموماً لا توجد في السياســة أعمالٌ إنســانية إلا لخدمة سياسة ما، وهي أبعد ما تكون عن المساعدة الإنسانية، عندما يكون المبادر إليها، في أوج معركة انتخابية ســتقررُ مصيره الشخصي.

الردود الشعبية على خبر الاجتماع السري، حملت الكثير من السخرية، واعتبرت الأمر خدعة أخرى يخرجها البهلوان من كمــه للحصول على مزيد من الأصوات، مثل عملية إطلاق ســراح تاجرة مخدرات إســرائيلي­ة قبل عام، مــن المعتقل الروسي بوساطة بوتين، وتسجيل الأمر كعمل قومي بطولي، قبيل جولة الانتخابات السابقة.

هناك وبحسب آراء بعض الُمعقبين، احتمال بأن يكون الأمر متعلقاً بأمر جديد بالنســبة إلى جثة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهــن، الذي أعدم شــنقاً في عام 1965 في دمشــق، بعد إلقاء القبض عليه يعمل لصالح الموســاد، أو أنه يتعلق بجثة الطيار الإســرائي­لي رون أراد، الذي وقع في الأسر في جنوب لبنــان عام 1982، ولكــن المعلقين اســتبعدوا الأمر. مهمــا كان الأمر الذي بحثه الاجتماع الطــارئ، فإن نتنياهو يسعى لتحقيق عدة أمور من خلال نشــاطاته الدبلوماسي­ة و»الإنســاني­ة»، فهو يريد الرد على قــرار المحكمة الجنائية الدولية، التي أعلنت في مطلع الشــهر الجاري أن لها وصاية قضائية على الأراضي الفلســطين­ية، التي احتلت عام 1967، وبأنها تشك في وقوع جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في هذه المناطق. نتنياهو يريد من خلال مساعيه «الإنسانية» القول بأن إســرائيل دولة أخلاقية، وفي الوقــت الذي يقف العالم الحر وغير الحر متفرجاً على مأســاة المدنيين السوريين، فإن إسرائيل تتحرك لإنقاذهم ومســاعدته­م. إلا أن الإنسانية لا تتجزأ، وفي الوقت الذي يسعى للظهور بمظهر إنساني، تُطرد عشرات العائلات الفلســطين­ية من منازلها، في حيي الشيخ جراح وسلوان في القدس المحتلة، بأمر من محكمة الاحتلال، لتفريغها من ســكانها الذين يقيمون فيهــا منذ قبل الاحتلال عام 1967، كي يستولي عليها المستوطنون، بهدف إقامة بؤر استيطانية، ضمن برنامج الاحتلال المستمر في تهويد القدس على حســاب تخفيف أعداد سكانها الفلسطينيي­ن.لا يمكن أن تظهر بمظهر إنساني تجاه السوريين في الشمال، في الوقت الذي تحتل فيه قطعة من وطنهم منذ نصف قرن، التي تشرد منها مئات آلاف الســوريين، وما زالــوا بعيدين عن أرضهم وقراهــم، التي هُدمت خلال العــدوان والاحتلال عام 1967. لا يمكن أن تلعب دوراً إنســانياً وأنت تمنع أمصال التحصين من كورونا عن الفلسطينيي­ن في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما أنت المســؤول الأول كونك قوة الاحتلال التي تسيطر على كل ما يدخل ويخرج من هذه المناطق، وبحسب القانون الدولي فأنت المسؤول عن سلامة الناس في مواجهة الأوبئة.

هذا الطلب في المســاعدة الافتراضية الإسرائيلي­ة يفضح التقصيــر الدولي تجاه النازحين الســوريين، الذين أُرغموا على ترك ديارهم تحت وطأة حرب أهلية، تشترك فيها أطراف دولية كثيــرة، لكل منها مصالحها، وروســيا على رأس هذه القوى، التي تتحمل المســؤولي­ة بصفتها حليفة أولى للنظام الســوري، وتعتبر غاراتها على المناطق المدنية أحد أســباب هــذا النزوح الكبيــر. تتحمل الدول العربيــة وغير العربية التي أدخلت «داعش» ودعمت التنظيمات الإرهابية، وخربت ثورة الشعب الســوري وشيطنتها بهدف واحد ووحيد، منع الشــعب الســوري من الحصول على حريته. تتحمل أمريكا والغــرب والمجتمع الدولي مســؤولية كبيــرة، عندما تركوا نظام الأسد يفتك بشــعبه، بحجة أنه يحارب الإرهاب، ومن جهة أخرى غضوا النظر عن دعم حلفائهم في المنطقة لتنظيم «داعش».

هنالك إشــارات متبادلة بــن الأنظمة الثلاثة الســوري والإســرائ­يلي والروســي، هدفهــا العثور علــى المصلحة المشــتركة بين الأطراف الثلاثة، تتلخص فــي نهاية الأمر في بقاء الأسد في ســدة الحكم، والتخلص من الوجود الإيراني في ســوريا، والبــدء بإعلان حالــة اللاحرب بين ســوريا وإســرائيل، بدون أي شــروط، والتهدئة، كي يتاح لروسيا الحصول على تعويض مالي مقابــل ما دفعته خلال الحرب. لا توجــد نوايــا طيبة ومســاعدات مجانية في السياســة، خصوصاً عندما تســعى إلى تقديمها يدٌ ملوثة منذ زمن بعيد بالاحتلال وجرائمه بشــتى الصور والأشكال، ومتورطة في قضايا فســاد، وعلى مســافة خطوات من انتخابات ستقررُ مصيرها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom