Al-Quds Al-Arabi

دبلوماسية الجثث بين سوريا وإسرائيل

-

■ تحدّثت وكالة أنباء النظام الســوري عن وســاطة روســيّة لعمليــة «تبــادل للأســرى» تجــري حاليــا بين النظام وإسرائيل، ســتطلق تل أبيب على إثرها اثنين من الأسرى السوريين في سجونها، مقابل إفراج النظام عن فتاة إســرائيلي­ة ســبق أن دخلت مناطق ســيطرة النظام فــي محافظة القنيطــرة بطريق الخطأ، فــي حين أن أحد الأســيرين هو مــن قرية «غجــر» في مرتفعــات الجولان السورية المحتلة، وهي قرية سكانها من الطائفة العلوية، غيــر أن النظام الســوري يقول إن القريــة لبنانية، ليترك ملفها مفتوحا للاستغلال السياسي.

تأتــي هــذه الصفقــة ذات المواصفــا­ت الغريبــة بعــد أنباء عن عمليات روســيّة أخرى في مخيم اليرموك على أطراف دمشــق، تجري فيها عمليات لنبــش القبور بحثا عن رفات جنديين فقدتهما إسرائيل أثناء معركة اندلعت مع الجيش الســوري في ســهل البقاع اللبنانــي قبل 39 عاما، فقــدت فيها تل أبيــب ثلاثة جنــود، تمكن الجيش الروســي من اكتشــاف رفــات أحدهم، ويدعــى زكاري

باومل، وتســليمه لإســرائيل، التــي اعتبــرت ما حصل «بادرة حسن نيّة .»

تضــاف إلــى هذيــن الحدثــن أنبــاء أخــرى ذكرتها وســائل إعلام عالمية، منها قناة «ســي إن إن» الأمريكية، عن لقــاء جمع مســؤولين ســوريين، على رأســهم نائب رئيس النظام الســوري للشــؤون الأمنيــة، علي مملوك، ومســؤولين أمنيين وعســكريين إســرائيلي­ين في قاعدة حميميم برعاية روسية.

يمكن اعتبار ما حصل من تبادل للأســرى اســتمرارا للإشــارات التي لم يكفّ النظام الســوري عن إرســالها، علنا أو سرا، باتجاه إسرائيل، بدءا من الرسالة الشهيرة لرامي مخلــوف، ابن خــال رئيس النظام الســوري، في بداية الثورة التي قال فيها إنه «لن يكون هناك اســتقرار فــي إســرائيل إذا لم يكــن هناك اســتقرار في ســوريا» وصولا إلى تصريحات أطلقها مؤخرا الفنان دريد لحام، المعروف بمواقفه المؤيدة للنظام، على قناة «ســي إن إن» معلقــا على «اتفاقــات إبراهيــم» رأى فيهــا أن «التطبيع قــادم» وهو ليس ضده، مضيفا أن ذلك يجب أن يســتند إلى خطة السلام العربية التي طرحت عام 2002.

إضافــة إلــى رعايــة روســيا للتقــارب بين إســرائيل والنظــام الســوري، فهــي ترعى أيضــا، ومنذ ســنوات عمليات التفاوض بين النظام والمعارضة السورية، وهي لم تكفّ، ولا للحظة، منذ تدخّلها العســكري المباشــر في ســوريا عــام 2015، وشــاركت، بتحالفهــا العضويّ مع النظام وإيــران، في واحدة من أكبر الكوارث الإنســانيّة في القرن العشرين.

لقد توقّف «عداد الجثث» في سوريا منذ فترة طويلة، ولهــذا لا يعلم أحد، علم اليقين، ما وصل إليه رقم القتلى، المتصاعــد يوميّــا، في ســوريا، فرغــم توثيق «الشــبكة الســورية لحقــوق الإنســان» لمقتــل أكثــر مــن 222 ألف شــخص في ســوريا منذ آذار/مــارس 2011 حتى آذار/ مــارس 2020، وتعلن الأمم المتحدة عن مقتل ما يزيد على نصــف مليون شــخص، ومنهــا منظمة «هيومــن رايتس ووتــش» التي تؤكــد مقتل أكثــر من 400 ألف شــخص،

ويقدر «المرصد الســوري» عــدد القتلى حتــى آذار 2018 بـ511 ألفا.

وتعتبــر جهات أن عــدد ضحايا الاعتقــال والتعذيب والتصفيــة فــي ســوريا يصل إلــى رقم خمســة ملايين إنســان، يمثلون أســر المعتقلين والناجين، وبحلول عام 2015 تم تســجيل أكثــر من ثمانية ملايين لاجئ ســوري فــي دول الجوار والعالم، وكان هناك 227 ألف شــخص ينتظــرون تســجيلهم، ويمثل الســوريون قرابة 8.25 في المئة من عدد لاجئي العالم بأكمله.

تمثّــل الإشــارات لإمكانيــة «التطبيــع» الســوري مع إســرائيل، و«تطبيع» بعض الــدول العربية مع الطرفين، «رعاية» متعددة الأطراف، للكارثة الســورية المســتمرة، ومحاولــة لتجاهل هذا الجرح العالمي المفتوح، والســعي لإعادة شــرعنة نظام الطغيان الوحشــي في دمشــق مع العالم، وهو مســعى لا يمكن أن يجــد راعيا له أفضل من روســيا، حامية الاســتبدا­د في العالم، وإســرائيل، رمز الاحتلال الاستيطاني الأخير.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom