Al-Quds Al-Arabi

سوريا موضوعاً لحراك سياسي متنوع

- بكر صدقي٭ ٭ كاتب سوري

لا يتوقع أحد خروج اجتماعات سوتشــي بجديد ذي قيمة في شأن حل سياسي لسوريا. فمن الواضح أن الأطــراف الثلاثة الراعية لهذا المســار لا تملك ما تقدمه بهذا الخصوص، فضلاً عن الخلافات «الداخلية» فيما بينها بشــأن ما يريده كل منها من ســوريا. صحيح أن هناك بنوداً معروفة للتباحث فيها بين الشركاء الثلاثة، كانتهاء اجتمعات اللجنة الدستورية في جنيف إلى طريق مسدود كما أعلن منسقها الأممي غير بيدرســون، أو مصير منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وجوارهــا في المرحلة القادمة وغيرها من الموضوعــا­ت التفصيلية، إضافة إلى موضوعات ثنائية بين تركيا وروســيا من جهة، وإيران وروســيا من جهة ثانية، ولكن من المحتمل أن ما قد يخيم على اجتماعات سوتشــي أكثر من غيره إنما هو الغائب الحاضر الذي يترقب الجميع ما ســيقوله بشــأن سوريا، أي الإدارة الأمريكية الجديدة.

طهران المتفائلة بحذر، وتلعب سياسة حافة الهاوية مع واشنطن بشأن برنامجها النووي وإعادة المفاوضات بشــأنه، ليســت بوارد القبول بأي ضغوط على نظام الأســد الكيماوي ليتعامل بجدية مع الحل السياســي؛ فيما يقتصر اهتمام أنقرة على الوضع في شمال سوريا، في مواجهة الإدارة الذاتية الكردية في الشرق، والحفاظ على الوضع القائم في إدلب وجوارها في الغرب، مع تعزيز تواجدها العسكري والإداري والاقتصادي في مناطق سيطرتها في الريف الشمالي لحلب ومنطقة عفرين. صاحب الهم الأكبر هو روسيا التي تملك التصرف في شأن ســوريا عسكرياً ودبلوماسياً، لكنها لا تملك مشروعاً مستقبلياً يقوم على حل سياسي، ما لم نعتبر أن الإبقاء على الأسد هو الهدف الروسي.

لم تتضح، إلى الآن، سياســة أمريكية متسقة بشــأن سوريا، باستثناء مواصلــة الحرب على بقايا داعش وإعلان التمســك بقرارات مجلس الأمن الخاصة بسوريا على لسان عدد من أقطاب الإدارة المعنيين بذلك. وهذا كلام عام يحتاج إلى بلورة عملية في سياسة متسقة. ركزت وسائل الإعلام على اقتراحات قدمتها مؤسســات فكرية للإدارة الجديدة بشــأن اتباع سياسة «خطوة مقابــل خطوة» التي تقوم علــى اختبار النظام الكيماوي بشــأن موضوعــات محددة مقابل رفــع تدريجي للعقوبات الاقتصادية. لا شــيء يشــير إلى أن إدارة بايدن ســتأخذ بهذه المقترحات أو سترفضها لمصلحة تصورات أخرى. لكن الواضح أنها غير مســتعجلة بهذا الشــأن، وسوريا ليســت أولوية لدى الإدارة في الوقت الحالي. وهذا مــا قد يعني أن الدور الأمريكي في سوريا سيقتصر الآن على تعطيل أي محاولات روسية لتطبيع وضع نظام الأسد أو فك العزلة الدولية عنه. فواشنطن قادرة على لعب هذا الدور السلبي دون أن تحتاج لفعل أي شيء أو تخصيص أي موارد أو القيام بأي انخراط سياسي أو دبلوماسي. وكما ظلت روسيا قادرة على تعطيل أي توجه دولي في مجلس الأمن بواســطة حق الفيتو الذي تملكه كعضو دائم فيه، كذلك تستطيع الولايات المتحدة أن تمنع أي حل سياسي روسي بعيداً عن قرارات مجلس الأمن، إضافة إلى احتفاظها بقوات عسكرية على بعض الأراضي السورية، على رغم رمزية عديدها، الأمر الذي يمنع سيطرة النظام التابع لموسكو على جميع الأراضي السورية.

في هذا الوقت يســتعد النظام الكيماوي لتجديد «البيعة» لبشار الأسد، بعد بضعة أشهر، في ولاية جديدة من سبع سنوات، وكأن سوريا لا ينقصها غير تجديد الانتخابات الرئاســية، في وقت يهدد فيــه الوضع الاقتصادي وحده بكارثة إنسانية في مناطق سيطرة النظام. وهذا ما حفز، إضافة إلى انســداد أفق «اللجنة الدستورية» أطرافاً محســوبة على الضفة المعارضة على التقدم بمبادرات سياســية أبرزها فكرة «المجلس العسكري الانتقالي» بقيادة مناف طلاس المنشــق عن جيش النظام، ونجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس. فتحدثت تقارير صحافية عن جمع توقيعات شملت ضباطاً منشــقين وآخرين ما زالوا في جيــش النظام، بلغ عددهــم أكثر من 1400 ضابط، لتشــكيل بديل عن «هيئــة الحكم الانتقالــ­ي» المنصوص عليها في القرارات الدولية بوصفها المدخل للحل السياســي المأمول. كما أعلن الممثل جمال سليمان الذي انشــق مؤخراً عن «منصة القاهرة» التي كان مؤسسها وقائدها، أنه قدم لروســيا مقترحاً ملموساً بهذا الشأن. وقد رفضت روسيا هذا الاقتراح رفضاً قاطعاً عشية انعقاد اجتماع ثلاثي سوتشي في 16 شباط الجاري. كذلك لم تلق فكرة «المجلس العسكري الانتقالي» ترحيباً في الرأي العام المعارض الذي لديه حساســية كبيرة تجاه دور العســكر في الحياة السياسية، إضافة إلى تحفظاته على عائلة طلاس المنشقة، كما على أي دور روسي محدد في الحل السياسي.

من جهة أخرى انشــغل الرأي العام بتلك الصورة التي جمعت أبو محمد الجولانــي، زعيم هيئــة تحرير الشــام المصنفة على قوائــم الإرهاب، إلى الصحافي الأمريكي مارتن ســميث، حيث ارتــدى الجولاني ملابس حديثة لإعطــاء الانطباع بأنه يمثل تياراً إســامياً «معتدلاً» يمكــن التعامل معه. ويأتي هذا الظهور «العصري» في ســياق تكهنات بشأن تعويم هيئة تحرير الشــام وإخراجها من قوائم المنظمات الإرهابيــ­ة والتعاطي معها بوصفها القوة المســيطرة على منطقة إدلــب وجوارها في وجه محــاولات النظام للتمدد هناك. لم تصدر، إلى الآن، إشارات واضحة على قبول الدول الغربية بهذا التعويم، ولكن لا يمكن اســتبعاد هذا الاحتمــال بالنظر إلى أن الهيئة قد تشــكل الأداة الوحيدة في يد الإدارة الأمريكية، في الشــمال الغربي من ســوريا، لمواصلة عرقلة أي تقدم للنظام المدعوم من روسيا. إضافة إلى أن الوضع في إدلب يقــدم فرصة للتوافق مع تركيا مقابــل الخلاف الحاد بين واشنطن وأنقرة في الشمال الشــرقي، بسبب دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطي­ة.

الخلاصة أن جميع اللاعبين السياســيي­ن المعنيين بســوريا ومصيرها، دولاً ومجموعات وتيارات، ما زالوا في انتظار تبلور سياسة أمريكية بشأن سوريا، في حين أن واشنطن غير مستعجلة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom