Al-Quds Al-Arabi

محمد الفكي سليمان عضو مجلس السيادة السوداني: ملف التطبيع يحتاج نقاشا جديدا

قال إن بلاده ترفض ملء سدّ النهضة للمرة الثانية دون موافقتها

-

■ الخرطــوم ـ الأناضول: قــال عضو مجلس الســيادة الانتقالي في الســودان، محمد الفكي ســليمان، أمس الخميس، إن «ملف التطبيع مع إسرائيل هذه الأيام يحتاج إلى نقاش جديد، مع تشكيل حكومة جديدة، ووجود قيادات سياسية ذات وزن كبير في مجلس الوزراء».

وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت الخرطــوم تطبيع علاقتها مع تــل أبيب، برعاية أمريكية، لكن قوى سياسية عديدة أعلنت رفضها القاطــع للتطبيــع، وبينها أحزاب مشــاركة في الائتلاف الحاكم.

وأضاف ســليمان في مقابلــة: «نحن نتحدث عن سياسة خارجية متكاملة مرتبطة بمصالحنا، بالتالــي هذا الأمر ســيخضع للنقاش مجددا في ذات المسار الذي ســرنا فيه، وإحداث اختراقات كبرى، لكن هذه الملفات تعاد تســمية من يقودها ويتولاهــا، بالتالي من المبكــر الحديث عن الذي يمكن أن يحدث فيها الآن».

وفي 8 فبراير/ شــباط الجــاري، قال رئيس الحكومــة، عبد اللــه حمدوك، فــي تصريح، إن قضية التطبيع مع إســرائيل سيحسمها «المجلس التشــريعي» الانتقالي. وهــذا المجلس من المقرر الإعلان عن تشكيلته في 25 من الشهر الجاري.

تفاؤل بالحكومة الجديدة

بعد يومين من تصريــح حمدوك، أدت حكومة انتقالية جديدة برئاســته اليمين الدســتوري­ة، في أعقاب تعديل «الوثيقة الدستورية» الخاصة بالفتــرة الانتقالية، مــن أجل الســماح للقوى الموقعة على اتفاق السلام، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضــي، بالمشــارك­ة فــي مجالس الحكم الانتقالي.

وحــول الحكومة الجديــدة، قال ســليمان: «أنــا متفائل جدا، خاصــة وأن الملف الاقتصادي وثيق الارتبــاط بالملف السياســي، والعلاقات الخارجية، وهذه الملفات أداء السياســيي­ن فيها أفضل من التكنوقراط .»

وتابــع: «وهؤلاء أيضــا )التكنوقراط( كانت لديهم ميزات ومكامن قوة، لكن مشكلتنا بصورة أساسية كانت مشكلة سياسية، خاصة الحضور السياسي في ملف العلاقات الخارجية والسلام، وتخفيض الصرف على الأجهزة النظامية.»

وأردف: «كل هذه أسئلة سياسية وفنية، لذلك السياســيو­ن أنســب للتعاطي مع هذه الملفات، أنا متفائل جدا بأن الحكومة الجديدة ســتحقق اختراقا كبيرا في الأسئلة المطروحة أمامنا.»

ومنذ 21 أغسطس/ آب 2019، يعيش السودان فترة انتقاليــة تنتهي بانتخابــا­ت مطلع 2024، ويتقاسم خلالها الســلطة كل من الجيش وقوى «إعلان الحريــة والتغيير» (مدنــي( والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.

منذ نوفمبر/ تشــرين الثاني الماضي، تشــهد منطقــة الفشــقة )شــرق( الحدوديــة توترات واشــتباكا­ت بين الجيــش الســوداني وقوات إثيوبية.

وبينما تقول الخرطوم إنها فرضت ســيطرتها علــى أراضٍ ســودانية كانــت توجــد فيهــا «ميليشــيات إثيوبية» تتهم أديس أبابا الجيش السوداني بالســيطرة على أراضٍ إثيوبية، وهو ما تنفيه الخرطوم.

وبشأن تســوية هذا النزاع وقبول الخرطوم لوساطة جوبا، في 15 يناير الماضي، قال سليمان إنه «لا بد من الإثبات أن هذه الأرض ســودانية زرعها مزارعون إثيوبيون في أوقات كان الجيش الســوداني غير موجود في هذه المناطق، وظلوا يزرعونها لفترة ربع قرن.»

وتابــع: «عندما حدث التغيير السياســي في الخرطوم، ورتبنا أوضاعنــا الداخلية، وتوقفت الحــرب الأهلية الداخلية، اســتعاد الســودان لياقته وحيويته السياسية، وانفتحنا على هذه الأراضي، وهي أرضٍ سودانية.»

وتحــت ضغط احتجاجــات شــعبية منددة بتــردي الأوضــاع الاقتصاديـ­ـة، عزلــت قيادة الجيش الســوداني، في 11 أبريل/ نيسان 2019، عمر البشير من الرئاسة )1989ـ 2019.)

إبراز العلامات

وزاد بقولــه: «فوجئنا بالخطاب السياســي الــذي تتحــدث عنه أديــس أبابا بــأن الجيش الســوداني دخــل أراضٍ إثيوبيــة، وكان أمرا مفاجئا جدا بالنســبة إلينــا. المطلوب فقط لحل هذه المشــكلة، هو عــودة اللجــان الفنية لإبراز العلامات في الحدود المرسمة فعلا منذ عام 1902، ومعترف بهــذه الحدود في الاتحاد اأافريقي، بما فيها الخرائط الموجودة في إثيوبيا».

وتابــع: «بمجــرد إظهــار العلامات ســتُحل المشكلة تلقائيا، إخواننا في جوبا عندما جاؤونا بالوساطة قلنا لهم إن السودان كان دولة موحدة والحــدود بيننا وبــن إثيوبيا تمتــد على طول شمال وجنوب السودان في حدود ما يفوق 1600 كيلومتر».

واستطرد: «جزء منها )الحدود( أصبح حاليا في الســودان بحوالــى 725 كيلو متــر. وافقت أديس أبابا علــى التعامل مع جوبا )دولة جنوب الســودان( بناء على الحدود المرســمة استنادا على اتفاقيــة 1902 وفقا للخريطة القديمة، ما هو الأمر الذي يجعلهــا )إثيوبيا( تنكص عن هذا في التعامل مع السودان؟».

وأضاف: «قلنا لإخوتنا في الوســاطة )جوبا( إننــا نريد أن تعاملنــا أديس أبابــا كما تعاملت

معكم فقط بإبراز العلامات وعودة اللجان الفنية الحدودية، التي كانت تعمل منذ سنوات طويلة، وأن تستأنف تلك اللجان عملها، والمشكلة سوف تُحل دون أي جدال ونقاشات سياسية.»

سدّ النهضة

النزاع الحدودي ليس الملــف الوحيد العالق بين الجارتــن، فمنذ نحــو 10 ســنوات يجري الســودان وإثيوبيا ومصر مفاوضــات متعثرة حول سد «النهضة» الإثيوبي على النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل.

وفي كانــون الثانــي/ يناير الماضــي، أعلن الســودان أنــه يبحث «خيــارات بديلــة» (لم يوضحها( بســبب تعثر هــذه المفاوضات، التي يرعاها الاتحاد الأفريقي منذ أشهر.

وقال سليمان إن «موضوع سد النهضة شائك. نحن في السودان على صلة وثيقة العلاقة بالسد. 20 مليون سوداني من جملة الــ40 مليون نسمة )يعيشون( على ضفاف النيل الأزرق».

وأضــاف: «لذلك نســتطيع القــول إن نصف سكان الســودان يتأثرون بأي قرار مرتبط بسد النهضة، بالإضافة إلى ذلك أن ســد الروصيرص )السوداني( يقع على مقربة من سد النهضة، وهو أصغر من سد النهضة بعشــر مرات، وهذا السد ســتتأثر عملياته التشــغيلي­ة بصورة مباشرة، خاصة فيما يتعلق بتدفق المياه وغيره».

وتابــع: «بالتالــي نريــد اتفاقيات ليســت مرتبطة بالمــلء فقط، وإنما اتفاقيــات تفصيلية حول ســريان وتدفق المياه وغيرها من الجوانب الفنية». وأردف: «ملأت إثيوبيا السد في مرحلته الأولى )العــام الماضــي( دون موافقة الأطراف. طبعا هناك أطراف أخرى غير الســودان، سواء على مستوى مصر أو الشركاء الدوليين المرتبطين بهذا الملف».

ومضــى قائلا: «يمكــن أن نقول بــكل ثقة إن الســودان يرفض تماما ملء ســد النهضة للمرة الثانيــة دون موافقته، ولديــه كثير من الأدوات والحلفاء والعمل السياسي، ويستطيع أن يوقف به هذا الأمر ما لم نتوصل إلى اتفاق».

وتصر أديــس أبابا علــى بدء المــلء الثاني للسد في يوليو/ تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق، بينما تتمســك الخرطــوم والقاهرة بالتوصــل أولا إلــى اتفاق ثلاثــي، حفاظا على حصتهما السنوية من مياه نهر النيل.

احتجاجات واعتقالات

خــال الأســابيع الماضية، شــهد الســودان احتجاجــات علــى تــردي الأوضاع المعيشــية رافقتها أعمال ســلب ونهب وإحراق لمقار حكومية

واعتقالات لبعض رموز وكوادر النظام الســابق )البشــير(؛ بتهمة التحريض على العنف، وهو ما استدعى إعلان الطوارئ في 7 ولايات من أصل 18.

وقال ســليمان: «بالنســبة إلى الاحتجاجات التي حدثت مؤخــرا، لا بد من الحديــث عنها في مســارين، الأول أن هنــاك أوضاعــا اقتصادية حقيقية ضاغطة تدعو للاحتجاج، وهو أمر مفهوم ويجب الاعتراف به».

واستطرد: «خاصة وأن السياسات الاقتصادية الأخيــرة التــي اتخذتها الحكومــة خلقت مناخا اقتصاديــا قاســيا، خاصــة علــى ذوي الدخل المحدود، ولا ســيما وأن الثورة نفسها قامت ضد الأوضاع الاقتصادية المتردية، وكان أحد مطالبها الأساسية تحسين الحياة الاقتصادية».

وأضاف أن «الأوضاع الاقتصادية جعلت كثير من النــاس يتظاهرون ضد الحكومــة، وهذا أمر مفهوم وغير مرفوض، لأن الســوداني­ين انتزعوا هذه الحرية بثمن باهظ وقدموا شــهداء وجرحى في مواجهــات طويلة، وظلوا في الشــارع لمدة 4 أشهر».

وتابــع: «أما المســار الثاني فهنــاك مجموعة عضو مجلس السيادة السوداني محمد الفكي سليمان

أخرى دخلت وسط المحتجين، وحولت المظاهرات إلى أعمال نهب وفوضى وتخريب، ونســتدل على ذلك بأن الذين سعوا للنهب والفوضى والتكسير ويريــدون قيادة البــاد إلى حالة مــن الفوضى وتقويض النظام الدستوري ليســوا هم بالثوار الذين ثاروا لمدة 4 أشــهر، وكانــت فيها البلاد في أهدأ أوضاعها الجنائية .»

وزاد بقوله: «ولو راجعت مضابط الشــرطة، ستجد أن مستوى الجريمة في تلك الأيام )الثورة( انخفــض بصورة كبيرة جدا، رغــم أن القتل كان في الشــوارع والنظام البائــد كان يريد أن يجر الناس إلى العنف، لكن تمســك الناس بسلميتهم وحضارتهم ورقيهم وكان درسا كبيرا للناس.»

وتابع: «لذلك الذين أســقطوا النظام وجاءوا بحكومة، وهي حكومتهم، لديهم اختلاف معها في سياساتها وفي رأيها، لا يمكن أن يذهبوا في اتجاه النهب والتكسير .»

وزاد أن «هــذه مجموعات محــددة من النظام البائد تريد جر البلاد الى طريق الانفلات، وهناك معلومات أولية، والتحقيقات ما زالت جارية، وتم القبض على بعضهم بالأســماء في بعض المناطق

وسيُقدمون إلى محاكمات، البعض الآخر ستكشف عنه الأيام المقبلة عندما تكتمل التحقيقات.»

وفي 12 شــباط / فبراير الجــاري، نفى حزب «المؤتمر الوطنــي» المنحل )الحاكم ســابقا( عبر بيــان، الاتهامات الموجهة لبعــض قياداته، متهما النظام القائم بأنه يمارس «هســتيريا سياسية» ويطارد «عدوا وهميا» ضمن «محاولات تخريبية للحراك السلمي الكثيف .»

ومضى سليمان قائلا : «لتلافي هذا الأمر لا بد أن تعمل الحكومة على تحسين الأوضاع الاقتصادية الضاغطة جدا بالنسبة للســوداني­ين، والإسراع في دعم برنامج الأســر الفقيــرة المتأثرة بعملية التحريــر ورفع الدعم وتحســن الملفــات الأكثر الأهمية، مثل التعليم والصحة.»

وشدد على «الإســراع في بناء الأمن الداخلي، الذي ســيُقدم قانونه قريبا إلــى مجلس الوزراء ثم البرلمان المؤقت )مجلســا الســيادة والوزراء( أو المجلس التشــريعي، الذي قطع خطوات كبيرة في اتجاه تشــكيله. الحل ليــس أمنيا فقط، وإنما اقتصادي في المقام الأول، وتحســن أداء الأجهزة الأمنية لتلافي هذا الأمر.»

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom