Al-Quds Al-Arabi

قراءة في «رسالة الملك» لمنظومته الأمنية: الأردن في صدد «تغيير إصلاحي - هيكلي» مهم

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

رســالة ملــك الأردن عبد اللــه الثاني المفصلة لمدير المخبرات العامة الجنرال أحمد حسني، خارج نطاقات التأويل والاجتهاد، وتنطوي على تفاصيل أكثــر دقة مــن أي محاولة لقــراءة محتملة خارج النــص، وقد تكون من الرســائل الملكيــة النادرة والمباشــر­ة التي تتطرق إلــى التفاصيل، وتتقصد عدم ولادة أي شعور بالحاجة إلى الاجتهاد.

عبر فوراً العديدُ من الأشخاص، وفي أوساط محددة يلامس شــغفها مضمون الرســالة، عن فكرة الوضــوح وعن توقعات ما بعد الرســالة، فــالأردن اليــوم وعشــية التحضيــر للمئوية الجديدة كان عملياً ودســتورياً وبيروقراطي­اً في سياق، وأصبح في ســياق مختلف تماماً، يوجه للداخل والخــارج ما هو أعمق وأبعد في خطوات الإصلاح المنهجي، وتحديــداً عندما يتعلق الأمر بالإصــرار الملكي علــى إعادة هيكلــة القطاعات الأمنية.

بالصدفــة المحضــة، وقبل ســاعات قليلة من إصدار الرسالة الملكية، كان أكبر أحزاب المعارضة وهو حزب جبهــة العمل الإســامي، وفي بيان جديــد له، يعلــن أن منابــر التعبيــر تقفل أمام الأردنيين وأن أوضــاع الحريــات متردية جداً، منتقداً ما ســمّاه بـ«التغــول الأمني» الأمر الذي بقــي دوماً من حجــج وذرائع المعارضــة عندما يتعلق الأمر بانتقاد السلطة التنفيذية حصرياً.

وقبل الرســالة الملكية أيضاً، كان المســتوى الأمني يتحمل في وجدان الشــارع مسؤولية كل نواقص وقصور، وحتى أخطاء بقية المؤسســات الدســتوري­ة والسياســي­ة. فيما يبــدو واضحاً للمراقبــن الخبــراء طوال الوقــت أن «عثرات» المســتوى السياســي والتنفيذي كان ينتج عنها إرباكات حتى للمســتوى الأمني الذي يشــتبك ويتدخل دوماً للتصويــب أو التعويض أو حتى لملء الفــراغ في معادلــة مختلة، مــن الملموس أن الرســالة الملكيــة تقــرر معالجتهــا وبجرأة

هــذه المرة، وبصيغــة تؤدي إلى وقــف رهانات السياســي والتنفيذي على وجود مؤسسة أمنية تتحمل العواقب وحدها، ومطلوب منها الحرص والحذر دوماً، فيما يسترسل الوزراء والموظفون البيروقراط­يون في «التورية» وأحياناً التمثيل.

الملك علــى الأرجح سياســياً يريــد أن ينهي مثل هذا «الفصــام السياســي والبيروقرا­طي» على أســاس تتحمل فيه كل مؤسســة دستورية مسؤولياتها.

ولذلك، اســتخدمت عبــارة «تحريــر دائرة المخابــرا­ت العامة من العبء النــاتج عن قيامها بملء الفراغ مضطرة ومشكورة».

رسالة عميقة

رســالة الملك للجنرال حســني، عملياً، ترسم بالتفصيل الممل ملامح إعادة الهيكلة التي يريدها القصر بوتيرة أســرع في بنيــة المنظومة الأمنية الوطنية، فهي رســالة لا تقف عند حد إصدار أمر مباشــر بالعودة إلى الاختصاص، بل شــرحت مــا كان يحصل فــي الماضي ولماذا، كما شــرحت وبصورة دقيقة مــا الذي ينبغي أن يحصل اليوم وعشية مئوية الدولة الجديدة، ولماذا أيضاً.

ليــس ســراً أن رســالة الملــك تحــدد ثلاثة اختصاصــات فقــط لأهــم دائرة فــي المنظومة الأمنية، وتمنع -إذا ما التــزم الجميع بحرفيتها لاحقاً- فرص الاصطياد في ميــاه الأمن، عندما تمتنع بقية المؤسســات الدســتوري­ة عن القيام بواجبها.

هي بذلك رســالة بحجم مؤثر وعميق، ومهمة جداً؛ لأن مفكراً سياسياً من وزن عدنان أبو عودة، وهو أيضاً رجل مخابرات عميق في الماضي، كان قد لفت نظر «القدس العربي» مبكراً ومؤخراً إلى أن استمرار قواعد الاشــتباك في منظومة الأمن الوطني الأردنــي كما هي منذ ســنوات، لم يعد مطلوباً ولا ينبغي أن يستمر.

الهيكلة في المؤسسة العسكرية وفي مؤسسات الأمن العام كانت منتجــة وخلاقة في الإنتاجية، وتوفير النفقــات، كما فهمت «القــدس العربي»

مرتين مــن مدير الأمــن العام الجنرال حســن حواتمــة، والمطلــوب الآن إكمال نصــاب إعادة الهيكلــة والتطوير في بقيــة المنظومات الأمنية مع وتيرة أسرع، وبســبب: أولاً، تحديات ما بعد الفيروس كورونــا. وثانياً، بســبب التحديات الإقليمية؛ فتنظيم «داعش» يعيد ترتيب صفوفه، وتحديات الأمــن الإقليمــي تغيــرت وتحولت وتحورت مثــل الفيــروس، وجهــاز المخابرات الأردنــي الأكثــر احترافاً ومهنية في الاشــتباك القديم مع الإرهاب والتطرف، والاعتقاد سياسياً راســخ اليوم أن «المهام الأقل شــأناً» في ملفات بيروقراطية المطلوب بأن تناط بالجهات الرسمية المختصة بهــا، مما يفرغ المنظومة الاســتخبا­رية لاحقاً لما هو «أهم».

الجهات التي تتولى عملية الرقابة يريد الملك منها أن تقوم بواجبها دون تدخل أمني.

كذلك الجهات التي تصدر تصاريح وتراخيص الاســتثما­ر وحركة المــال، إضافة إلــى الجهات التي تراقب الفســاد وتصدر التشريعات وتولى القضــاء.. كل تلك جهــات دســتورية، قال الملك اليوم إنها تملــك الأدوات والصلاحيات، وعليها أن تمارســها. وهو ما يعني عودة المطبخ الأمني والمخابرات­ي، وهو جهاز وطني ومهم تحمل أعباء معقدة طوال الوقت، إلى اختصاصه المنهجي في جمع المعلومــا­ت ومكافحة الإرهاب والعمل خلف الســتارة ضمن قنــوات الأمن الوطنــي وتوفير الغطاء المهني الفني الأمني للمســتوى السياسي

والتنفيذي الذي لا يمكنه العمل أصلاً دون البنية الأمنية.

هــذا تغييــر إداري دراماتيكــ­ي كبيــر على ســلوكيات ووقائــع ألّفهــا الأردنيــو­ن طوال 3 عقود ماضية، تســتند فكرته إلى تجديد ثقة الملك بالمنظومــ­ة الاســتخبا­رية ورموزهــا ورجالها، ودعمهــم، وتحديــث وعصرنــة آليــات العمل والاشتباك.

تحول إداري هيكلي

وهو تغييــر ينبغي للمعارضــن والحراكيين ولغيرهم، الحرص على عدم التعامل معه من باب الانتهازية السياســية، لأن القصر يدعم ويسند الاحتــراف الأمني عنــد المحترفين مــن رجاله، والجنرال حسني على رأسهم اليوم، دون الغرق في وهم «القراءة المنحرفــة» للتوجيهات الملكية الهيكلية.

وهو تغيير مــن الواضح أنه ســيتدحرج في التفاصيــل الإداريــة، وأن تداعياتــه ســتكون كبيــرة لا بل صادمة لبعض الأوســاط في بعض التفاصيــل. وهــو تحــول إداري هيكلي ضخم، يعالــج الاحتياجــ­ات الوطنية المطلوبــة الآن، ويتجه بخطوة نادرة نحو ما تســميه المعارضة دوماً «تغيير النهج .»

ملك الأردن يتقدم بخطوة كبيرة/، ورســالته الجديدة أعقبت مبادرته الشــهيرة تحت عنوان الإصلاح السياسي وتغيير قانون الانتخاب.

لكن الســؤال الفنــي الذي لا يــزال عالقاً هو الاستفســا­ر عن العلاقــة المفترضــة بين تحول إصلاحي من هذا النوع وبين متطلبات الاشتباك مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تعرف الأردن جيداً في الخبايــا والزوايا وكل القنوات، ولديها القدرة على التشخيص والدعم والتقنين.

هل للأمر علاقة بصديــق الأردن الوفي الذي أصبح في واشنطن رئيســاً لجهاز الاستخبارا­ت الأمريكيــ­ة، وهو الســفير وليام بيرنــز؟ البقية ســتأتي -وهذا الأهم- عشــية احتفالات مئوية الدولة بالربيع الوشيك.

 ??  ?? إصرار ملكي على إعادة هيكلة القطاعات الأمنية في البلاد
إصرار ملكي على إعادة هيكلة القطاعات الأمنية في البلاد

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom