Al-Quds Al-Arabi

دبي والرياض تتجهان إلى منافسة اقتصادية محمومة حول استقبال المقرات الإقليمية للشركات العالمية العاملة في المنطقة

-

■ دبــي - أف ب:بفضــل بُنيتهــا التحتيــة الحديثة وقوانينها السلســة أصبحــت دبي المقر الإقليمي المفضل للشــركات الدوليــة العاملة في الدول العربية المشرقية، وخاصة الخليجية. لكن خروج السعودية من عباءة التشدد في السنوات الأخيــرة، وبــدء إصلاحات اقتصاديــة وإدارية وتشريعية أيقظ منافســاً عملاقاً للإمارة قد يهدد مكانتها في سلســلة الإمداد والمبادلات التجارية على المدى المتوسط.

فمنذ فترة غير قصيرة سهّلت الإمارة الخليجية الثرية فتح الأعمال التجارية في منطقة تعاني من البيروقراط­ية، مما ساعدها على استضافة حوالي 140 مقراً لشــركات كبرى خلال ثلاثة عقود، أكثر من أي مدينة أخرى في الشرق الأوسط.

وبينما كانت بيئة الأعمال تزدهر في دبي، تعثر النمــو في الرياض، عاصمة أكبــر اقتصاد عربي، بسبب السياسات المتشــددة والتهديدات الأمنية والفساد.

لكــن ولي العهد محمد بن ســلمان ســعى إلى وضع حد لذلك عندما تولى منصبه في عام 2017، حيث باتت المدينة المحاطة بالكثبان الرملية تنعم بازدهار نســبي، وتشــهد افتتاح أعمــال جديدة بوتيرة متســارعة، مــن المطاعم إلى الشــركات الناشئة في مجال التكنولوجي­ا.

وفي الشــهر الماضي قال الأميــر )35 عاما( أن هدفــه «أن تصبح الرياض واحدة من أكبر عشــر اقتصادات مدن في العالم.»

ولتســريع هــذا الهــدف، أعلنــت الحكومــة الســعودية أنّها ســتوقف اعتباراً من مطلع العام 2024 التعامل مع شــركات أجنبيــة تقيم مقرات إقليمية لها خارج البلاد.

وتمثّل الخطوة المفاجئة تحدّيا مباشــرا لدبي وتهــدّد بســباق مفتــوح محتدم بــن الجارتين الحليفتين، السعودية والإمارات.

وقال ســتيفن هيرتوغ، الأســتاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد والسياســة «لا أعتقد أن هذه هي النية، ولكن هذا ما ســيحصل عملياً، لأن دبي هي الموقــع المفضّل حالياً كمقر إقليمي للشــركات الدولية .»

في عهد الأمير محمد، تبنّت السعودية سلسلة من التغييــرا­ت الاجتماعية التي لم يكن من الممكن تصورها في الســابق، وعدّلت بعــض قوانينها المتشددة.

فقــد فتحت الريــاض، المدينة التــي يبلغ عدد ســكانها 7.5 مليون نســمة وكان يُنظر إليه على أنها معقل لسياســات المحافظين، أبوابها للترفيه والاســتثم­ار، وهمّشــت «هيئة الأمــر بالمعروف

والنهي عن المنكر» ونفّذت حملات لمكافحة الفساد.

ولكن عملية التجديد تلطخت بشــدة بجريمة قتــل وتقطيع جثــة الصحافي الســعودي جمال خاشــقجي في القنصلية الســعودية اسطنبول عام 2018، والحملة القمعية ضــد المعارضة التي شهدت وضع العديد من المنتقدين السلميين وراء القضبان.

ولكــن الوجه الجديد للعاصمــة جذب مع ذلك مســتثمرين كثيرون يأملون في الاســتفاد­ة من مشــاريع بمليارات الدولارات مثل مدينة «نيوم» المستقبلية الضخمة المخطط لها على ساحل البحر الأحمر.

ومن بين هؤلاء رائدة الأعمال الســعودية هيا أخضــر وزوجها الفرنســي اوغو بوديــز اللذان أنشآ شركة استشــارية متخصّصة في العلامات التجارية الفاخرة في دبي عام 2017. فبالنســبة للزوجين الشــابين، حــان الوقــت للتوجه نحو الرياض وفتــح مكتب هنــاك، إنما مــن دون أن يتخلّيا عن مقر شركتهما في دبي.

وقال بوديز في مقابلة «لقد شاهدنا نمو السوق وتحول اهتمام العديد من العلامات التجارية إلى الســعودية، وتحديدا الرياض» مضيفا «نحتاج لأن نكــون قريبين مــن عملائنا في كلا الســوقين المهمين».

ويقــول المســؤولو­ن الســعوديو­ن أن البلاد تستضيف أقل من 5 في المئة من المقرات الرئيسية للشركات الكبرى في المنطقة رغم أنها تمثّل «حصة الأسد» من الأعمال والعقود إقليميا.

من جانبها اســتجابت الإمارات، التي يسكنها مليــون مليون وتســعة ملايين أجنبي، بســرعة للتحدي الجديــد بعدما وصلتها رياح المنافســة الآتية من الرياض.

وتمثل ذلك في رفع الحظر المفروض على إقامة غير المتزوجين معاً، وخففت القيود المفروضة على بيع وتناول الكحول، وعرضت تأشــيرات طويلة الأجل ومنح الجنســية لأفراد معينــن، ووقّعت اتفاق تطبيع علاقات مع إسرائيل ليجتمع معا أكثر اقتصادات المنطقة تنوّعا.

وقال ريان بوهل، الخبير في شــؤون الشــرق الأوسط في مؤسسة «ســتراتفور» الاستشارية، أن على الإمــارات أن «تُســرّع بعض الإصلاحات التي لا تزال غير ممكنة في السعودية» حتى تظل قادرة على منافسة المملكة التي يسكنها 34 مليون شخص اكثر من نصفهم من الشباب.

ولا تــزال المدن الســعودية تفتقر إلــى البُنية التحتية الملائمة في قطاعات رئيســية مثل النقل والمصــارف، بينمــا تعاني بعض الــوزارات من

بيروقراطية متجذّرة.

وحســب بوهــل، فــإنّ الرياض بعيــدة جداً عــن «دبي وحتــى أبوظبي من حيــث الليبرالية الاجتماعية والإسكان والتعليم وأماكن الترفيه.»

وتابــع أن «الحقيقة الصعبة الأخــرى هي أن في الســعودية 19 مليون مواطن محافظ إلى حد كبير ســيكونون أقل قابليــة للتفاعل مع العادات الاجتماعيـ­ـة الغربيــة لســنوات مقبلــة مقارنة بالإمارات .»

وهذه ليست التحديات الوحيدة. فبينما يُنظر إلى دبي على أنها واحدة من أكثــر المدن أماناً في المنطقة، تواجه الرياض تهديدا من متمردي اليمن حيث تقود تحالفاً عسكريا منذ 2015، والجماعات المتطرفة على حد سواء.

ومــن المتوقــع أن تتعرض جهودها لتحســن صورتها لضغــوط من قبــل الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بعدما لـّـوح الرئيس جو بايدن بجعل المملكة «منبــوذة» على خلفية جريمة مقتل خاشقجي وسجلّها الحقوقي وحرب اليمن.

وكتب عبــد الله عبــد الخالق اســتاذ العلوم السياســية الاماراتي في تغريدة علــى «تويتر» أن»الشــركات والمصارف العابــرة للقارات التي تتخذ دبي مقــرا منذ 30 ســنة )...( اختارت دبي دون غيرهــا بســبب نوعيــة الحيــاة والميزات التنافســي­ة وبيئة تشــريعية واجتماعية وبنية تحتية فريدة». وأضاف» لــن تتركها، ورغم ذلك مليون أهلاً وسهلاً بالمنافسة.»

 ??  ?? حي دبي المالي
حي دبي المالي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom