Al-Quds Al-Arabi

المغرب: التجربة الديمقراطي­ة على المحك

- ■ ٭ كاتب وباحث مغربي

مع محطة الانتخابات التشــريعي­ة 2021، بدأت تضيق خيــارات التوافق حــول القضايا الإشــكالي­ة التي يفترض أن تحســمها القوانين التنظيمية المنظمة للعمليــة الانتخابية، وفــي المقابل بــدأت تبرز معالم الصورة التي سيأخذها المسار الديمقراطي بالمغرب، لاسيما بعد المصادقة في المجلس الوزاري الأخير على أربعة قوانين تنظيمية بهذا الخصوص.

والواقع، أن العنصر الحاســم في تكويــن هذه الصورة غاب عــن هذه القوانين )القاسم الانتخابي( فلحد الآن لا يعرف هل سيحتسب القاسم الانتخابي على قاعدة المصوتين كما يجري الحال في مختلف الديمقراطي­ات، أم ســيتم احتسابه على قاعدة عدد المســجلين في اللوائح الانتخابية، والذي ليس له من مضمون سياســي ســوى إضعاف قدرة أي حزب على الفوز بأكثر من مقعد في الدائرة الواحدة.

ومع أن هذا العنصر الحاســم ذا الطبيعة التقنية في شــكله، يختصر في الجوهر الخلاف السياسي حول المضمون الديمقراطي للعملية الانتخابية، وهل يراد للتجربة السياســية المغربية أن تحقــق التراكم الديمقراطـ­ـي، أم يراد لهــا أن تبقى محكومة بالتوازن وإدارة النخب، فإن القوانــن التنظيمية الأربعة التي صادق عليها المجلس الوزاري لا تترك المساحة بالغموض الذي كانت عليه من قبل.

فقد ظهر من موادها الرئيســية، ثلاثة توجهات كبرى، يصعب قراءتها من وحي ما تعبر عنه ديباجة هذه القوانين، التي تقدم تعليلات تضمر الخلفية السياسية للمشرع أو الذي يقــوم وراءه. أول هذه التوجهات، هو العدول عن نمط الاقتراع اللائحي إلى نمــط الاقتراع الفردي في الدوائر الانتخابية التي يبلغ عدد ســكانها 35 ألف نســمة بعدما كانــت من قبل في حدود 50 ألف نســمة، وهــو ما يفيد توســيع نطاق العمل بالاقتراع الفردي على حساب الاقتراع اللائحي. الثاني، يتعلق بإعمال قاعدة التنافي بين رئاسة المجالس الجماعية وبين العضوية في البرلمان في عدد من الدوائر الكبرى، بعدما كان الجمع بين ذلك جائزا ومبررا في القوانين التنظيمية السابقة.

أما الثالث، فيتعلــق، بتمثيلية المنظمات المهنية، ووضع ضوابط قانونية ترســم تراتيب تنظيمية داخلية أقدم عليها الاتحــاد العام لمقاولات المغرب، بغية إبقائه على طبيعته، وحماية فريقه من الترحال السياسي في مجلس النواب.

بيان ذلك، أن هذه المنظمــة المهنية، المقربة جدا من حزب التجمع الوطني للأحرار، أقدمت مؤخرا على تعديلات قانونية، تمنع بموجبها أعضاءها من الانتماء للأحزاب، فجاء القانون التنظيمي، ليؤكدها بالتنصيص على ســحب عضوية أي برلماني يغادر المنظمة المهنية إلى أي حزب سياسي. التأمل في ديباجة هذه القوانين، والتعليلات التي تم سوقها لتبرير اللجوء إليها، يشــعر بأن المقصود هو تعزيز المضمون الديمقراطي، لاسيما إن تم النظر إلى هذه التوجهات الثلاثة في علاقة بما ورد في مقتضيات أخرى، تهم تعزيز المشاركة السياسية للمرأة، وتقوية الدعم المالي للأحزاب، لكن، الدخول في التفاصيل، يشعر بأن التحديات المطروحة على العملية الانتخابية، تمس في الجوهر المضمون الديمقراطي، وتســائل المسار برمته، هذا بدون استحضار ما يمكن أن يؤول إليه الخلاف حول القاســم الانتخابي وحول «كوتا» الشــباب وغير ذلك من القضايا الخلافية التي لم تحسم لحد الآن. بيان ذلك يتضح إذا تم استحضار الحلقات السابقة مــن التراكم الديمقراطـ­ـي، وبالتحديد، التعليلات التي وضعها المشــرع في القوانين التنظيمية السابقة، التي انتصرت بقوة لنمط الاقتراع اللائحي، واعتبرته آلية مهمة لنقل وعي القاعدة الانتخابية من مســتوى الارتباط بالشخص والقبيلة إلى مستوى الارتباط بالحزب السياسي والبرنامج والاختيارا­ت. صحيح أن العدول إلى الاقتراع الفردي فــي القوانين الجديدة ليس كليا، وإنما شــمل دوائر معينــة، وأبقى الدوائر الكثيفة سكانيا، لاسيما منها في المجال الحضري، تحت طائلة الاقتراع اللائحي، لكن، بين الدوائر التي يسكن بها 25 ألف نسمة، والتي يسكن بها 50 ألف نسمة، ثمة حساب دقيق، يبرر عملية الانتقال من اللائحي إلى الفردي: حساب تكشفه نتائج الانتخابات السابقة، ويبين أن المقصود ليس إلا الإضعاف الانتخابي للأحزاب التي كانت المستفيد الأول من نمط الاقتراع اللائحي مثل حزب العدالة والتنمية، والانتصار للأحزاب التي كانت تفوز في السابق بنمط الاقتراع الفردي، فصارت «ضحية» لاعتماد نمط الاقتراع اللائحي مثل حزب الاستقلال وأحزاب الأعيان عموما.

المعطــى الثاني يزيد الأمر توضيحا، فتنصيص القانــون على تنافي صفة برلماني مع رئاســة مجالس الجماعات )عمدة( في الدوائر التي يفوق عدد ســكانها 300 ألف نســمة، لا يحتاج إلى تحليل، فالمعني الأول بهذه الدوائر، هو حزب العدالة والتنمية، الذي حصل العمودية في أغلب المدن الكبرى والمتوســط­ة، وهو ما يعني، إجبار هؤلاء الذين تتوفر فيهم صفة الجمع بين رئاســة المجلس الجماعــي وبين صفة برلماني على اختيار واحد بدلا من فرصتين، أي إضعاف قدرتهم على استثمار إنجازهم في التدبير الجماعي، وتحويله إلى مكســب يحصلون من ورائه الصفــة البرلمانية، وفي الوقت ذاته، الاضطرار إلى اللعب بلاعبين جدد، لا تتوفر فيهم الكاريزما السياســية اللازمة لتحصيل المقعد البرلمانــ­ي أو الجماعي. أما المعطى الثالث، فرغم أن الظاهر فيه حماية الفريق الممثل للمنظمة المهنية الممثلة لرجــال الأعمال )الاتحاد العام لمقاولات المغرب( والإبقاء على حياديته السياســية، إلا أن أحزابا أخرى-مثل حزب الاستقلال-ترى أن المقصود شيء آخر، وهو التمكين لحزب التجمع الوطني الأحرار، الذي تعتبر هذه المنظمــة تعبيره الاقتصادي وصوته داخل رجال الأعمــال، وفي الوقت ذاته، احتكار الحزب لهذه المنظمة، وحرمان الأحزاب السياســية من حقها في التمثيل داخلها. ثمة شــيء واحد ربما ينظر إليه البعض على أنه يســير في اتجاه تراكمي، وهو تمثيلية النســاء ودعمها، وأن القوانين التنظيمية الأخيرة مضت في اتجاه تعزيز تمثيليتهم، بعد أن نقلت أســاس التمثيليــ­ة في اللائحة الوطنية من طابعــه الوطني إلى طابعه الجهــوي. والحقيقة، أن هــذا المعطى يمكن النظر إليه من زاويتــن متقابلتين، فبقدر ما يفيد الانفتاح على الكفــاءات الجهوية، وضمان حقها فــي التمثيل، بعدما أن كان الأمر حكــرا على القيادات الوطنية، بقدر ما يفيد إنهاء ســطوة الأحزاب التي كانت المستفيدة رقم واحد من اللائحة الوطنية النسائية، وإعادة رسم التمثيلية بناء على الأصــوات الجهوية، بما يعني التقليص من حظوظها، أي ســيكون مطلوبا من حزب العدالة والتنمية، باعتبار أنه كان المســتفيد الأول من اللائحة الوطنية النسائية، أن يضمن للوائحه النسائية الجهوية نفس الزخم الذي كان يوفره على مستوى اللائحة النسائية الوطنية لكي يحصن عدد مقاعده فيها، وهم أمر مشكوك فيه.

حاصل هذه التوجهــات، ودون اعتبار للقضايا الخلافية الثلاث، والتي ســتقدم الصورة بشكل أفضل )القاسم الانتخابي، «كوتا» الشباب، ومشاركة المغاربة المقيمين بالخارج( أن الســمة التي تجمعها، هو تقليص المســاحات التي كانت يســتفيد منها حزب العدالــة والتنمية لتحصيل عدد أكبر من المقاعــد، وتمكين الأحزاب الأخرى من مساحة لمضاعفة مقاعدها، لاسيما الأحزاب التي تعتمد على الأعيان والروابط القبلية لتحصيل عدد من المقاعد لاسيما في الوسط القروي وفي المدن الصغرى والمتوسطة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom